عائشَة السيفيّ
متَى تنتهِي هذهِ الحساسيّات التاريخيّة بين شعبين شقيقين ينطبقُ عليهِما قولهُ صلى الله عليه وسلّم حديث الجسَد الواحد .. .. " إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالسّهر والحمّى" .. شعبَان على كلّ واحدٍ منهما أن يدافعَ عن الشّعبِ الآخر وتاريخهِ وحاضرهِ وشعبهِ كأنّه يدافعُ عن شرفهِ وعن أبنائِهِ وزوجتهِ وأمّه وأبيه؟ .. أينَ عقلاءُ البلدَين ليغلقُوا باب الفتنَة والحساسيّة التيْ يصطادُ فيهَا الدخلاء.. ثمّة ما ينبغي أن يقالَ اليَوم ، ربّما تجدُون فيه بعض القسوَة لكنّ القسوَة من القريبِ خيرٌ من الغريب .. والصّدق –مهمَا كانَ قاسياً- خيرٌ من الكذب ، ودرءُ الفتنَة خيرٌ من إطفائهَا بعدَ وقوعها ..
إخوتي أهل الامارات..
الذي ينشغلُ بتدليس التاريخ والبحثِ عن جذُور وهميةٍ هوَ شخصٌ مأزومٌ يعيشَ حالَة إنكارٍ لواقعهِ وينشغلُ بماضيهِ .. هؤلاء الذينَ تدفعُون لهم اليَوم لصناعَة تاريخ وهميّ سيضرُونكم أكثر من نفعهِم فهم كالذباب .. ينتقلُ لمائدةٍ أخرى أكثر إغراءً فورَ أن ينتهوا من لعقِ بقايا طعام مائدةٍ أخرى.. ومن ارتزقَ البارحَة وعضّ اليدَ التي استضافتهُ وأحسنت إليه ليدلّس في تاريخها .. سيغادركم غداً إلى من يدفعُ أكثر ويسدّ جشعَ نفسهِ التي لا تشبع!
هؤلاءِ "خيّاطُون" .. يفصّلون لكم التاريخ مثل الثَوب والدشداشة .. على مقياسكُم كيفما تشتهون .. لا يتحرّجُون من تخييط "الجغرافيا" ليتحوّل مسقط رأسِ المهلّب بن أبي صفرَة من أدَم إلى دبا .. ولا عنترة بن أبي شدّاد إلى "ليوَا" .. وهم كذلك لن يتحرّجوا من تفصيل "ثوب التاريخ" على مقاسِ "دفّيعة" آخرين ..
لماذا تنشغلُون بالتاريخ ولكم الحاضر؟ لكم أن تفخرُوا بمنجزكم اليَوم .. بالدولةِ العصريّة التي بناها لكم زايد خلال ثلاثين عاماً.. افخروا بواقعكم اليَوم وابنُوا عليه تاريخكم .. لا عيب في ذلك ولا ضير .. إنّما تكتبُ الأممُ بما تقدّم الآن لا بما كانت قبل ألفِ عام .. إن كان لكم تاريخٌ فأحبّوه .. لكن لا تدلّسوه ولا تنتحلوا تاريخَ غيركم.. احترَمُوا تاريخ الآخرين ليحترمُوا حاضركُم .. حافظوا على تاريخ الآخرين حتّى لا يأتي غيركم ويسرقَ تاريخكُم بعد حين..
افخرُوا بما تحقّق اليَوم لكم .. صدّقوني .. ما أنجَزه زايد لكم هوَ علامة ٌ فارقة ٌ في التاريخ .. والحلم الذي عاشَ هذا الرّجل حياتهُ لأجله يجبُ أن يستمرّ وهذا الحلم لم يستمرّ إذا انشغلتُم بتاريخٍ لا يسمن ولا يغني من جوع .. انشغلُوا بما صنعهُ هذا الرّجل وابنوا عليه مستقبلكم فحاضركُم هوَ مصدر قوّتكم .. لا تاريخكم .. كونُوا أنتم اليَوم لا ما كنتُم عليهِ قبلَ ألفِ عام ..
أيّها العمانيّون..
احذرُوا من أن تعلَقوا في التاريخ .. فليسَ الفتى من قال كانَ أبي .. إنّ الفتى من قالَ ها أنذا .. دعُوا حاضركُم يتحدّث عنكم .. وحمّلوا أنفسكم تجرّؤ الآخرين على تاريخكم لأننا أهملناه .. لأننا لم ندرّس أطفالنا تاريخهُم معَ أوّل ألفباءٍ لقنّاها لهم .. كما زرَع المصريّون حضارة الفراعنَة في دمَاء أطفالهم ، كمَا أرضعُوهم حضارَة آبائهِم مع حلِيبهم .. أحبّوا تاريخكم ولكن لا تعلقُوا فيه ولا تنشغلُوا بالجدَالات المطوّلة التي لا تثير سوَى حساسياتٍ كامنةٍ بينَ شعبين تربطهم رابطَة الدَمِ قبلَ الجيرَة ..
ابدؤوا بأنفسكم واحفظُوا التاريخ .. التاريخ الذي تنقطعُ علاقتنا بهِ فور خرُوجنا من المدرسَة أو فورَ دراستنا لمقرّر التاريخ في عامِ دراستنا الجامعيّ الأوّل .. ولأجلِ ذلك يتجرَأ من تجرَأ .. فكلّما زادت "هشاشة" معلوماتنا التاريخيّة بوطننا ، زادَ المدلّسون وما أكثرهُم هذهِ الأيّام ..
تذكّروا دائماً أنّ تاريخَ اليُونان الضاربَ لألفي عامٍ قبل الميلاد لم يدفع ديُونها البالغَة 600 مليَار دُولار اليَوم .. ولم يساعدهَا تاريخهَا في تقبِيل أقدَام دولٍ مستحدثَة لتحسنَ عليهَا بهذا القرضِ وذاك لإنقاذ اقتصادهَا المنهَار .. وأنّ دولة ً هجيناً بلا تاريخٍ كالولايات المتّحدة لم يضرّها أن تكونَ بلا تاريخ لتحكَم العالمَ وتتسيّده وتقرّر كيفمَا شاءت لتقصفَ هذهِ الدولة وتلك مهمَا كانَ عمر تاريخها الحضاريّ آلافَ الأعوام!
لا ألُوم من لدِيه مالٌ كثيرٌ لا يعرفُ أن يصرّفه من أن ينفقهُ على س و ص ليصنعُوا له تاريخَاً.. ولكنّ الأولى ببلادِي –بموَارد دخلهَا المحدُودة- أن تنفقَ مالها على حاضرِي ومستقبلِ أطفالي .. على الطرُق والموانئ والجسُور والصّرف الصحيّ والبنيَة الأساسيّة لنا .. أن تنفقهُ على تعليمنا وصناعَة عقُولنا ورفع مداركها .. أريدُ لبلادِي أن تنشغلَ بمالها على توفير مستوى حيَاة كريمَة لي ولأطفالي وإن زادَ دخلها بأن تنشيء لنا الحدائق العلميّة والمتاحفَ التكنولوجيَة لأنّها تمثّل حاضري اليَوم ومستقبلي غداً ..انشغلُوا بجمَال الحاضر الذي آمنَ السلطان قابُوس بكم لتحقيقه وآمنَ أنكُم أهلٌ له وأنكم على قدرِ الرّهان لتكملُوه ..
احمُوا تاريخكم ولكن احذروا من أن تعلقُوا فيه ومن أن تعيشُوا في مظلّته .. ومن أن تنشغلُوا بالصرَاع عليه فحاضركم أولى بكم .. ليسصحيحاً أنّه من كانَ بلا ماضٍ لم يكن له حاضرٌ أو مستقبل .. فالأمثلة اليَوم كثيرَة ٌ في العالم ..
ونحنُ كانَ لنا ماضٍ يرفعُ الرأس .. فلنكمله بحاضرٍ مشرفٍ وغدٍ أشرَف .. ارفعُوا هذا البلد بإيمانكم وبقدرتكم على أن تكُونوا أفضَل من المهلّب بن أبي صفرَة .. فالبلد التي أنجبت المهلّب بن أبي صفرَة هي بلدٌ ولودٌ أنجبَت وستنجبُ أفضَل من المهلب وخيراً منه .. إيّاكم أن تفقدُوا الأمل بأنّ هذا الوطن ولاّد .. ولاّدٌ بأبنائهِ ومواردهِ البشريّة لا بنفطهِ ولا غازهِ الذي سينفدُ يوماً!
من عاش على رفات الماضي.... ضيع حاضره
ردحذف.... خليجنا واحد
جميل جدا
ردحذفقلتي فأنصفتي
مقال ممتاز.... لكن لا بد لنا أيضا أن نحسن الظن في حكومتنا الرشيدة.
ردحذفمقال رائع ومعتدل
ردحذفكل الشكر والتقدير على هذا القلم الساحر
تمنيت أن لايكون لنا تاريخ...حتى لا نتغنى به كثيرا
ردحذفويعمي عيون كثيرة عن الحاضر والمستقبل
ردحذفقرأت .. لاعرف
فعرفت .. فصمتت ..
ومشيت فى حال حلمي