عائشَة السيفيّ
يُحكَى أنّ أعـرابياً أضَاعَ ناقته ثمَّ وجدها ثمَّ أضلَّها ثانيةً فحلفَ إن وجدَها أن يبيعَها بدِيـنَار، ولما وجدها ندَمَ على قسَمِهِ،ففكَّر في حيلة فأخذ هرَّاً فربطه إلى عنقهَا وذهبَ بهَا إلى السّوقِ وعرضَهَا للبيعِ وقالَ: الناقة ُ بدينَارٍ والهرُّ بمائةِ دينارٍ وَلا أبيعُهمَا إلاً معَاً.
حضَرتنيْ هذهِ القصّة وتلك البائعَة الجميلَة فيْ السيتيْ سنتَر تقولُ ليْ لنْ تدخليْ قائمَة السحبِ على جوائزنا إلا بعدَ أن تشتريْ بقيمَة 30ريَال وتضيفيْ عليهِ اختيَار إحدى هذه المجمُوعة من العطور والكريمَات.. قلتُ لها أنيْ لمْ أحبّ أياً من تلك التيْ يشترط عليّ أن أشتريها لا ملمسهَا ولا رائحَتها ليسريْ عليّ العرضُ .. فقالتْ ليْ وقدْ عبر فمُها مسافة ً طويلة ليستقرّ في أقصَى اليسار من وجهها بعد أنْ علاهُ الاستياء.. "هوَّهْ كذا العرض" !
خرجتُ وأنا أفكّر بالعروض اليوميّة لصالونَات التجميل التيْ تعلنُ في الصحف بالبنط العريض عن عرُوضٍ وتخفِيضاتٍ هائلة وتصفّ أمامك قائمَة بالعرُوض ( حفّ كامل للوجه ، صبغة هايلايت ، مانيكير ، حمّام مغربيّ ، حمام بخَار ، حمّام مكسيكي ، فرد شَعر ياباني ) وتتسطّر أمامك قائمة بمليون خدمَة منْ جميعِ أنحاءِ العَالم وينتهيْ الإعلان بـ (كلّ هذا بكيت وكَيت من الريالات فقَط) !
تنخدعُ الكثيرُ من الزبونَات بهذهِ العرُوض .. فصالُون التجميل حينَ يروِّجُ لهذهِ الخدمات يدرجُ منها خدمَات تجمِيل كثيرة لا تحتاجُ جهداً كبيراً من العاملة بالصالُون ولا تكلّف الصالونَ قيمة ً تذكرُ.. أو تدرجُ خدمات لا تقبلُ عليها الزبُونات مع خدماتٍ أخرى أكثر إقبالاً لتردّ ثمن الخدمات غير المُقبَل عليها مع تلك التيْ تشهدُ إقبالاً كبيراً .. ليس هذا فحَسب فما أن تذهَب الزبُونة حتّى تفاجئ بمستوَى الخدمَة .. مثلاً كرِيم واحد فقط لحمّام البخَار .. أوْ لون صبغَة واحدة لمانيكير الأظافر وتكتشِف في النهايَة أنها أكلت مقلباً كبيراً في الإعلان!
الأمرُ ذاتهُ يحدثُ حينَ تعلنُ القنَاة الفلانيّة عن جائزَة كبرَى تتعدّى الملايين فيجنُ جنُون الجمهُور ويذهبُ من يبعثُ بالعشرِ والعشرين رسَالة .. ولكم أن تتخيّلوا أن قيمة هذه الرسائل لا تقل عن نصفِ ريال فلو أنّ 10 آلاف فقَط .. بعثُوا 3 رسائل لحصلتِ القناة على 15ألف ريَال. هذا بالحديث عن قنوَات يصلُ عدد متابعِيها اليوميين لقرَابة العشرين مليُون.
أنَا نفسيْ وقعتُ قبلَ سنوَاتٍ في هكذا شَرَك حينَ شاركتُ في إجَابة سؤالٍ في برنامجٍ باللغة الانجليزيّة يذاع على قناةٍ فضائيّة وكانَ السحبُ على قسيمَة بقيمَة 50ريال فقَط وحينَ سحبُوا مني فورَ مشاركتي 700بيسَة أقسمتُ بعدها ألا أشارك فيْ أيّ من هذه المسابقات .. فلو أنّ 200 مشاهِدٍ فقط بعثَ برسالة لهم لأتُوا بضعفِ قيمَة الجائزَة !
الأمرُ ذاتهُ يحصلُ مع أولئكَ الذينَ يضطرُون للسفرِ للخارج بحثاً عن سلعٍ أرخص . . ويبدُو الأمرُ مضحكاً أن المرءَ يدفعُ ثمن التذكرة والإقامة والأكل والجهد ليبحث عن سلعَة أرخص يكتشف بعدَ الحسبة النهائيّة أن ما دفعهُ يعادل قيمة السلعةِ في بلادهِ مع الاحتفاظ بالجهد والمشقّة !
أوْ تبحَث عن شقّة أو بيتٍ للسّكن فتجِدُ بنايتَين متجاورتَين سعر الشقةِ الأولَى 320ريالاً والأخرى 300 ريَال وبنفس المواصفات فتهرُول للثانيَة ظناً منكَ أنّ الأحمق من يفوّتها لكنكَ تكتشفُ في النهايَة أنّ صاحب البنايَة الأولى لا يشترطُ عليكَ أن تدفعَ نسبَة المكتبِ الوسيط أو ضريبَة البلديّة بينمَا صاحب البنايَة الثانية يشترط أن تدفع 240ريَالاً وفي النهَاية تكتشفُ بعدَ الحسبَة أنّ سعر الثانيَة أغلى بكثيرٍ من الأولَى . .
ويحدثُ العكسُ لدَى توفير تكييف للأولَى وعدم توفير للثانيَة فتفضّل الثانية وتكتشف بعدَ مدّة أن ما دفعتهُ لتوفير التكييف للشقَة هوَ أضعاف الفرق بينَ سعر إيجَار الشقّة الأولَى والثانيَة ..
مهوُوسون نحنُ بالعُروض الترويجيّة والاعلانيّة . . نتّجه للأرخص دائماً في أسرَع حسبَة دونَ أن نفكّر قليلاً أن أيّ تاجر يملك أقلّ أسسِ التنظيم التجاريّ ليس مستعداً للخسارة لأجلِ عيُون الزبُون . . لكنّها لعبَة التجارة التيْ أتقنهَا قبل آلاف السنينِ ذلك الاعرابيّ الذي باعَ هراً ب99ديناراً وناقة ً بدِينَار !
عرُوض شركَات الاتصالاتِ التيْ يسيلُ لعابكَ وأنتَ تقرؤهَا .. تقولُ في نفسكَ : ( مو وازنهُم يخسرُوا عمارهُم كذا؟ ) ولا تعرفُ أنّ خلفَ تلك الشركَات عقولاً تجارية ً تحسبُ وتعدّ . . تحصيْ المائَة بيسَة قبل الريَال لتتأكدّ أن أيّ عرضٍ لن يجلبُ سوَى مزيدٍ من الريالات في جيبِ الشركَة !
تقولُ لك الشركَة الفلانيّة .. تحدّث إن شاء الله لبكرَة ! لن يكُونَ سعرُ مكالمتك أكثر من كيتٍ وكيتٍ .. لكنّك تكتشفُ أنّ الشركَة وحدَت التسعيرَة .. فأن تتحدث لعشرِ ثوانٍ مع زوجتكَ سائلاً إيّاها "زاهب الغدا؟" وتغلق الهاتف. . يوازيْ مكالمة ذلكَ الرّجل النسونجي الذيْ يغازلُ لساعاتٍ طويلة ً تلك الفتاة َ وتلك الفتاة .. ببسَاطة لأنّ سعر التسعيرة ثابت .. لدقيقتين أو لمائَة دقيقَة ! تماماً كالشركَة التيْ تقولُ لكَ عبئ ريالاً للانترنت واستمتع طوَال الوقتِ بانترنت فائقِ السرعَة ! وحينَ تبادرُ بالتحميل تكتشفُ أن الشركَة حددتْ لكَ حداً أقصى للتحميل . . فهيَ ليستْ على استعداد لتسدّد عنكَ قيمَة المائتين فِيلم التيْ حمّلتَها في ذلكَ اليَوم . . لا أحدَ يخسرُ بيديهِ يا أصدقائيْ !
هكذَا إذنْ هيَ لعبَة التَاجر الشاطر .. تأتيْ لتشتريْ منتجاً معيناً فيلزمكَ البائع بقولهِ : تشتريْ المنتج الفلاني –الذيْ يكُون في الأغلبِ كاسداً في محلّهِ- فتحصلُ على الآخرِ مجاناً ! أو كتلكَ المحلاتِ التيْ تعلنُ عنْ تنزيلاتها بعد رغبتها في تصفيةِ مخازنها التيْ تكدّستْ فيهَا منتجاتهَا وسلعهَا القديمَة التيْ تودّ التخلّص منها للزبُون . .
" أرضَان ولا أبيعهُما إلا معاً " . . هكذا كتبَ أحدُ البائعين في موقعٍ للبيعِ والشراءِ العقاريّ . . وهكذا هوَ لسانُ حال عشراتِ التجَار . . لا أحدَ يخطّط ليخسرَ بيديهِ ، وكما قيلَ التاجرُ الشاطِرُ منْ يفهَم كيفَ يفكّرُ الزبُون ، فالزبُون الشاطرُ كذلكَ من يقرأ من خلفِ سطُور العرُوض تلكَ التيْ تأخذكَ شهداً وتعيدُكَ علقمَاً !
" يوازيْ مكالمة ذلكَ الرّجل النسونجي الذيْ يغازلُ لساعاتٍ طويلة ً تلك الفتاة َ وتلك الفتاة ."
ردحذفانزين واللي خاطب بنت وجالس يتعرف عليها هاتفياً ؟؟؟؟
ما زين نوبه كذاك ظالمين الرجال ..
لكن لحظة ..
يستاهلوا ..
تخيلي في مركز تجاري يأتي عامل إحدى وكالات السفر ويعرض جائزة عبارة عن رحلة مجانية الى دولة (س) .. أو تتصل إحدى الموظفات في مكتب سفريات لتخبرك أنك ربحت رحلة الى دولة (ص)شرط أن تكون متزوج وراتبك فوق ال700 ..
ردحذفدعيني أخبرك ذات يوم اتصل هذه الموظفة وأخبرتها أن راتبي أقل من 700 وانني غير مؤهل للدخول في العرض لكنها همست أنها ستكتب أن راتبي فوق ال700 شرط ألا اخبر مسؤولها حين آتي اليهم في اليوم التالي أنا وزوجتي لمعرفة تفاصيل العرض..
أعطتني رقما على اساس الاتصال .. لكنني لم أكن في ذلك اليوم بالقدر الكبير من الغباء الذي توقعته..
ولم اذهب
مقال جميـل عائشَة ..!!
ردحذفبالفعل الإعلاناتُ تُغْري ولكنّها هي علقمٌ كمـا قلتِي
تحيّة
ما شاء الله على العقلية المالية ؟!
ردحذفبإعتقادي بأنك ستكونين الحارس الأمين لجيب زوجك عكس ما تفعل الكثير من النساء .
مقال رائع .
مودتي
مقالات جميلة .. موفقه أختي عائشة ..
ردحذف