عائشَة
السيفيّ
"اليوم
أغلقَت مدرسَة يهوديّة في أمستردام تحسباً من وقوعِ هجمَات"
اقتربَت
مني زميلتي في العمل..
"لا
أريدُ إخافتكِ ولكن حاذري" في إشارَة
منهَا إلى أحداث تشارل إبدُو وبلجيكا ..
نظرتُ
إليها بدهشَة فتابعت: احتمال وقوع هجمَات تجاه المسلمين في هُولندا ضعيف ولكنّ هذا
لا يمنع من أن تحذري .. هنالك من ينتظر وقوعَ أحداثٍ معادية ليخرجً الشيطان الذي
بداخلهِ .. هنالك مراهقُون يتابعُون الإعلام وقد يودّون إفراغ شحنة كراهيّتهم تجاه
شخصٍ أعزل .. حاذري فقط" ..
***
قبلَ
أسبوعٍ كنتُ أخبرُ صديقتي عن نيتيْ قضاء إجازة نهاية الأسبوع في فرنسَا فقالت لي
انتبهِي .. فالأحداثُ تشتعل .. قللتُ من شأنِ الأمرِ بل وسخرتُ منه .. سوفَ ينسى
العالمُ هذا الجنونَ سريعاً
من
يصدّق كيفَ تتشابكُ الأحداثُ والمشاهد بهذهِ السرعَة .. من حيٍ صغيرٍ في باريس
خرجت الشرَارة إلى بلجيكَا فهولندا.. ومن
يدفعُ الثمن؟! نحن!
***
لا
أفهمُ لماذا يعتقدُ أيّ عاقلٍ أنّ رسم رسُومات كاريكاتيوريّة لنبيّ هوَ أمرٌ
كوميديّ ومضحك بصرفِ النظرِ إن كانَ هذا النبيّ هوَ محمّد أو أيّ نبي آخر! وأنّ
تجسيد شخصيّة مرّ على موتها 1400 عام بالإمكان أن يثيرَ ضحكَ انسان..
لن
يكُون مضحكاً رسم كاريكَاتير لرجلٍ يتجاوزُ أتباعه 1.6 مليار نسمة .. تخيّل أنك
قمتَ باستفزاز 1.6 مليار شخص على وجهِ الأرض وإهانة رمزٍ مقدّس لهم .. إذا
اعتبرنَا أنّ 1% منهم مجانين بما يكفي ليردُوك قتيلاً لإهانتك رمزهُم المقدّس
فنحنُ نتحدث عن 16مليُون شخص قد يهاجمُونك بطريقَة أبشع مما تتخيّل قد تكلّفك
حياتك .. إذن ما هي احتماليّة أن تمُوت لسخريّتك من النبيّ محمّد!؟
لماذا
يعتقدُ أحدٌ ما أنّ الضحكَ على الأموات أمرٌ كوميدي .. وأنّ السخريّة من شخصيّات
تاريخيّة تعرّضت للظلم والقهر طوال حيَاتها بدءاً من مُوسى حتّى محمّد بالإمكان أن
تصبح مادّة للضحك على اعتبار أنّها حريّة تعبير؟ من يجدُ أنّ السخريّة من بوذا
أمرٌ مضحك؟ وهل يعتقدُ أيٌ منا أن رسم كاريكاتيُور لبوذا قد يثير الضّحك في نفسِ
أيٍ من أتباعه؟
على
الصحافة الغربيّة أن تتوقف عن حشر الأديان ورمُوزها وسط الترّهات اليوميّة ..
الحديث عن الأديان هي أحاديث شائكة .. مليئة بالعواطف ومحتشدة بالألم .. وهي لا
يمكِن إلا أن تكُون أحاديث شخصيّة يأخذها النّاس على محمل الجدّ ولا يجدُون فيها
شيئاً من الطرافة حين يتعلق الأمر برموزهم.. رموزهم الذينَ ليسُوا رجالات دولة ..
ليسُوا سياسيين لتسخرَ منهم .. وليسُوا معارضينَ أو ممثلي أحزاب محسوبين على
الحكومةِ أو خلافها .. إنّهم "أموات" يمثّلون للملياراتِ قصصَ كفاحٍ
مليئة بالألم والمعاناة ولا يمكن لأيٍ منا أن يعتقد أنّ السخريَة منهم قد تبدُو
أمراً طريفاً .. السخريَة من الأموات هوَ أمرٌ رخيص فما بالكُم لو كانُوا رموزَاً
مقدّسة دينياً؟
***
لن
يخالَ أحدٌ كيفَ ترتبطُ الأحداثُ ببعضها .. فبإمكان أربعَة مجانين (واحدَة منهُم
كانت تضع صورهَا بالبكيني على الفيسبُوك قبلَ أن تثور حميتها) لا يمثلون أكثر من
صفر بالمائة من تعدَاد المسلمين أن يثيرُوا بتصرّفهم الأهوَج موجة من الكراهيَة
والنفُور تجاه المسلمين وكيفَ لصفحَة كرتونيّة أن تنتهي بإثَارة موجَة كراهية عالميّة تجاه ملايين المسلمين المنتشرين في الأرض وكم هوَ شعُورٌ بغيضٌ
أن يعيشَ المرءُ خائفاً ، متوجّساً لا لخطأ ارتكبهُ أو حماقةٍ أقدم عليها ولكن
لأنّ صحيفَة رخيصة أثارت جنُون أربعة إرهابيين قرروا إرداء حياة طاقم تحريرها
فحاكمَ النّاس 1.6 مليار شخص على فعلةٍ هوجاء لم يكن لهُم بها يد! وأيّ شعُورٍ
مقزز أن تعيشَ فتاةٌ مثلي ملتزمة بالقانون ، تدفع الضريبة ، ومجتهدَة في عملها ولا
تؤذي أحداً في بلدٍ متحضّر يتعاملُ معيَ الناس فيه بحضاريّة ولكنّني لا يمكنُ أن
أخطئ المشاعر المشحُونة التي أهجسها وأنا بينهُم تجاهَ المسلمين .. هذه المشاعر
التي لن يخرجها أمامي الهولنديُون بطبعهم المتحفّظ ولكنّ مسلمين آخرين يعيشُون بين
شعُوب هوجاء كالألمان والبلجيكيين سيدفعُون ثمن تصرّف أحمق وغبي في بلدٍ آخر بين
شعُوبٍ تحتقرنا ولا تبدي حرجاً من إبداء ذلك .. طباعٌ عرفتهَا وخبرتُها بعدَ أن
ذرعتُ البلدينِ وعرفت طباع أهلها ..
***
قبلَ
أيّام كنتُ أقودُ درّاجتي إلى العمل .. وكانَ طالبَا مدرسَة يقودَان أمامي وقد
سدّا الطريق فشغلَ كلٌ منهما حارَةً بدراجتهِ .. أبطأتُ سرعتي وظللتُ خلفهما حتّى
انتبهَ أحدهما إليّ وأشار إلى زميلهِ بأن يفسحَ لي الطريقَ ففعل.. مضيتُ في طريقي
فإذ بي أسمعُ صراخهُ خلفي.. كانَ الصبيُ يرطنُ متذمراً من أني لم أشكرهُ لإفساحهِ
الطريق أمامي.. تجاهلتهُ وأكملتُ طريقي.. حينَ حكيتُ لصديقتي الهولنديّة ما حدث
بادرتْ معتذرة .. ثمّ قالت: أنت تعرفين الأحداث الحاليّة (تلميحاً منها لا تصريحاً
إلى تشارلي إيبدو) .. بعضهُم يبحثُ عن عذرٍ للإساءة .. هكذا قالت..
كنتُ
أفكّر أنّ أوّل ضحايا الإرهاب باسم الله والدين هُم بنُو المعتقد نفسه .. ولم يكن
ذلك مستغرباً فأنا التي لا يمرّ يومٌ دونَ أن أتصفّح فيه الديلي ميل أمضيتُ
أسبوعين منذ واقعة شارل إيبدُو وأنا أفتح بشكلٍ يوميّ الصفحَة الأولى لأقرأ كلّ صباحٍ
خبراً ما عن "الإرهابيين المسلمين" .. كيفَ للعالم ألا يكرهنا! وكيفَ
يمكنُ ألا نمقتَ أنفسنا!
***
وعلى
طريقَة "وسلّط عليهِم كلباً من كلابهم" يخرج لنا عمدَة روتردام المسلم
ذو الأصول المغاربيّة ليقول على الهواء بطريقَة "سوبرمانية" للمسلمين:
أنّ من لا يستطيع أن ينصهر في المجتمع الأوروبيّ فعليهِ أن يحملَ أمتعته و"يلتعن"
.
هنالكَ
بعض الأشخاص الذينَ لا يستطيعُون أن يبرزُوا حجمَ عنصريّتهم وكراهيتهم تجاهَ
المسلمين ولذا فإنّ أي صوتٍ يخرجُ منهم مثل تصريح سعادَة العمدَة سيكُون فرصةً
لشخصٍ عنصريّ وكريهٍ مثل عمدة لندن ليردّ فوراً مثنياً على حديثِ عمدة روتردام
بقولهِ: "أنتَ بطلي"!
***
لقد
توقفتُ منذ زمنٍ عن تبرير نفسي وأظنّ أن على الجميع أن يتوقف ويغادر موقف الدفاع
التاريخي الذي حُشرنَا فيهِ رغماً عنا .. لستُ مضطرةً لتبرير كلّ هذا العته والبله والفرَاغ الدينيّ الذي يتخبّط فيه البعض وسرعَان ما يتحوّل إلى نموذج داعشي ممتلئ بالعقد .. لستُ مضطرةً لتبرير كلّ هذا الاستحمَار على اعتبار أنني جزءٌ منه ..
لا أعرفُ لماذا عليّ تبرير معتقداتي أمام
الآخرين فقط لأني أرتدي قطعة قماش على رأسي كافية لاعتباري نموذجاُ أصولياً! لو
أراد 1.6 مليار نسمة أن "يلعنُوا خير العالم" لاستطاعوا! من يستطيع
إيقاف هذه القوة البشريّة الهائلة؟
ولكننَا
دائماً سنظلّ ندفع ثمن كلّ الجهل والحماقة والحيوانيّة التي حشرتنا داخلها جماعاتُ
داعش وطالبان والقاعدَة .. هؤلاء الذين يظنّ الأوروبيون أننا نعيشُ معهم في حيّ
واحد.. نعم الأوروبيون يعتقدُون أنّ الشرق الأوسط بأكملهِ هو حيّ صغير.. أنا لم
أقابل طالبانياً ولا داعشياً في حياتي .. والهولنديون الذين قابلتهُم هم أكثر
بكثير من العراقيين والسوريين الذينَ تحتل داعش أرضهمُ اليوم .. أنا القادمة من
عُمان .. من شعبٍ لا يؤذي أحداً ، مسالمٍ ومحبّ أضطرُ دائماً لتبرير نفسي كضريبةً
للجنُون الذي تمارسهُ جماعة قذرَة كداعش!
في
ألمانيا تحديداً وأكثر من هولندا أتلقى كلّ الأسئلة الطريفة المثيرة للضحك.. هل
يسكن داعشيُون في حيكم بعُمان؟ هل يسمحُون لكم بقيادة السيارة؟ كيفَ تحتملين
ارتداء العباءة السوداء وسط سخونةِ الجوّ في عُمان؟
هذه
الأسئلة والنظرات المرتابَة كنّا نختبرها سابقاً مع الشيُوخ والكهول الأوروبيين
أكثر من الشباب على اعتبار أنّهم يقضُون أغلب وقتهم يتابعُون نشراتِ الأخبار التي
تصدّرها الصحافة الغربيّة كالعادَة بأخبار الإرهاب القادم من الشرق الأوسط ولكننا
اليوم أصبحنا نتلقى هذه الأسئلة من ثلاثينيين وأربعينيين وهوَ أمرٌ مخيف وبغيض
ومزعِج ..
***
قالتْ
لي صديقتي الهولنديّة –التي قرّرت في جلسَة سمرٍ غلبَتها الشفَافية- أن تفتحَ لي قلبها..
"قبلَ
أن أعرفك كنتُ أتطيّر من ايّ فتاة ترتدي حجاباً .. نحنُ نعتقد أنّ ثلثي مشاكل
العالم قادمة من العرب"
وقبلَ
نتالي .. همسَ لي صاحبُ نزلٍ نمساويّ في قريةٍ صغيرةٍ قضيتُ فيها إجازةً بالنمسا
أنني كنتُ من العربِ القلائل الذي استأنسَ إلى الحديثِ معهم ..
"الفرنسيُون
والألمان يقولونَ لي كيفَ تقبلُ استضافة عربٍ في نزلك؟ ألا تخاف" .. ثمّ أكمل
"أخافُ كثيراً من السعوديين.. عندما أرى نساءهم متلفعات بالسوَاد من قمة رأسهنّ
حتى أخمص قدمهنّ أتساءل هل يخفين تحتَ ثيابهنّ قنبلة؟!!!"
***
"إن أي قضية فردية أو اجتماعيّة ، أدبيّة كانت أم أخلاقيّة
أم فلسفيّة دينيّة أو غير دينيّة تُفرَض علينا وهيَ بَعيدة عنِ النباهَة الإنسانيّة
والنباهةِ الاجتماعيّة ومنحرفَة عنها إنّما هي استحمَار" - علي شريعتي في "النباهة
والاستحمَار"
داعشية أوروبية !!
ردحذفسبحان الله من تصف ب داعشيه اوربيه يااغبي
ردحذفمدونه ممتازه جداااااااا
وتسلم يد الاخت عائشة
ربي يعطيك العافيه
بارك الله فيك ..اللهم انصر الاسلام والمسلمين في كل مكان وردنا الى دينك ردآ جميلآ..واجعل الدائرة تدور على اعدائك اعداء الحق والدين..آمين.
ردحذفمقالة جميلة بارك الله فيك والأعجب أن مهندسة تكتب بأسلوب جميل بدون أطاء لغوية تقريبا.
ردحذفردود أفعال متوقعة، لا تمنعني من التساؤل: من يستفز الآخر أولاً؟
ردحذف"بدأ الإسلام غريبا وسينتهي غريبا".
ردحذفكان الله في عونكم على الغربة.
الأخ اللي "متعجب" من كتابة مهندس بأسلوب جميل وبدون أخطاء لغوية! عجبا لتفكيرك !