اقرَأ أولاً:
عن الفقر .. بطريقَة عُمانيّة جداً (1)
هلْ تذكرُون يا أصدقائي حكاياتيْ ذات يومٍ عن العم أبي أحمد .. ذلك الرجل الطيّب الذي اعتاد أن يصرف الصدقات على الناس في رمضَان ويكثر منهَا .. يصرفُ لهم الأرز والحليب والسكر والطحِين واحتياجاتٍ كثيرةً تسدّ رمق عائلاتٍ معدمَةٍ لدينا .. نأكلُ ولا يأكلُون .. ننامُ على هواء المكيّف البارد ولا يفعلُون كما نفعل ..
لا نعرفهَا .. لأننا نهتمُ بما أمامنا من الطعام وننسَى الآخرين ..
كعادتهِ بدأ العم أبو أحمَد إخرَاج صدقاتهِ قبل رمضَان .. فاتفق مع عددٍ من محلاّت المواد الغذائيّة في نزوَى على صرف كوبوناتٍ للناس المستحقة للمسَاعدَة .. وهوَ يمنحُ الكوبونات لتلك العائلات .. يبدأ الشهر بأبي أحمد .. ولا يصلُ لمنتصفهِ حتّى يكون العم أبو أحمد قد تخطّى ميزانيتهِ لصرف الصدقَة .. ما يضطرهُ للاقتراض من أولادهِ ليسدّد قيمَة الكوبونات التيْ يتخطّى عددها دائماً ما يخطط لهُ ..
لا يتوّقف جرسُ بيتهِ عن الرنين طوال رمضَان ..تأتيهِ العائلات من نزوَى وما حولها .. من الداخليّة وما حولها ومن مناطق أخرى ..
نساءٌ بأطفالهنّ .. ورجالٌ مسنين لا يكادُون يحتملُون المشي .. وأطفالٌ صغارٌ لم يتخطّوا الابتدائيّة ..
رأيتهُ يومَ الخميس وقدْ أمسكَ رجلٌ بلحيتهِ يتوسّله المساعدة وهوَ يقول: والله لا أجد رمقاً أطعمُ بهِ أطفالي .. فسألهُ أبو أحمد: أنت تاجر خضارٍ في السوق .. ألا تملكُ ما تطعم بهِ أطفالك .. فصرخ الرجل: دعها مستُورة يا أبا أحمد .. والله ثم والله إني لا أملك حيلَة يوميْ لإطعامهم من غلاءِ هذه الحيَاة ..
يأتُون إليهِ في المسجد ويلاحقُونه في السُوق .. لا يردّهم صبحٌ ولا وليل ..
يظنّ أحدنا يا أصدقائي .. أن عُمان بخير .. وأن الفقر لدينَا هو فقر ألا يملك أحدنا سيّارة مثلاً .. أو لا يملك بيتاً أو لا يملكُ رصيداً في البنك .. لكنّ أحداً منا لا يعرفُ أن هنالك فقراً لدينا يعني أن صاحبهُ لا يملك ما يطعمهُ لأطفالهِ .. ما يسدد بهِ ماءً نظيفاً ليشربُوا منه .. لا يملكُ ما يدفعهُ لإلباس أطفالهِ في وقتٍ يتزامنُ فيه العيد مع المدارس ..
ناس لا تزالُ تعيش على 60ريَال مساعدَة من وزارَة التنميَة .. ووزارَة التنمية تصرف الستين ريال للعائلات الفقيرة ذات الأعداد الكبيرَة منذ خمسين عاماً .. وكأنّ دخل الفرد لم يرتفع .. وكأنّ سعر السوق لم يرتفع .. وكأنّ السلعَة في عام 1990م نفس سعرهَا في عام 2010 ..
أبو أحمَد كانَ دائماً يقولُ لأولادهِ: اليَوم من راتبهُ 600ريَال!! فقير ! ..
ووزارَة التنميَة الاجتماعيّة لا تزال تصرفُ 60ريَال للعائلة المحتاجة؟!
فكمْ من الفقراء لدينَا في عُمان؟! وكمْ منَ المعدَمين لدينَا ؟! وكمْ عائلة ً يستطيعُ أبو أحمَد أن يغطيها والفقرُ يمشيْ في الطرقَات ويختبئُ تحتَ كلّ حجر؟
بارك الله في أبو أحمد وأكثر من أمثاله لأننا نفتقر وبشدة لمثل هؤلاء الرجال {والذين في أموالهم حق معلوم (24) للسائل والمحروم} [المعارج: 24 - 25]
ردحذف