التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عن الفقر .. بصنَاعة عُمانيّة جداً (3)

اقرأ أوّلاً :

عَن الفقر .. بصنَاعة عُمانية جداً (1)

عن الفقر .. بصنَاعة عُمانية جداً (2)

اطلعتُ ذاتَ يومٍ على تقريرٍ للأمم المتحدَة حول دخل الفردِ في اليَمن .. فوجدتهُ 300 دولار سنوياً بمعنَى أنّ دخله كلّ يوم 0.8 دولار في اليَوم وبالعُماني دخلهُ كلّ يومٍ 300بيسة !!!

قرأتُ تلك المعلومة لأمي فتمتمت بطيبتهَا الأموميّة: شفتي كيف نحن عايشين بنعمَة؟ دومك معصبة على أوضاع البلد .. والله عمان بخير والناس بخير والحمدلله الخير والنعمة كثير ..

كانتْ أمي تقولُ ذلك وهي لا تدركُ أنهُ وفقاً لمنظمة الأوبك العالميّة فإن احتياطي النفط في عمان سيدوم لـ 15 عاماً .. أو على الأكثر 20 عاماً ..

أمّي لا تعرفُ أن نسبَة صادرَات النفط مقارنةً بالصادرَات الأخرى في عُمان تشكّل 82% !!

بعدَ عشرين عاماً واعتماد بنسبَة 82% من الصادرات النفطيّة ! ما الممكن تخيّله؟!

يا أصدقائي .. الحكُومة العمانية تصدر يومياً شيكات بستة أصفار وسبعَة أصفار وثمَان أصفار لمشاريعها التنمويّة الضخمة .. ووزارة الاقتصاد الوطني تطالعنَا كلّ يومٍ بأخبار عن زيادة الإنتاج النفطي اليوميّ ..

بعدَ عشرينَ عاماً؟! سيقولُ أحدكم .. يللا خير لعشرين سنَة ! بعيدَة .. يمكن ما تكُوني حيّة !

وأنا أقول أن عشرين عاماً ستمرّ بغمضَة عين .. قد يكون لديّ طفل أو طفلان أو ثلاثة يومها ..

وأطفالنا .. بعد عشرين عاماً كيفَ سيكونون؟ وكيف سيكُون التعليم؟ وكيف ستكُون الرواتب؟ وكيف ستكُون شبكة الطرق وكيفَ ستكون الكهرباء؟ وكيف ستكون شبكة الصرف الصحيّ؟ وكم سيكُون دخل الفرد؟وأسئلة كثيرة يحقّ لنا أن نثيرها ..

لأن 20 عاماً مدّة قريبَة جداً .. ولأننا نستحق في هذا الوطن أن نعيش بسلامٍ مع أبنائها .. ألا نهاجر للعمل كما بدأ يحدث الآن مع العشرات من العُمانيين إلى قطر والامارات! ولأن أبناءنا يستحقُون فرص تعليم متساويَة تماماً كتلك التي حظي بها آباؤهم ..

اليَوم يا أصدقائي .. الموظّف براتب 500ريَال وهذا يفوق معدّل الدخل الشهريّ للفرد العماني ب300ريال بالنظر إلى أنّ متوسط دخل الفرد العماني الشهريّ 200ريال وبإزالة 200ريال على الأقلّ لمصاريفه وإيجاره وهذا أقلّ ما يمكن حذفه .. فإنه سيحتاج لثماني سنوات ليجمّع مبلغ شراء أرض متوسطة المساحة في منطقة كالخوض السادسة .. وسيحتاج 15 سنَة أخرى ليبنيْ بيتاً متوسطَ الحجم ..

وقد يقلّص هذا بالمشاركة مع زوجتهِ العاملة .. وسينسى بالتأكيد السفر السنويّ والنزهات إلى المطاعم وألعاب الأطفال .. وارتياد المهرجانات ..

في شعبيّة الكرتُون تجسّد شخصيّة أبو سليمان العُمانيّة الرجل البخيل .. في إشارة إلى تقشّف الفرد العُماني .. والفرد العمانيّ ليس بخيلاً لكنّه متقشف .. لا يسافر كلّ عام .. ولا يمتلك أغلى السيارات .. ولا يعيش في البيوت الفارهة .. ويمضي الشباب المتزوجون ما لا يقل عن 6 إلى 15 عاماً لبناء منزل ..

ولعلّ أغلب فتيات عُمان لا يركبن الطائرة إلا للذهاب لشهر العسل .. فكم منهنّ لم يطأن أرض المطار إلا مرةً للسفر مع أزواجهن في شهر العسل .. ولا أستثني من ذلك نفسي فأنا لم أركب الطائرة إلا بعد دخول الجامعة .. ولم أطأ أرض أوروبا إلا لشهر العسل ولعلها تكونُ الأخيرة .. من يدري؟

العُماني متقشف لكنّه يجاهد .. يعيش على قدّ حاله .. وهو في دولة نفطية تصدّر ملايين البراميل من النفط كلّ عام ..

المقارنة قد تكُون بعيدة مع الشعب المصريّ .. لكنّنا لن نعود دولة نفطيّة بعد 20 عاماً .. وأولادنا لن يحظوا بالفرص التي حظينا بها ..

ولن تكُون يومها ثمة مبالغَة في المقارنة .. لأنّ قيمَة الشيكات التي تصدرها الحكومة اليوم للتنميَة من نصيب كعكة النفط لن تكُون باقية ً لذلك اليوم ..

شبح الفقر؟ ليس بعيداً جداً عنا .. فقط انتظروا يا أصدقاء .. انتظروا ! ..

للحديث بقيّة

تعليقات

  1. مقال رائع .. يذكرني بأمسية للدكتور عبدالله النفيسي في قطر عندما تكلم عن سوء توزيع الثروة في الوطن العربي وبالاخص الخليج العربي، فالاسر الحاكمة اطفالها يحصلون على الاراضي والرواتب وهم ما زالو رضع، لا وغيرهم ما زالو في الاجنة!! وهذه ليست مبالغة فهناك المصاريف الهائلة الكمالية تصرف لافراد تكفي لشعب أو دعونا نقول لمشروع يعود بالفائدة على الشعب وحتى للاجيال القادمة
    بالفعل الحال بحاجة الى مراجعة واهتمام وتكريس نابع من مسؤولية وامانة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق