التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في زمَن "المُزايدَات" ... هل أدمنـَّا "النَفخَ" و"الحقن" ؟

في زمَن "المُزايدَات" ... هل أدمنـَّا "النَفخَ" و"الحقن" ؟

عائشة السيفيّ

المُزَايدَاتُ علَى الوطنيَّة هيَ نجمَة المشهَد هذهِ الأيَّام! والمقالاتُ النافخَة في الذَات العُمانيّة هي الرائجَة  .. تنقطعُ حيناً ثمّ تعُود ... المقالاتُ والتغرِيدات التيْ تضخِّمُ ذاتَ الشّعب حتّى يصدّق أنهُ شعبٌ مختلف .. و"مُختار" .. و"فوقَ النقد" ولأجلِ ذلك فلا غرَابة أن تغزُو أجهزتنا وصفحات تواصلنَا الاجتماعيّ فهذا هوَ زمنهَا.
حينَ أعلنَ ابن علوِي قبل بضعَة أشهُر أنّه ضدّ الاتحادِ الخليجيّ كانَ مدهشاً للغايَة حجم "التعصّب" الشديد الذي أصابَ الكثيرين .. التعصّب للحد الذي جعلنا نتناقل "تغريدات" توجيه العُمانيين للشتَائم لآخرين من المغرّدين الخليجيين باعتبَارها "رجُولة" و"فتوّة" .. وسادَت اللغة الاستعدائيّة ولغَة الشّارع الكثير من التغريدَات حتّى يسأل المرء .. إذا كنّا نردُ على الآخرين "الشاتمين" بـ"شتائم" أخرى فما الفرقُ بيننا وبينهم؟
هذهِ اللغَة الاستعدائيّة التي طَالت حتّى نخبَة الكتّاب فكتَب أحدهم : وداعاً مجلس التعاونِ الخليجيّ وكتبَ آخر: أنا لستُ خليجياً ولغَة الكلمَات البذيئة التي عمّمها بعضُ العُمانيين فجأة على "كافّة الاخوة الخليجيين" على اعتبارِ أنّ "العُمانيين ليسُوا خليجيين" كانتْ صادمَة بشدّة لي شخصياً ولآخرين من أشقائنا في دول مجلس التعَاون حتّى سألني أحدهم: لم أرَ العُمانيين في تويتر وحينَ شاهدتُهم لم أصدّق أنهم انزلقُوا إلى نفسِ مستنقع الشتَائم الذي غرقَ فيهم غيرهُم!
أذكرُ أنّي ذهبتُ إلى عددٍ من الهاشتاقات التي أطلقتْ حول عُمان والاتحاد الخليجيّ فرأيتُ معظم التغريدات فيهَا "عُمانيّة" وخجِلتُ حقيقة ً من كثيرٍ مما كتِب .. هذهِ هي ضريبَة أن يتحدّث كلّ أحدٍ في السيَاسة! لقد قلقتُ من أنّ الشّعب كانَ "حكُومياً" أكثر من الحكومَة نفسها ومتعصباً لسياسَاته "أكثر" من انحيَاز الحكُومة لسياساتها! وكنتُ أفكّر هل توقّعَ يوسف بن علوي حينَ أطلقَ تصريحهُ أن يُحدثَ كل هذا الاصطياد العكر؟


***


ولأنّ الوساطة العُمانية مع إيران كانتْ شرارة ما حدثَ ومحرّضة على فكرَة الاتّحاد فقد دخل التراشُق الطائفي خطّ القتال "التويتري" بينَ الخليجيين وحينَ كنتُ أطلّ على موَاقع التواصل الاجتماعيّ لأجدَ الجبهَة محتدمَة كنتُ أتابعُ أيضاً إعلانَ إيرَان عبر رئيسِ برنامج الفضاء الإيرانيّ محمد إبراهيمي عن إرسالها صارُوخاً جديداً إلى الفضاء يحمِلُ قطة فارسيّة تمهيداً لإرسالها الانسانَ إلى الفضاء نهايَة السَنة الفارسيّة بعدَ نجاحهم في إرسال قردٍ العامَ الماضي وعودتهِ سالماً فيمَا أعربت الولايات المتّحدة عن قلقها من تطوير إيران لبرنامجها الفضائي مخالفة ً قرار مجلس الأمن الدولي بحظرِ أي أنشطةٍ فضائيّة على إيران.
يااااااه... يا شيعي يا إيراني يا وهابي يا يا ... النّاس يرسلُون الكائنات الحيّة للفضاء الخارجيّ ونحنُ نتناقلُ تغريدَة العُمانيّ الذي يهدّد السعوديّ بحملهِ على "مكنسة" إلى عُمان.



***

وعلَى غرارِ "أبطَال النينجا" ظهرَ لنا "أبطَال تويتر" مستغلِين موجَة "الحقن والنّفخ الوطنيّ" وهؤلاءِ هم من "أصحاب الغترَة والعقال" ممنْ أقحَموا عُمان في خطّ خلافاتهم مع دوَل خليجيّة مجاورة مستغِلّين ثورَة العُمانيين لتـاريخِ "وطنهم" في تصفيَة حسَابات أخرى.. وطبعاً كانَ المناخُ مهيئاً لهم جداً فقد استقبِلوا بحرارَة شديدة .. وأصبحَ النّاس يصفّقون لهم في كلّ ما يقولونه .. يُؤتى بهم إلى عُمان ليأمونا في مساجدنَا ويأكلُوا من حلوَانا ويزوروا كبَارنا وهوَ حقُ كلّ ضيفٍ في عُمان .. لكنْ حينَ يتناقلُ النّاس صورهُم بهذا الشغفِ وبـ"تغطيَة إعلامية كثيفة ومجانيّة" يسأل المرءُ من يكُونون؟ وما هيَ صفتهم؟ ولا صفة َ لهم سوَى أنّهم "تويتريّون" صعدُوا على كتفِ الجماهِير العُمانيّة لتصفيةِ خلافاتهم مع س و ص من الحكّام! شتائمهم التي يملؤون بها تويتر ضدّ هذا الحاكم أو ذاك نتلقّفها بحرارة ونتداولها... وألفاظهُم البذيئة في حقّ شعوب خليجيّة شقيقة نتناقلها بيننا ... متناسِين أنّ من ارتأى لنفسهِ أي يشتِم شعباً مجاوراً فلا ضمَانة أن يأتي ويشتمنَا غداً فالمبدأ واحِد وإن اختلفتِ الغايَة!


***

في مدَارِسنا .. منذ سنوَات درَاستنا الأولى ونحنُ نشاهدُ المسرحيّات عن المصريين والصّعايدة و"الزولات" وَ"الزلمات" .. يضحكُوننا، نتندر بلهجاتِهم وألوانهم وتصرّفاتهم ولا يُثيرُ ذلكَ حنقاً من أحد .. فالموضوع في النّهاية كوميديا .. والكوميديا طبيعتُها المبالغة .. إنّها سودَاء "لا تطبطبُ" على كتفِ أحدٍ مهما كان جميلاً .. لا تقول إنّك جميل ورائع ولكنّها تلتقط منهُ ما تريدُ وتجعلُ منه مادّة للتندر لأنّها "كُوميديا" مهمّتها الإضحاك .. ثمّ النسيَان.
في التلفزيونِ والراديُو والمسرَح تلتصقُ فكرَة "الكَسل" بالسودانيين و"النّهم الشديد" بالمصريين ،  و"القات والتحشيش" باليمنيين ، و"الكلمنجيّة" بدوَل الشامّ ولكِن هل يعني هذا فعلاً أنّ جمِيع هذه الشّعوب كذلك؟
في الجَانب المقابل فإننا نثُور لو أنّ أيّ مشهَدٍ كوميديّ مسّنا.. فجأة ً تنطلق الصّيحات المندّدة والمقالات الثائرة من هذا الكاتبِ وذاك..  نثُور للحدّ الذي أنّ المشهد "المثير" كانَ ليسقطَ سهواً بينَ ملايين الفيديُوهات/المسرحيّات الكوميديّة التي يتناقلها العالم ولكن لأنّه كوميديّ "يمسّ" العُمانيينَ تثُور ثائرة الشّعب.. أما آنَ أن نتجَاور هذهِ الحساسيّات الشّديدة وننصرفَ لما هوَ أهمّ من "مشهَدٍ" كوميديّ عابرٍ نحللهُ على غيرنا ولا نحلّه علينا!
أعرفُ أنّ ما قلتهُ الآن سيثير الكثيرَ من "النافخينَ" للذاتِ العُمانيّة ليزَايدوا على وطنيّتي باعتبَار أنّهم "وطنيّون جداً" . ولكن صدقاً أما آن أن نتجاوز هذه الحسَاسيّات التي بلغَت حدّ التعصب ..
أعنِي ما الذي يجعلنَا نتقبّل "الكوميديا السّاخرة" عُمانياً .. بدءاً من أيّام مسلسلاتِ سعِيد وسعيدة وانتهاءً بدرايش والتي كانتْ قائمة بالدرجَة الأولى على تحوِيل اللهجة العُمانيّة والطّابع المحليّ إلى مادّة للضحك والفرفشة ولا نتقبّلها من غيرنا؟
ألا يَكفي هذا "التعظِيم" للعُمانيين و"رَدح" أيّ من يعتقدُ أنّ فيهِم روحَاً رياضيّة للفكاهة وأنّه لا يملكونَ الحقّ بأن يبعثُوا الضّحك والفرفشة لدَى شعُوبٍ لا تملكُ إلا الفرفشة والابتسامة في زَمن الحرُوب والمعاناة العربيّة؟



***

إذا سبني مرءٌ تزايدت رفعة و ما العيب إلا أنْ أكُون مساببَه

وَلوْ لمْ تكُن نفسِي عليَّ عزيزَة لمكنتُها منْ كُلّ نَذلٍ تُحارِبه


***



يتسَاءل المرءُ إن كانَ "العُمانيّ" فوقَ النّقد ومحصّناً منَ "المسّ" فمنْ هُم هؤلاء الذين يتصدّرون الجرائد اليَوم باتّهامات الفسَاد والرشوَة وبيع الضّمير .. من هم هؤلاء الذينَ جعلوا وطننا "مزرعة لهُم ولذويهم" لعقودٍ طويلة..
من هُم هؤلاء الذين يتصدّرون أخبارنا... شبابٌ يهجمُون على زوج وزوجتهِ ويحاولُون اغتصابَها في نزوَى ، معلّم يطلقُ النّار على مراهِق لأنّه خدّر طفله واغتصبه ، شابّان يهتكَان عرضَ فتاة في منزلها بالشرقيّة، مصابُون في صلالَة نتيجَة شجَار قبَلي.. "مخنّثون" يرتدُون ملابس فتيات ويرقصُونَ بخلاعَة احتفالاً بالعيد الوطنيّ.

منْ هُم هؤلاءِ "الشّباب" الذينَ شاهدُتهم قبلَ أيّام في معلمٍ سياحيٍ بالسّلطنة يتحرّشونَ بالسّياح الأجانب فتارةً يرشقُونهم ب"الشتائم" وتارةً يحيطونَ بفتاةٍ أجنبيّة ويبدؤون في التصفيقِ وإطلاق الصّيحات المثيرَة لذعرهَا.. من هم هؤلاءِ الشباب العُمانيونَ الذينَ يقبلُون على الأجنبي ويمدّون يده لهم ليصافحهم ثمّ يسحبُونها مقهقهينَ : "ضحكنَا عليك" ..
وعلى مشهدٍ منا يعلّق أحد الآباء العُمانيينَ قائلاً: لو عندنا حكُومة كما العالم والنّاس كانت عيّنت حرّاس لحمَاية هذهِ الأماكن من هذهِ التصرّفات العابثة فأردّ عليه: المعالم السياحيّة لا تحتَاج حرّاساً ولكننا نحتاج "حرّاساً" على الأخلاق العُمانيّة التي بدأنا نفقدها!
ويعلّق آخر: أنّه أصبحَ ينأى من اصطحاب "أهلهِ" للأماكن السياحيّة العامّة حتّى لا يشهدُوا هذا العبَث!
من هَؤلاء؟ إنّهم ليسُوا عمانيين بالتأكِيد .. هؤلاء منتحلُون ، كائنَات فضائيّة... "متحوّلون"!




***



حسنَاً .. ما رأيكُم أن ننتقلَ من فكرَة "تضخِيم" الذّات العُمانيّة بما "ليسَ بها" وتعمِيمها على "الشعبِ كلّه" إلى فكرَة "إصلاحِ" الذّات العُمانيّة في وقتٍ نحنُ في أمسِّ الحاجة لأنّ نسخِر كلّ هذهِ الطّاقة الشعبيّة الكبيرة إلى أدوَات لبناءِ وطنٍ نامٍ على أكتافنا بدَل تسخيرها في "التهييج" و"العدائيّة" وَ"القدح".

الآن ... وقدْ بُحتُ بما في صدرِي أشعُر بالرّاحة.. وأعرفُ أيضاً أنّ المزَايدَات على وطنيّتي ستبدأ منَ "الوطنيينَ جداً"
كانَ بالإمكانِ أنْ أنسَاقَ وراءَ حملَة "النفخ" والتّصخيم و"الحَقن الشّعبي" بفكرَة "الكمَال والعظمَة" .. ولكنني لا أستطِيع.. أحبّ هذا الوَطن وأعرفُ تماماً أنّ بهِ الخيّرينَ والمخلصِين .. ولكنْ أكثرَ من كلّ ذلك أريدُ لهذا الشّعبِ أن يكونَ "حقيقياً" بأخيَارهِ وأشرارهِ وَ"مُنصِفاً" وأكبَر منَ "التدليسِ والخداع" .. أيّها الضّميرُ الحقّ ... لم تبقِ لي صاحباً!


تعليقات

  1. قال الشاطبي رحمه الله في مقدمة كتابه الفذ :الاعتصام:
    وَقَدْ نُقِلَ عَنْ سَيِّدِ العُبَّاد بَعْدَ الصَّحَابَةِ أُويس الْقَرَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، والنهي عن المنكر لم يدع لِلْمُؤْمِنِ صَدِيقًا، نَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ فَيَشْتُمُونَ أَعْرَاضَنَا، وَيَجِدُونَ على ذَلِكَ أَعْوَانًا مِنَ الْفَاسِقِينَ، حَتَّى وَاللَّهِ لَقَدْ رَمَوْنِي بِالْعَظَائِمِ، وَايْمُ اللَّهِ لَا أَدَعُ أَنْ أَقُومَ فِيهِمْ بِحَقِّهِ"

    ردحذف
  2. "شبابٌ يهجمُون على زوج وزوجتهِ ويحاولُون اغتصابَها في نزوَى"

    لا عتب على مقالك يا عائشة السيفي , ولكن أحب أن أوضح بالنسبة لهذا الخبر فلقد تم تبرئة الشباب الذين تم إتهامهم بهذه التهمة .. وأتمنى
    منك تعديل الخبر "

    ردحذف
  3. كلامك جميل
    ولكن وقعتي في ما وقعوا فيه فصفات التعميم الكثيرة بارزة في مقالك بوصف الشرذمة القليلون ممن ظهروا ع الساحة العمانية بالتصرفات الوقحة والسلبية على انهم الفئة الغالبة فليس هذا صحيح(لست انفخ)ولكن قيل لو انها خليت خربت

    اوافقك لا لتضخيم الذات العمانية واستغربت العمانيون كانو يتنازعوا اتوقع ع العيد الوطني ومن ثم فجأءة وجدتهم قد تكتلو ليكتبوا جميعا "دام عزك يا وطن" ليست غريبة وجديدة بل لكل فرد من الشعب حرية التعبير عن رأيه ولكن كما اسلفتي تصبح كبيرة عندما يتحدث بها غيرنا

    تعجبني كتاباتك ولكن اعود واكرر قد اكثرتي من التعميم حتى صارت كتابتك كشخص عماني متخم بنفخ

    بورك قلمك

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

قلْ لي أنت تعمل في الديوَان.. أقل لك كم جنَيت؟!

جارنَا أبو أحمَد .. الذي أخبرتكُم عنهُ ذات مرَّة .. الرّجل الصادق الصدوق الذي نذرَ نفسهُ ومالهُ في خدمَة الناس .. كانَ كلّما أخرج صدقة ً أو زكاة ً للناس .. جاءهُ أناسٌ أثرياء آخرون يطالبُون بنصيبهم من الزّكاة .. وذلك لقولهم أنّ أبا أحمد يوزّع معونات يصرفها الديوان لهؤلاء الفقراء .. يأتون طارقين الباب مطالبين بحقّهم قائلين: نريد نصيبنا من فلوس الديوان .. ورغم أنّ أبا أحمَد لم يتلقَ في حياتهِ فلساً لا من ديوَان السلطان ولا ديوَان هارون الرشيد .. إذ بنى نفسه بنفسه .. فامتهنّ كل المهن البسيطة التي لا تخطر على البال .. بدأ عصامياً وانتهى .. لا أقول ثرياً وإنما ميسور الحال .. أذكرُ أنّ امرأةً أعرفها وهي من قبيلة البوسعيد .. وهي من العوائل التي تستلم نهاية الشّهر راتباً شهرياً بثلاثَة أصفار لا لشيءٍ سوَى أنها تقرب لفلان العلانيّ الذي يشغل منصب مدير دائرة الصحون والملاعق في الديوان الفلاني أو البلاط العلاني وهي أيضاً "تصير ابنة عم ولد زوجة خال الوزير الفلاني" ذهبت تشتكي مرةً من أنّ أبا أحمد لابد أنه يتلقى مبالغ أكثر منها من الديوان فلا هو ابن سفير ولا ابن أخت زوجة الوزير ولا هو من أص