التخطي إلى المحتوى الرئيسي

صنَاعة "التوجيهات السامية" .. الصّيد أو السّمكة؟

عائشة السيفيّ

عندَ مَدخَل قسم الهندسَة المدنيّة بكليّة الهندسَة بجامعَة السّلطان قابُوس تتربّع لوحَة كبيرَة كتبَ عليها بالانجليزيّة جملَة مقتبسَة من حكِيم الصين العظِيم كونفوشيوس: "قل لي وسوف أنسى. أرني ولعلي أتذكر. أشركني وسوف أفهم" .. كلّما قرأتُ الجُملَة أعلاه تساءلتُ إن كانَ أحدٌ ما من مسؤولينا قد فهمَ تماماً ما تعنيهِ حضارَة الانسَان وإشراك المُجتمع واستقلاليّة الدولَة واتّساع أفق المبادرة في هذا الوطَن ..

(انطلاق المهرجان البحري مواكبة للتوجيهات الساميَة في المحافظَة على الموروثات) .. (انطلاق المسابقة المروريّة بتوجيهات سامية) .. (بتوجيهات سامية انطلاق ندوة تشغيل القوى الوطنيّة) ، (بتوجيهات سامية انطلاق جائزة العمل التطوعي) ، (توجيهات ساميَة للاهتمام بالمرأة العمانية وتعزيز وتثمين دورها) .. (توجِيهات ساميَة بتخصيص يوم من كلّ عام للشباب العُمانيّ) إلخ إلخ ..

هذهِ العبارات "اليوميّة" التيْ تتردّد على مسامعنا تستفزني وتشعرنِي بأنّنا شعبٌ "عاقرٌ" إبداعياً. غير قادر على الاهتمامِ بالمرأة إلا حينَ يوجّهه صاحبُ الجلالة وغير مكترث بالمبادراتِ التطوعيّة إلا بتوجيهِ من السلطان .. شعبٌ جفّت بطونُ أمّهاتهِ عن إخراج جيلٍ مبدعٍ قادرٍ على تحريكِ عجلَة التّقدم والسّير بوطنهِ إلا بتوجيهٍ من قائدهِ .. فإذا لم تكُن هذه التوجيهات حاضرَة ألم نكن لنهتَم بالمرأة العُمانيّة؟ ألم نكُن لنقيم مهرجاناتٍ تروّج لموروثنا؟ ألم نكن لنكترِث بالشبابِ وحراكهم؟ أكَان على جلالتهِ أن يوجّهنا لنفعلَ كلّ ذلك؟

أتساءلُ فقط إن كان هؤلاءِ الذينَ يكرّسون لصنَاعة "التّوجيهاتِ الساميَة" لا يعرفُون أنّهم ينتقصُون بذلكَ من السلطان أكثر من الإضافة إليه فالرجل الذي قادَ عُمان إلى ما هي عليهِ الآن قادرٌ بعدَ أربعينَ عاماً على التأسيس لجيلٍ من المسؤولين يمتلكُون زمامَ المبادرَة لا أن يعجَزوا عن التحرّك أنملة إلا بتوجيههِ الشخصيّ .. لجيلٍ يتحرّك كالخلية فيمَا قائدهُ يراقب ما ينجزهُ أبناؤه من بعيد.

يستفزّنا –كجيلٍ عُمانيّ شابٍ- أن نرَى شمّاعة المشاريع الحكوميّة والمبادرات الوطنيّة معلّقة على كتف جلالته وأن تكُون التوجِيهات الساميَة "عذراً" للتنصّل من أي مسؤوليّة .. وإن كانَ الغرضُ من هذه الرسائل إبلاغنا بقربِ جلالتهِ من المشهدِ العُمانيّ فإنّ عباراتٍ كهذهِ أصبحتْ لا تضيفُ على المسامع أكثر من التساؤل إن كانَ من أحدٍ يعملُ في هذه البلاد سواه؟ وهل هنالك من يقرّر غير السلطان؟ وما فائدة مجلسِ الوزرَاء والشّورى والدّولة؟ وما الذي يفعلهُ المسؤولون وما جدوَاهم من خارطَة العمل الحكوميّ إن كانت مهمّتهم تلقّي التوجيهات وتنفيذها؟

إذنْ .. لماذا نتسَاءل دائماً عن سرّ عدَم ثقتنا بمسؤولي الحكُومة ونظرتنَا للمسؤولين باعتبارهِم "مهزوزي الثقة" في ظلّ صنَاعة "التوجِيهات الساميَة" التي يكرّس لها س و ص من النّاس لأربعَة عقُود بمباركَة "عميَاء" من إعلامنَا المسيّر.

ألا يُدرِك هؤلاء فداحَة الرسَائل التي يمرّرونها لأجيالٍ شابّة نشأت وترعرعت وكبرَت فيمَا يُحفَرُ فيهَا أنّه لا أحدَ يفكّر في هذا البلد ولا أحدَ يعمَل ولا أحد يقرّرُ مصيره سوَى رجلٍ واحد؟ ألا يدركُون ما يقترفُونه في حقّ مستقبل أجيَال فقدَت ثقتها في المسؤول الحكوميّ وقدرته على صناعَة التغيِير؟

حتّى أرقى المؤسسات الفكريّة والتعليميّة في السلطنة عجزَت عن الخرُوج عن خطّ السّير الحكُوميّ وأذكرُ في هذا الصّدد مقال الكاتب أحمد المعينيّ الذي انتقد فيهِ تبرير الجامعة في مؤتمرِها الصحفيّ لأسباب إعلان تخصص العلُوم السياسيّة "لا بدّ للمسؤولين في الجامعة أن يعيدوا النظر بجدية في طريقة خطابهم للإعلام، خاصة وأن تصريحاتهم تمثّل المؤسسة الأكاديمية الأكبر في السلطنة. وهنا سأعلق سريعًا على إجابتين تفضل بهما الدكتور نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية وخدمة المجتمع، وهو المكلّف برئاسة فريقٍ يقدّم تصورًا لإعادة هيكلة كلية “التجارة والاقتصاد” وإعداد برنامج العلوم السياسية. وعسى أن يتقبل ملاحظاتي هذه بصدرٍ رحب، رغم أنه في رأيي يستحق على هذه التصريحات نقدًا لاذعًا.

أولا: حينما سُئل نائب الرئيس عن مدى حاجة سوق العمل إلى هذا التخصص قال: “نظرًا للتوجيهات السامية لا بد من وجود حاجة ملحة وضرورية، إلا أنه لا يوجد لدينا في الوقت الحالي تصور عن طبيعة الوظائف التي يمكن أن يشغلها خريجو هذا البرنامج…”. الجزء الأول من الإجابة (بحرفيّته) يعكس مصيبة كبرى ويشكّل للقارئ صدمة حقيقية، إلا أنني سأحسن الظنّ وأقول بأنّ التعبير قد خان نائب الرئيس، وأنه أراد القول بأنّ توجيهات جلالة السلطان لا بدّ أن تكون قد جاءت بعد دراسةٍ ومقترحاتٍ من مستشارين ذوي كفاءة وخبرة. أما الجزء الثاني من الإجابة فمن الخطأ أن يصدر عن مسؤول. أتساءل هنا كيف لجامعةٍ أن تُعلن عن طرح تخصصٍ ما وهي لا تملك أي تصورٍ عن الوظائف التي سيشغلها الخريجون؟"

وسأسمَحُ لنفسيْ بأن أكمِلَ ما كتبهُ المعينيّ فإذا كنّا نحسنُ الظنّ بالحكومة على اعتبَار أنّ رؤية السّلطان تأتي بعدَ مشورَةِ أهلِ الحكمَة والرأي فإنّ كلمَة "الدّعم السامي" "أرحَم بألف مرّة" من التوجِيهات الساميَة.. أولاً لأنها تعكِس ثقة جلالتهِ برؤى خبرائهِ ومسؤوليهِ ودعمه لمقترحاتهم المدرُوسة بعناية، وثانياً أنّ ذلكَ يقدّم رسالة مهمّة للجيل بتكامُل العلاقة بينَ الحاكم ومحكُوميه وإيمانهِ بقدرة المسؤولينَ على التحرّك وفق مساحَات واسعَة من التفكِير والحريّة بعيداً عن علاقَة "التوجيهَات ، والتنفيذ".

****

"  وقد تم ، بحمد الله ، على امتداد المسيرة التنموية الشاملة ، وبالعزم والاجتهاد ، والصبر والمثابرة، الكثير من المنجزات التي نعتز بها في كل محور من هذه المحاور، خاصة في مجال تطوير الموارد البشرية الذي اعتقدنا منذ البداية، ولانزال نعتقد جازمين أنه حجر الزاوية في تنمية أي مجتمع، ذلك لان الإنسان – كما أكدنا دائما وفي شتى المناسبات – هو هدف التنمية وغايتها، كما انه هو أداتها وصانعها وبقدر ما ينجح المجتمع في النهوض بمواردة البشرية وتطويرها، وفي إقامة الدولة االعصرية المتقدمة في مختلف مجالات الحياة" قابوس بن سعيد - 2005

***

لم أتوقّف يوماً عن الإيمَان بأنّ كثيراً من السياسَات الحكوميّة بدأها مسؤولٌ ما وسارَ على نهجها من تبعه دونَ أن يجرُؤ أحدهم على أن يسألَ لماذا؟ وعلى أحدهِم أن يسألَ فعلاً: لماذا؟ لماذا تستمرّون حتى اليَوم في تكرَار الخطأ نفسه؟

كمَا أنني مؤمنة أنّ الفكرَ التنويريّ للسلطان لا تعكسهُ كثيرٌ من السياسات الحكوميّة وهذا بالتأكِيد أمرٌ مقلقٌ لي وللجيلِ الشّاب الذي يريدُ أن يكونَ شريكاً ليفهم .. ويريدُ أن يُؤمن بهِ الآخر .. أن يُؤمنَ أنّه قادرٌ على تحرِيك مبادرات الاهتمام بالمرأة والعمَل التطوعي والحرَاك الشبابيّ ووو.. دونَ توجِيه.

علّمونا الصّيد ولا تعطُونا سمَكة .. وابنُوا الانسَان ليصنَع المبادرَة قبلَ أن تبنُوا الحجَر .. وتذكّروا دائماً .. أنّكم إن وجّهتمونا "نَسينا" وإنْ "أريتمُونا" .. ربّما تذكّرنا .. ولكنكم إن أشركتمُونا فإننا حتماً سنفهم!

تعليقات

  1. رأي ووجهة نظر تُحترم، واتفق معك في كثير مما قلتي.

    ردحذف
  2. وهكذا دواليك
    حتى الشوارع المزدحمة.. تتنظر زيارة السلطان ليكتشف بنفسه أنها بحاجة إلى إزدواجية. عجبي... كيف أستطاع السلطان بزيارة واحدة ان يكتشف ما عجز عليه آلاف البشر الذين يمرون وينزعجون كل يوم من هذه الشوارع المزدحمة.
    وكيف استطاعت هذه الحلول أن تهرب من أدمغة المسؤولين.. وكيف سقطت من خطط المخططين.

    ردحذف
  3. حتى في وثائق ويكليكس كان السلطان قابوس حفظه الله يقول لأحد القادة الأمريكان بأن الوزراء لا يفعلون شي إلا بالعودة إليه وهذا أمر مزعج، وأنه يريد أن يعتمدوا الوزراء على أنفسهم. على ما يبدوا أن السلطان يعرف المشكلة ويحاول أن يجد الحل، ولكل المسؤولين لا يدركون ما هم فيه إلا ما رحم ربي.

    ردحذف
  4. رائع طرحك، لي عتب على كل المدرسين الذين قابلتهم منذ دخولي التمهيدي إلى الثانوية، حين كنت أسأل لماذا نتعلم الرياضيات؟ ولم يجبني أحد، حتى مشرف الرياضيات الذي كان يحثنا على حب الرياضيات حين سألناه عن فائدتها ضحك محرجًا وقال لا أدري! درست الرياضيات التي قد تكون معقدة أحيانًا بلا أن أرى منها أي طائل، ثم جاء مدرس الثانوية الذي أقنعني بأن الهدف الأول والأخير من الرياضيات هو تعليمنا كيف نفكر وكيف نجد حلًا لكل شيء في حياتنا!
    ذكرت أبسط مثال في الرياضيات بغض النظر عن شتى الأمور الأخرى!
    اللهم اجعلنا أمة تقرأ فتَفهم فتُفهِم بالعمل لا بالكلام الذي لا طائل وراءه!

    ردحذف
  5. التوجيهات السامية لا أتوقع ان تأتي من غير دراسة اصحاب الأختصاص وأنما ترفع له بعد الدراسة للمباركة السامية, ,, وأحتراماً لمقام جلالته تقرن بتوجيهاته مثلاً صندوق الرفد وتعديل الرواتب وغيرها من الأمور التي تتطلب ميزانية ضخمة .. وجهة نظر
    والحمد لله بأن حبا عمان قائداً حكيماً ... وشعباً أبي

    ردحذف
  6. أتفق مع ما ذهبت إليه الكاتبة .. فقلة قليلة من الوزراء والمسؤولين من يبدع في استنباط رؤى وأفكار ذات استقﻻلية .. معظمهم يتحركون بريموت التوجيهات السامية ..
    نحن بحاجة إلى سماع بمباركة سامية أكثر من غيرها

    ردحذف
  7. خسروهم مساكين يوم كشفوا فساد الألبان خليوا الناس تتكسب من وراء المستهلك الفقير

    ردحذف
  8. عائشة انتي من مثقفي الموجه ولا تظهرين الا مستنده بحشود الغوغاء ؛ اين كنتي منذ شهر عندنا رفض مجلس الوزراء اقرار المحكمة الدستوريه !! تتركون القاعدة وتجرين خلف الهوامش ، بدون تفعيل دستوري لأجهزة الدول واستقلالها استقلال تام واعطاء الصلاحيات الكاملة لمجلس الشورى من تشريع ورقابة ؛؛؛ الغوغاء يطالبون بإقالة السنيدي علما ان السنيدي انزه الوزراء وافضلهم في الوقت الحالي الا اذا كان لديك مرشح اتحفينا فيه

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

قلْ لي أنت تعمل في الديوَان.. أقل لك كم جنَيت؟!

جارنَا أبو أحمَد .. الذي أخبرتكُم عنهُ ذات مرَّة .. الرّجل الصادق الصدوق الذي نذرَ نفسهُ ومالهُ في خدمَة الناس .. كانَ كلّما أخرج صدقة ً أو زكاة ً للناس .. جاءهُ أناسٌ أثرياء آخرون يطالبُون بنصيبهم من الزّكاة .. وذلك لقولهم أنّ أبا أحمد يوزّع معونات يصرفها الديوان لهؤلاء الفقراء .. يأتون طارقين الباب مطالبين بحقّهم قائلين: نريد نصيبنا من فلوس الديوان .. ورغم أنّ أبا أحمَد لم يتلقَ في حياتهِ فلساً لا من ديوَان السلطان ولا ديوَان هارون الرشيد .. إذ بنى نفسه بنفسه .. فامتهنّ كل المهن البسيطة التي لا تخطر على البال .. بدأ عصامياً وانتهى .. لا أقول ثرياً وإنما ميسور الحال .. أذكرُ أنّ امرأةً أعرفها وهي من قبيلة البوسعيد .. وهي من العوائل التي تستلم نهاية الشّهر راتباً شهرياً بثلاثَة أصفار لا لشيءٍ سوَى أنها تقرب لفلان العلانيّ الذي يشغل منصب مدير دائرة الصحون والملاعق في الديوان الفلاني أو البلاط العلاني وهي أيضاً "تصير ابنة عم ولد زوجة خال الوزير الفلاني" ذهبت تشتكي مرةً من أنّ أبا أحمد لابد أنه يتلقى مبالغ أكثر منها من الديوان فلا هو ابن سفير ولا ابن أخت زوجة الوزير ولا هو من أص