التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إجازة رسميّة


عائشَة السيفِيّ

.

 

انتَهَى العيدِ بالنّسبةِ لي يومَ الأربعاء .. استيقظتُ اليومَ وحضرتُ ثلاثَ اجتمَاعاتِ عمل بدأ أوّلها في العاشرةِ صباحاً وانتهَى آخرها في الخامسَة عصراً ..

فعلتُ ذلكَ ليسَ لأنّي (غاويَة مكدّة) كما وصفَتني شقيقَتي ولا لأنّي مستمتعَة بالعمَل والنّاس إجازَة ولكنّني أدركُ تكلفَة يوم إجازَة على الشّركةِ التي أديرُها ..

 

أخبَرتنا مدربّة السباحَة أنّهم سيتوقفُون عن التدريبِ في اليومِ الأوّل من العيد فقط ثمّ سيواصلون الحصصَ كالمعتادِ بعدها.. قلتُ لها محتجةً: لماذا؟ فغمزتْ لي بعينها: لأننا نحتاجُ المال ..

مدرّبة السباحة تعرفُ أن كلّ مشتركة تدفعُ ل٣٥ حصّة ثابتة وتأجيلُ حصّة يعني خسارَتها لمبلغٍ كبيرٍ إذا ما ضربَ على ٥ أيّام ل٣٠ متدرّبة ..

 

حينَ تديرُ عملكَ الخاصّ أو تكونُ رأسَ الهرمِ في مؤسسةٍ خاصّة تعرفُ كلفَة الإجازَاتِ على الدّخل الكليّ لشركتك فمَا بالكَ بتكلفَة ذلكَ على اقتِصادِ دولةٍ بأكمَلها..

 

حسناً .. دعونِي أهرفُ بما أعرفُ وأتحدّث عن قطَاع الاستشارات الهندسيّة العالميّة الذي أعملُ بهِ .. يقومُ نموذج الدخلِ للاستشاريّ على بيع سَاعات خبرَاته .. هو يعرفُ مسبقاً أنّ المشروع الفلانيّ سيكلّف كذا من الساعاتِ على المهندس البيئي، كذا من السَاعات على مهندسِ الانشاءات ، سيستهلكُ كذا من السّاعات من مدير المشروع ..

عندمَا يأخذُ هؤلاء إجازة رسميّة فإنّ تكلفة ساعاتِ غيابهم تحجز على رصيدِ الإجازات الرسميّة التي لا تغطّيها سيولةُ مشروعٍ ما ..

مثلاً تكلّفني يوميّة مهندس أجنبيّ ذي ١٥سنة خبرَة ٧٦٠ يورو في المتوسّط أي ٣٨٠٠ يورو خلال ٥ أيّام .. ولكم أن تتخيّلوا تكلفَة إجازة ١٥ موظفاً لخمسة أيّام .. قد تصلُ إلى ٥٠ألف يورو في المتوسّط .. وهذهِ تكلفَة شركة صغيرة قائمة على بيعِ ساعاتِ خبرات موظفيها فقط .. وقيسُوا على ذلكَ تكلفَة عمّال المصانع التي لا يدفعُ أصحابها فقط لإجازة العمّال ولكن للتكلفَة التشغيليّة..

الأمرُ ينسحبُ على تقليصِ ساعاتِ العمل من ٨ إلى ٦ ساعاتٍ في اليوم للمهندسينَ المسلمين في رمضَان .. سيحجزُ المهندسون المسلمون تكلفة ٦ ساعات على المشاريع التي يعملونَ بها وسيحجزون الساعتين اللتينِ أعفوا منها على الإجازاتِ الرسميّة التي تغطّي الشركة تكلفتها لا عملاؤها أصحاب المشاريع.. كم ستكونُ فاتورَة ذلك لشهرٍ كامل؟ ٢٠٠٠يورو عن كلّ مهندس .. كثرَة الإجازاتِ الرسميّة هي عاملٌ تضعهُ الشركاتُ الكبرى في الحسبان حينَ تختار بلداً ما  ليتوسّع فريق عملها.

أو الشركات الاستثماريّة حين تقرر ضخّ  أموالها في اقتصاد بلدٍ ما

 

في رمضَان .. خرجتُ في الثانيَة ظهراً لثلاثِ أيّامٍ فقط وعملتُ في بقيّة الأيّام حتّى الرابعة أو الخامسَة لأنّني ببساطَة مدير الشركَة وساعاتي (تطلع من ظهري) علَى قولَة أهل نزوَى .. ولم أكنِ الوحيدة طبعاً فلكم حضرتُ اجتماعاتٍ مع عملاء للشّركة ممن يديرونَ شركَاتهم الخاصّة في ساعاتِ العصرِ المتأخرَة ..

 

هذهِ شركات صغيرة بعددٍ محدودٍ من الموظفين غير أننا عندمَا نتحدّث عن تكلفَة الإجازاتِ الرسميّة على اقتصادِ بلد فنحنُ نتحدّث عن رصيدٍ ب٧أصفار .. مثلاً تبلغ خسائر إجازة يوم واحد على اقتصادِ دولَة صغيرة كالبحرين ما يقدّر ب٣٥ مليُون ريال عُمانيّ.

 

وهذَا الأمرُ ليسَ مردّهُ إجازات القطاع الخاصّ بل إنّ إجازاتِ القطاعِ الحكوميّ مرتبطة ارتباطاً مباشراً بهذهِ الكلفة ..

 

سألتُ قريبيَ الذي يعملُ في دولَة خليجيّة منحتْ موظفيهَا الحكوميين إجازةً من ثلاث أيّام. قلتُ له من الغريب أن يشملَ ذلك موظفي القطاعِ الحكوميّ أيضاً فردّ علي محرّكاً اصبعه في إشارةٍ إلى المال: عارفين كيف يجيبوا الفلوس. وما معنى تعطّل المعاملات الحكوميّة على انتاجيّة القطاع الخاصّ. أخبرني أنّ تعميماً وصلهم نهايَة رمضَان يحذّرهم من مغبّة التغيّب وأنّ من يتغيّب فلا يلومنَّ إلا نفسه.

إنّهم يعرفُون ما الذي يعنيهِ كلفَة توقّف مستشفى حكوميّ عن أداء مهامّه الاعتياديّة لمدّة خمسة أيّام. توقّف الوزاراتِ الخدميّة عن معاملاتها لخمسَة أيّام .. وارتباطُ ذلكَ المباشرِ على حيويّة القطاعِ الخاصّ وديناميكيّتهِ وقس على ذلك.

 

أعرفُ طبعاً أنّ الحديثَ عن تقليصِ الإجازاتِ الرسميّة هوَ محاولَة خطرَة للدّخول إلى عشِّ الدبابير واستفزازِ عامّة الشعبِ والحلولَ محلّ الأخ المطاعني فيْ استقبالِ شتّى أصنافِ الشّتائم. وأنا هنا لستُ معنيّة بالمطالبَة بتقليصِ حصّة كعكة الإجازاتِ من فمِ المواطنين فلهذهِ البلدِ ربٌ يحميها وللاقتصادِ وزراءٌ يرعونَ مصالحَه .. ولكنني أردتُ فقط أن أقولَ أنّنا إذا كنّا نحنُ المسؤولين عن أعمالنا الصّغيرة ندركُ حجمَ ما تلحقهُ الإجازاتُ على أعمالنا ونحرصُ على تفاديهَا بدءاً من موظّفة الصالون التي تفتح أبواب الصالونِ لاستقبالِ الزبائنِ ثالثَ يومٍ في العيد حرصاً على مبيعاتِ صالونهَا مروراً بمدربَة السباحةِ وانتهاءً بالشركاتِ الاستشاريّة والمصانع والبنوك التي تتعطّل كافّة تحويلاتها الداخليّة والخارجيّة أثناء الإجازاتِ البنكيّة فما بالكَ بفاتُورةِ هذهِ الإجازاتِ على اقتصادٍ متردٍ 
أساساً (باغِي دفرَة وبيطيح).

 

.

 

تعليقات

  1. الفشرة الزايدة ما منها فايدة ...التواضع سمة للكبار لا يعرفه الكثيرون... والحكومة تقرر الاجازة وتراعي احوال الموظفين خاصة القاطنين بعيدا عن مقر عملهم.. قيل (ما افلح قوم ولوا أمرهم امرأة)

    ردحذف
  2. لما تكتبي مقال كتبي على انك موظفة عاديه ولستي رب العمل؛ ناقشتي التأثير على الاقتصاد الكلي فقط ولم تتطرقي إلى الاقتصاد الجزئي وحجم المبيعات واشغال الفنادق والجانب السياحي؛ الدول العظمى نفس الشي عندها إجازات قد تكون مساوية لنا وبعض الأحيان أكثر عنا واقتصادها أفضل عنا بعشرات المرات؛ إذًا الخلل ليس في عدد أيام الإجازات

    اتمنى المقال الجاي تناقشي موضوع يهم المجتمع؛ اما المواضيع التي تخص دخلك الخاص تحتفظي فيها لنفسك

    ردحذف
  3. علوه عرفناها على قول اهل نزوى عندي شركة ولكن دائما نسمع جعجعة ولانرى طحينا انما هي تودد لذوي القرار

    ردحذف
  4. النظرة للأمور نظرة مادية بحتة للأسف
    لم نخلق لكي نعمل ٢٤ ساعة
    نحتاج نتنفس بعد
    انتي يمكن عملك مريح
    الاغلببة من الناس عملهم غير مريح ويحتاجوا يرتاحوا نفسيا

    ردحذف
  5. شكرا طيب داومي انتي وش المشكله ما عندك ارتباطات غير دوام دوام دوام والحياه شي غير الدوام عشان انتي ما حاسه بمتعه الاجازه

    ردحذف
  6. كلن يغني على ليلاه...ضعي نفسكي محل اي موظف بالقطاع الخاص أو العام وليس لديه المال أو الالمام الكافيين لبداية مشروع...يا ترى هل ستمنعيه من هذه الاجازة..حتى وان كان يريدها لزيارة اهله واستشارتهم بمشروع يدر له (مصدر دخل ثاني).
    تحياتي،،
    طارق العلوي
    95920006

    ردحذف
  7. خلاص عرفنا انك تدربي سباحة و حضرتي اجتماعات و بعد . بس نسيتي تكتبي أنك صورتي و حطتي صورك في الانستجرام و قرأتي تعليقات الغزل و كتبتي عن سخطك عل الفاشنستات انهم سبب قلقك في الحياة لكثرة متابعينهم و يستقبلوا كلام غزل اكثر منك

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

قلْ لي أنت تعمل في الديوَان.. أقل لك كم جنَيت؟!

جارنَا أبو أحمَد .. الذي أخبرتكُم عنهُ ذات مرَّة .. الرّجل الصادق الصدوق الذي نذرَ نفسهُ ومالهُ في خدمَة الناس .. كانَ كلّما أخرج صدقة ً أو زكاة ً للناس .. جاءهُ أناسٌ أثرياء آخرون يطالبُون بنصيبهم من الزّكاة .. وذلك لقولهم أنّ أبا أحمد يوزّع معونات يصرفها الديوان لهؤلاء الفقراء .. يأتون طارقين الباب مطالبين بحقّهم قائلين: نريد نصيبنا من فلوس الديوان .. ورغم أنّ أبا أحمَد لم يتلقَ في حياتهِ فلساً لا من ديوَان السلطان ولا ديوَان هارون الرشيد .. إذ بنى نفسه بنفسه .. فامتهنّ كل المهن البسيطة التي لا تخطر على البال .. بدأ عصامياً وانتهى .. لا أقول ثرياً وإنما ميسور الحال .. أذكرُ أنّ امرأةً أعرفها وهي من قبيلة البوسعيد .. وهي من العوائل التي تستلم نهاية الشّهر راتباً شهرياً بثلاثَة أصفار لا لشيءٍ سوَى أنها تقرب لفلان العلانيّ الذي يشغل منصب مدير دائرة الصحون والملاعق في الديوان الفلاني أو البلاط العلاني وهي أيضاً "تصير ابنة عم ولد زوجة خال الوزير الفلاني" ذهبت تشتكي مرةً من أنّ أبا أحمد لابد أنه يتلقى مبالغ أكثر منها من الديوان فلا هو ابن سفير ولا ابن أخت زوجة الوزير ولا هو من أص