التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الاسمُ . . أغلَى من صَاحبهِ ! / ردُهات

عائشَة السيفيّ

ufuq4ever@yahoo.com

اتّصلت بيْ صديقة ٌ حانقَة قبل عامٍ تخبرنيْ أنها عادتْ للتوّ من محلِ تفصيل العباءات . . قالتْ لي أنّ المحل يشترطُ أن يتمّ وضعُ شعار المحلّ على طرفِ العباءةِ من الأسفل بحيثُ يميّز الرائي أنهُ تمّ تفصيله من ذلك المحلّ . . قالت صاحبَة المحل للزبُونة وهي تحسبُ لها كلفَة العباءة الكاملة: تفصيل العباءة بقيمة كذا . . الشيلة بقيمَة كذا . . وتوقيعُ المحلّ بقيمة كذا. .

ردّت عليها الزبُونة: وهل للتوقيعِ ثمن؟

فأجابتها مصمّمة العبَاءة : نعَم .

تشعّب بنا الحديثُ وصديقتي تحكي لي هذا الموضوع وانتهَى حديثُ صديقتيْ بقولها: يضعُون توقيعهُم على عباءاتنا فنروّج لهُم ومع ذلك ندفعُ لها نقوداً! نروّج لهم مقابل مبلغٍ ماديّ نحنُ ندفعهُ لهُم !

قلتُ ذلكَ اليَوم أنهُ لربّما دفعتِ الزبُونة للتوقيعِ إنْ كانَ قد رسمَ على العباءةِ بالكريستال المعرُوف عن غلاءهِ إن أضيفَ للعباءةِ ، غيرَ أني دهشتُ حينَ زرتُ بعدَ عامٍ من حديثي مع صديقتيْ محلّ عباءاتٍ شهيرٍ في دولةٍ خليجيّة .

وحدثَ معي تماماً ما حدث مع صديقتيْ . . قلتُ لمصممَة الأزياء في محلّ العباءات ذلك بعد أن سألتنيْ هل تريدينَ أن أضعَ لكِ توقيعَ المحلّ على عباءاتكِ؟

فكرتُ قليلاً . . إذ عادةً لا أحبّ فكرَة التواقيع تلكَ في العباءاتِ ! ثم للحظةٍ قلتُ: لم لا!

قلتُ لها نعَم أضيفيهِ . . فردّت مبتسمَةً أن سعرَ العباءة يرتفعُ بالتوقيعِ مبلغ كذا وكذا!

إنْ كان بالخياطة فقط! قلت لها هل تقصدِين أنكَ سترسمين توقيع المحلّ على العباءة بخيطٍ فقَط؟ دون كريستال؟

فأجابتنيْ بالايجَاب. . قلتُ لها حينها وأنا مندهشَة: لماذا يرتفعُ المبلغُ هكذا إذن؟ إن كنتِ ستضعين التوقيعَ بخيطٍ فقط؟

فقالتْ لي: هذا لأنكِ تحملين اسمَ المحلّ في العباءة! أنت تخبرينَ الآخرين بتوقيعِ عباءتنا أنّ عباءتكِ فاخرَة . . فقط لأنها من دَار كذا للأزيَاء !

ذلكَ اليوم تخليت عن فكرَة التوقيع بعدَ أنْ أخبرتُ مصممَة الأزياء أني لستُ مهتمَة ً كثيراً ليعرفَ الناسُ أن عباءتي من دَار كذا للأزيَاء إذ لن يعنيْ إن فصلتُ سواها في محلٍ آخر أنها ليستْ فاخرَة! قلتُ لها أني ضدّ الفكرَة من الأسَاس !

العجيبُ في الأمرِ أنيْ بعدَ أشهرٍ من تلكَ الحادثَة التقيتُ صدفة ً بفتاةٍ حملت عباءةً أخرى في محلٍ مغمورٍ للعباءاتِ . . دلفتِ الفتاة وخاطبتْ خيّاط العباءاتِ الآسيويّ : "رفيج . . انت سوي سيم سيم هذا في عباة مال أنَا" مشيرة ً إلى عباءةٍ أخرى انطبع عليهَا توقيعُ محلّ عباءاتٍ شهِير.. هزّ الآسيويّ رأسهُ بثقةٍ مستلماً العباءَة ..

كانَ من الواضح جداً أنّه سبق لهُ كثيراً أن استقبلَ طلباتِ زبوناتٍ بهذا الشكل !

خرجتُ من المحلّ ضاحكة ً وأنا أفكّر: يا إلهيْ ! إلى هذا الحدّ يُعنَى الناسُ بالمظاهِر؟

قد يظنّ البعضُ أنّ السردَ السابقَ يحدثُ فقط في عالم النساءِ الباحثَات دائماً في عالم الأزيَاء والعباءاتِ لكنّ هذا ليسَ صحيحاً إذ أنّ هذهِ هيَ القاعدَة الحقيقيّة التيْ يرتكزُ عليهَا التاجرُ "الشاطرُ" بعدَ أنْ يثبّت أقدامهُ في السُوق ، وبعدَ أن يصبحَ مطلوباً أكثر منهُ طالباً . . وبعدَ أنْ يأتيْ إليهِ الزبون مغمضَ العينينِ لأنّه ببسَاطة يثقُ بهِ/ باسمِ محلّه/ وبالمنتجِ الذي يصدّرهُ محلّهُ . .

مرة ً سُئِل مصمّم أزيَاء المشاهير البريطَانيّ آندرُو ايسنوُرث لماذا لا ترتديْ نجماتُ الشاشَة العالميَات ونجُومها أزيَاءهُ في الأحدَاث الضخمَة ، معقبينَ على تهافتِ مصممي الأزيَاء لإغراء نجُوم السينما والشاشَة بارتدَاء ملابس من توقيعهِم مجاناً بل ويدفعُون لهم مقابلَ ذلكَ في كثيرٍ من الأحيَان لتتناولَ وسائل الإعلام وتتناقلَ أسماءَ المصممين الذين ارتدَى النجم الفلانيّ والنجمة الفلانيّة من تصامِيمهم . . فردّ ايسنوورث بسخريَةٍ قائلة: "أعتقدُ أني لم أتركِ المدرسَة لأعمل خياطاً وأنا في الخامسةِ عشرة من عمريْ لمدّة 10 ساعاتٍ كلّ يومٍ، وأهدر عشرينَ عاماً وأنا ألهثُ وراء هذا المصمّم أو ذاك لأعملَ معهُ صبياً يُلبِسُ العارضَات في عروضِ أزيائهِ العالميّة وأهدر آلاف الدولارات لأبنيْ أوّل بوتيك لي ثمّ أوزّع فروعي في العالم بمئاتِ الآلاف كيْ ألهثَ خلفَ هذا وذاك طالباً أن يلبسَ ممّا أصمّم، بينمَا آلاف النساءِ الجميلاتِ لا يتوَانين عن دفعِ راتبهن الشهريّ كاملاً ليلبسنَ ممّا أصمم".

قلتُ لصديقتيْ وأنا في محلّ أحذيةٍ شهيرٍ بالسيتي سنتَر نشر إعلاناً ترويجياً عن عرضٍ جديدٍ لهُ ، اشترِ حذائين وتحصلُ على الثالث مجاناً : اشتريتُ نفس هذهِ الماركَة من المحلّ الفلانيّ بفارقٍ يقلّ عن 3 ريالاتٍ عن عرضِ هذا المحلّ . . الماركَة نفسهَا ! ما المختلفُ هنا؟ فأجابتنيْ: أنّ هذا المحل في السيتيْ سنتَر! تدفعين يا عزيزتيْ ما دفعه المحلّ لسعر الإعلان الذي وزّعتهُ شركَة الاتصالات كيْ يصل الإعلان لهاتفكِ . . وتدفعينَ لحقيقَةِ أنّ هذا المحل في السيتي سنتَر الأكثر اقبالاً وشهرةً بين الناس عن باقي المولات. . تدفعين لأشياء كثيرَة يا عزيزتيْ قبلَ أن تدفعي لماركَة الحذاء الذي بينَ يديكِ . .

في ذلك المحلّ أيضاً برزَتْ مرةً أخرَى شطارَة القائمين على العرضِ في المحلّ . . قالَ لي البائعُ وأنا أحملُ 3 أحذيَة .. اعتماداً على إعلانِ المحلّ عن عرضهِ وهوَ شراء حذائين والحصول على ثالثٍ مجاناً . . قال لي البائعُ: اختاري 3 أحذيَة والحذاء الأقلّ سعراً هوَ المجانيّ .. ضحكتُ كثيراً وأنا أفكّر: بمعنى أني لو اشتريتُ الأحذيَة الثلاثة جميعها بسعرٍ غالٍ فإن المحلّ رابحٌ أيضاً لأنهُ سيحصلُ على الفائدة منْ غلاء سعر الأحذية الثلاثَة .. ولو اشتريتُ حذائين وكان الثالث بسعرٍ منخفضٍ جداً فبالتاليْ لن يخسرَ المحلّ أنّ الحذاءَ الأرخص أصبحَ مجانياً لأنهُ ببساطةٍ رخيصُ السّعر أصلاً !

خرجتُ من المحلّ وأنا أحدّقُ إلى حذائي وأفكّر: لو أنّك كنتَ نكرَة ً دونَ هويَّة ! كمْ كانَ سيكُون سعركَ؟ ها أنا أدفعُ لاسمكَ مجدداً !

تعليقات

  1. نعم صدقتِ الاسم أحيـانًا أغلى السِلعَةِ بكثير ..!!

    حصلَت لنـا مَواقِفُ كثيرة عن هذا المَوضوع , فبِضاعاتٌ نجِدُهـا غاليةً والسبب هوَ فقط ماركَتُهـا

    /

    أراكِ اقتِصاديّةً في هذا الأسبوعِ وسابِقـه !!

    عُمومًا أنتِي جميلَةٌ دومًا أخيَّتي

    فقط تنبيه عندَمـا يَكونُ الخطُّ كبيرًا جدًّا فإن المقال يكون غير واضح لأن الكلام يكون متراكِبًا أحيانًاوأيضًا حركاتُ التشكيل

    مودّتي وتصبحينَ على خير

    ردحذف
  2. كلامك صحيح ...
    الجديد اللحين التنافس في شكل التوقيع
    كل ما يكون التوقيع غريب ...كل ما يشدّ الانتباه أكثر ... صاروا البنات يحطوا قبايلهم او حتى تخصصهم
    مثل وحدة في كلية الطب حاطة التوقيع Doctor!!
    واللي تحط اول حرف من اسمها ...

    المشكلة اللحين في مجتمعنا هي المظاهر و الفشخرة
    و المشكلة الادهى ان معظم الناس تحكم عليك من عباياتك و شيلتك و نعالك...

    هذا الموضوع يجيلي حرقة فواد...

    والمشكلة ما في رجل رشيد يقول و يفعل !!

    ...نتكلم و (نبقبق)!!!

    بس نمشي معهم في نفس التيار...

    بس سؤال ؟!

    هذا اي محل اللي ارخص ب 3 ريالات بروح اشتري منه !!


    شكراً عزيزتي ..

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق