التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)


ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة:
عائشَة
حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة

حولَ عائشَة:

عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة
قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً
عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة ..

وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً ..
يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها ..
يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفين ..
منْ هيَ عائشة؟ لا تملكُ الإجابةَ إلا هيَ ربَّما .. وهي غير معنيَّة كما يبدو بالإجابَة عن ذلك السؤال ..
لا تعتبرُ أنّ حياتها مهمّة لتكتبَ هنا .. لكنّها تعرف أنّ جميعنا يحملُ قيماً في حياتهِ من المهمّ أن تقرأ .. للتذكّر للنسيَان ، لا يهمّ !



اسميْ عائشَة ..
ولدتُ قبل قرابَة الاثنين والعشرينَ عاماً . . يزيدُ أو يقلّ بقليل! حينَ أبصرتُ النّور كانَ أوّل من رآنيْ بعدَ والدتي هوَ شقيقي الكبير الذي يكبرنيْ باثني عشرَ عاماً. . يحكيْ أنّه حينَ أبصرنيْ هُرِع إلى بقيَّة اخواني وأخبرهم: زايدة لنا أخت حلوة واجد واجد!
حينَ وضعتنيْ أمّي قالتْ أنّ وجهي يقولُ أنّ اسميْ سارَة !
غيرَ أنّه ككثيرٍ من العائلاتِ العمانيَّة آنذَاك! حيثُ "الشور" الأوّل والأخير للأبِ .. فقد خيَّر والديْ أمّي باسمَين: عائشَة أو خديجَة !
ولعلّ اسمَ عائشَة كانَ أقرب إلى قلبهِ لأنّه اسمُ خالتهِ . . ولأنّ أمّي لا تحبّ اسمَ خديجة لأنّه اسمٌ طويل جداً كما ترَى.. لذا كانَ اختيَارها علَى "عائشَة" .. وهكذَا أبصرتْ "عائشَة" النّور!
طوَال حيَاتيْ كنتُ أفكِّر .. ترَى لو أنّ اسميْ كانَ "سارة" ما الذي اختلف؟

لقد أهدرتُ سنواتٍ طويلة ً جداً وأنا أفكِّر .. يا ربّي لماذا "لستُ سارَة" وإنّما عائشَة؟

وإرضاءً لغروريْ فإنّ صولاتي الانترنتيّة الكثيرة في عالم المنتديَات منذ 10 أعوَامٍ كانَ باسمِ سارَة..

لطالمَا شعرتُ بالغيرَة منَ "الساراتِ" الكثيرَات اللاتيْ التقيتهنّ .. وفيْ عُمان حيثُ لا تخلُو عائلة ٌ من اسمِ "عائشَة" كانَ عليَّ أن أتحمّل أن أمضيْ سنوَات دراستيْ كلّها وفي صفوفي الدراسيّة قرَابة الثلاث أو الأربعْ "عائشَات" .. وكنتُ أمتعضُ بشدّة .. كانتْ هنالك عائشة يعُقوب وعائشة يحيَى وعائشَة صالح واثنتَان اسمهمَا "عائشَة محمّد" إحداهمَا المتحدّثة.. لذا كانوا ينادوننَا في الصفّ بأسمَاء غير طويلَة إطلاقاً : فقط.. إمّا "عائشَة محمّد ماجِد" والتيْ هيَ أنا .. أو "عائشة محمّد خميس" وهيَ الأخرى .. وفي بعض الأحيَان كانُوا يشيرُون إليَّ بـ"عائشَة بو الإذاعة" بالنظرِ إلى صوتي الإذاعيّ الذي كانَ على كلّ طالبات المدرسَة الاستمَاع إليهِ صباحاً .. شئنَ أم أبينَ !

شيئاً فشيئاً تحوّل الجميع من مناداتيْ بعائشَة إلى عائشَة السيفيّ .. وكأنّ عائشة والسيفيّ اسمٌ واحِد ..

أمرّ في الممر فتناديني صديقَة: عائشَة السيفيّ .. لحظَة !

تسألنيْ المديرَة عن فقرَات برنامج الإذاعَة ذلك الصبَاح قائلةً: عائشة السيفيّ ماذا لديكِ اليَوم؟

أرفعُ يديْ للإجابة في إحدَى حصص الصفّ فتردّ المعلّمة: عائشَة السيفيّ جاوبيْ !

ورغمَ محاولاتيْ المناهضَة لهذا الدمجِ غير المشرُوع بينَ اسميْ وقبيلتيْ إلاّ أنّهما أصبحَا اسماً مركباً -غصباً عنّي- .. كانَ اسميَ المدرسيّ : عائشَة السيفيّ .. ابنَة محمّد بن ماجد !

* * * * * *

اسمِي عائشَة . .


فيْ عُمان ينادُونني "عايشَة" وفي بقيَّة دول الخليج ينادُونني "عاشَة"
أمّا معلّماتي المصريَّات فكنّ ينادينني وفقاً للعرفِ لديهنّ "عيشَة" . .
أنا نفسيْ كنتُ في البداية أتذمّر من هذا اللعب غير المبرّر باسميْ وتمنّيتُ أن يناديني أحدهُم –بشكلٍ عفويّ غير متكلّف: عائشَة !
ينطقها بعضهُم بهذا الشّكل لكنْ تشعرُ أنّهم يتكلّفونها .. لذلك فقد سلّمتُ أمريْ من البدَاية وقررتُ أن ينادينيْ الجميعُ كما يشَاء ..

وحينَ بدأت في تعلّم الانجليزيَّة .. اكتشفتُ أنّ اسمي لا يمكنُ أن ينطقَ كما هوَ وفقاً لأبجديّة الحرُوف الانجليزيّة وهوَ ما زادنيْ نقمة ً على اسميْ .. قلت فيْ نفسيْ .. لو كانَ اسمي سارَة لكتبت Sara بدُون أيِّ صداع

كتبَ اسميْ بالانجليزيَّة Aisha ولطالمَا تذمّرتُ من هذا الموظّف الظالم الذي سجّلني في شهادَةِ ميلادي بهذا الاسم .. حيثُ كنتُ أفضّل أن أكتبَ بالانجليزيَّةِ Aysha غيرَ أنّني اضطررتُ للتسالمِ مع الاسم الانجليزيّ الاوّل بالنظر إلى أنّ كل بياناتِيْ أصبحت باسمِ Aisha وكلّما كبرتُ كان عليَّ التأقلم عليهِ بدءاً بجوازِ السفرّ مروراً بالبطاقة الشخصيَّة فبطاقتيْ الجامعيَّة فبيانات توظيفيْ ولاحقاً ربّما شهادة الوفَاة.. كلّما كبرنا أدركنَا أكثر أنّ هنالك أموراً كثيراً ينبغي أن نتسالم معها ولا حلَّ آخر .. الخياراتُ التي نملكهَا كالتاليْ: التسالم مع الحياة أو التسالم مع الحيَاة والخيَار الثالثِ مع الأسفِ الشّديد: التسَالم مع الحيَاة أيضاً..


بعضُ الأسمَاء لا يمكنُ أن تحمّل أيّ اسمِ تدليل يقدّم دلالة التدليلِ نفسها ، ومن هذهِ الأسمَاء اسميْ ..
فأنا أكرَه أن أنادَى بـ"عيّوش" ، "عوّاش" ، "عويش" . . من أيّ من صديقاتيْ !
ولمْ أحبّ من أسماء التدليل سوَى اسمين ! أحتفظُ بهما لنفسيْ لأنّني لا أرغبُ أن ينادينيْ بهمَا سوَى صاحباهمَا الأقرب إلى قلبيْ !
كما أنّني بالتأكيد أستشيط غضباً حينَ يناديني أيّ من القراء أو الاخوَة الكتّاب بذلك ، بالنظرِ إلى أنّه لا ينبغيْ –وفقاً للرسمياتِ المتّبعة- أن يناديْ أحدهم فتاة ً باسمِ تدليلٍ أمام العامّة دونَ أن يثيرَ ذلك سين وجيم من سين وصَاد من النّاس..

وأستشيطُ غضباً كذلك حينَ تفتفدنيْ أختٌ أو أخ ويبادرونَ بالاتّصال قائلين: عايشة. . انتي عايشَة ولا مايتة؟
وأشعرُ أنّها عبارة تهكّمية تارسَة غبَار ! كما أنّ نسبة الفكاهة فيهَا أقلّ من الصفر بقليل . .



* * * * *




اسميْ عائشَة . .


ويعنيْ وفقاً لقاموسِ الأسمَاء "العيشة الهنيئة" .. لكنّ العيشَة لمْ تكُن عيشة هنيئة دائماً بالنسبة ليْ !
نشأتُ طفلة ً هادئة وحينَ أعنيْ طفلة ً هادئة فأنا أتحدّث عنْ فترةِ الروضَةِ إلى يومنَا هذا ..
أمّا ما قبلها فتخبرنيْ أمّي أنّها لم تنجِب من أشقائي طفلاً مزعجاً في البكاءِ مثليْ .. ففي أولى أعواميْ كرضيعَةٍ كنتُ أبكيْ بشكلٍ جنوني ..
وأيّامها كانتْ أمّي تدرسُ في مدرسَة تعلِيم الكبَار. . تخبرنيْ شهاداتُ أمّي أنّها كانتْ متفوّقة ً للغاية فعلاماتها كاملة ٌ جميعاً إلا في الرياضيّات الذيْ اعتادتْ أن تنقصَ فيهِ درجتين فتحصدَ 48 من 50 . . ولأجلِ ذلكَ أعزُو في كثيرٍ من الأحيَان عدمَ حبّي للرياضيّات رغم عدمِ سوءِ درجاتي بهِ إلى ورَاثة جينيَّة عن أمّي .. كنتُ أقولُ لأمّي دائماً حينَ توبخنيْ على درجاتِ مادّة الرياضيّات ، فأردّ: مو أسوي يوم أمي ما كانت شاطرة فيه؟ تراني والله ما أريد أكون آينشتاين !
هل كنتُ أعرفُ حينها أنّي سألتحقُ بالهندسَة وأدرسُ 9موادّ رياضيَّات بحتَة كل واحدٍة منها أكثَر إزعاجاً من الأخرى؟!
كانتْ هذهِ هي سخريَّة الأقدَار التيْ لا أحدَ يقفُ في طريقها..

اضطرَّتْ أمّي لتركِ المدرسَة بعدَ إنجابها ليْ بالنظرِ إلى أنّي كنتُ "رضيعة ً غير مزعجة إطلاقاً" . . غيرَ أنّه حتّى انقطاعها لم يحلّ المشكلَة فقدْ كانَ بكائيْ مستمراً لا يتوقّف . .
الجاراتُ أخبرنَ أمّي أنّ اسميْ قد يكُون "نيرَاني" بمعنَى أنّه لا يتوَاءم معيْ وأنّه لابدّ من تغييرهِ لأعُودَ "طفلة ً عاديةً تبكيْ بالقدرِ اليسير كما يبكيْ أبناءُ العالم والنّاس"
بكائي جعلَ أمّي تفقدُ ملاحظَة أسباب بكائي . . فالأمّهاتُ عادة ً يتعرّفن بعدَ أمدٍ إلى أصوَاتِ أطفالهنّ .. صوتُ البكاء حينَ الحاجة للطعام يختلفُ عن صوتِ البكاءِ أثناءَ مغصِ البطن .. وهكذَا ! أمّا أنا فكنتُ في دوّامة بكاء متواصلة لا تتوقّف..
قررتْ أمّي أنْ تذهَب إلى "كاتِب حرُوز" ليكتبَ ليْ حرزاً عن البكاء ! ووفقاً لهذا الحرز فإنّ الرجلَ "سيقوم بربطِ فميْ" يعنيْ بالمعنَى الأصحّ : لا بكاءَ على الإطلاق !
إنْ كنتُ مدينة ً لجدّي لأمي بشيءٍ فهوَ أنِّه تصدّى لتلكَ الخطوَة العتيدة التيْ كانتْ أمّي بصددها بعدَ أن أصابهَا الاكتئابُ منْ بكائيْ الشّرس!
مانعاً إيَّاها من هذه الخطوَة التيْ قد تترتّب عليها عوَاقب وخيمَة . . ولربّما كانَ من الممكن أن أعيشَ خرسَاء أبدَ الدّهر.. لا لعاهةٍ أو مرضٍ سوَى أنّ لسانيْ عقدتْ في ورقة صغيرَة بها بعض الطلاسم ، كتبهَا رجلٌ ينادُونهُ "صالح ودْ الكخ" ودسَّها فيْ إحدَى خرابات نزوَى القديمَة .. منْ أينَ لي بعدَ أن ماتِ الرجلُ بعد ولادتيْ بسنتين أن أبحث عن لساني المعقُود المرميّ في المليون ونصف من بيُوت الطّين في نزوَى؟!

لا أستغربُ تماماً سببَ بكائيْ . . لعلّي منذ طفولتيْ كنتُ ناقمة ً على هذهِ الحيَاة . . لعلِّيْ حينَ ولدتُ سمعتُ أمّ كلثُوم تغنّي: "سوفَ تلهُو بكِ الحيَاة وتسخَر" فعبَّرتُ عن استيائي من سخريَّة الحياةِ بالبكاءِ، فما الذيْ تملكهُ طفلة ٌ لا يتعدّى عمرها الشهر لتقفَ مواجهَة هذه الحياة الساخرَة وهي لا تملك وسيلة احتجاجٍ وسخطٍ غير البكَاء؟
إلا أنّ الأيَّام تكفّلتْ لاحقاً بأنْ تخفّف من حدّة بكائي، فيْ الرّوضة . .كنتُ كما أسلفتُ على النقيضِ تماماً ! طفلة ً هادئة للغايَة .. تحكيْ ملفَّاتي الدرَاسيَّة التيْ لا أزال أحتفظ بها أنّي كنت طفلة ً عادية ً للغاية . .
وإليكُم بعضاً من العلاماتِ الطريفَة التيْ حصدتُها:
- التفاعل في أنشطة اللعب والرياضة (جيد)
- التواصل مع بقية الأطفال (جيد)
- مستوى استخدام عبارات الشكر والثناء مثل (شكرا لك) وإلقاء التحية (متوسط)
- الإلمام بأن الله هو خالق الدنيا (مقبول)
- القدرة على التفريق بين الخالق والمخلوق (مقبول)
- الاستجابة مع الموسيقى وترديد الأغاني (ممتاز)

اطلعتُ على هذهِ العلاماتِ مع إحدَى صديقاتيْ والتيْ سحبت كشف العلاماتِ من يديْ قائلة ً أنّها ستذهبُ لتصويرهِ وتبعثُ بنسخةٍ منهُ إلى فلانة الفلاني . . مسمية ً كاتبة ً اعتادتْ على الحديثِ عنِّيْ باعتبَاري مصدَر قلقٍ على المستوَى الدينيِّ .. كونيْ وهيَ نختلفُ حولَ تصنيف عددٍ من الشخصيَّات التاريخيَّة الدينيَّة التيْ ظلّ المؤرخُون يلعنونها إلى يومنا إضافة ً إلى أفكارٍ معيَّنةٍ أناديْ بها على المستوَى الدينيّ وترفضها هيَ ..
قالتْ لي صديقتيْ: يعنيْ من وانتِ صغيرة أفكارك مبيّنة أيّتها المغضوب عليكِ .. سأنسخُ الملفّ لعلّي أكسبُ شيئاً من المالِ بتسريبيْ هذا الملفّ أو لعلّي أبتزكِ عبرهُ ..
قلتُ لها: خذيهِ . . فوالله ليس لي في هذهِ الحياةِ سوَى قولِ الجاحظ: عجبتُ من حالِ الدنيَا وأناسهَا ! كلّما أرادُوا بي شراً أصابني من ورائهِ الخير الكثير وكلّما أرادوا خيراً أصابنيْ من ورائه الشرّ الكثير ! وما ذلكَ إلا لتقلبِ الدنيَا فلا تؤمنُ على مخلوقٍ قطّ

* * * * * *

اسميْ عائشَة. . كانَ من الممكنِ اليَوم أن أكونَ خرسَاء ! هلْ يا ترَى كانَ جدّي يعرفُ أنّ حفيدتهُ ستتعلّق بالشعرِ وتحترفُ إلقاءَه ربّما أكثَر من كتابتهِ؟
حدثَ ذلكَ منذ بداياتِ دراستيْ الأولى .. في مدرستيْ ، بدأتُ منذ الصفّ الثاني الابتدائيّ كملقيةٍ في الإذاعَة المدرسيَّة..
في تلكَ الأيَّام .. كنتُ أحبّ تقليدَ طريقَة إلقاء الشيخِ أحمَد الخليليّ المفتِي العام للسلطنَة .. وكانَ ذلك مصدرَ إعجاب الجميع .. ولعلّي لم أكنِ الوحِيدَة.. لكنْ لحداثَة سنّي ومواظبتيْ على التدرّب على طريقةِ إلقائهِ كنتُ الأسرع في الوصولِ إلى منصّة الإذاعة .. حيثُ كان صوتيْ يصدحُ يوماً بعدَ يومٍ في أرجاءِ الإذاعة ..
كانتْ مديرتيْ مغربيَّة.. وفطنتْ إلى مستوَاي الجيّد في الإلقاءِ فعهدتْ بيْ إلى أستاذينِ عراقيينِ معلّمة ٌ اسمها نعمَة في نفسِ مدرستيْ وآخر اسمهُ جبَّار ولكنهُ كان يدرّس في مدرسةِ البنين التيْ كانتْ تداوم في التوقيتِ المسائيّ بعد مدرستيْ ..
والحقيقَة أنّه لا يوجَد شعبٌ كالعراقيينَ أقدر في إلقاءِ القصَائد منهُم .. وقدْ وقفُوا بجانبيْ وواظبُوا على تدريبي الدّائم يوماً بعد يَوم .. كانا عامانِ فقط.. إلا أنّهما صنعَا فارقاً كبيراً في مستوَاي الإلقائيّ على مستوَى الشّعر .. وقرّبني الإلقاءُ إلى الشّعر وبدأت معانيهِ تنحدرُ إليَّ بسلاسَة ..
في الصفِّ الخامسِ الابتدائيّ بدأت محاولاتي الشعريَّة الأولى .. بدايَة ساذجَة قليلاً لكنّها جديرَةٌ بالحديثِ عنهَا.. أوّل ما كتبتهُ هيَ أبياتٌ مكسُورةٌ في مدحِ قبيلتيْ .. بمجرّد أنْ كتبتها حملتُها إلى والدي الذي أعرفُ حبَّه للغَةِ عامة ً .. وأسمعتُه إيَّاها: فما كانَ منهُ سوَى أن نهرنيْ .. قائلاً: ما أهلكَ الناسَ إلا التغنّي بأمجادٍ لا يدَ لهُم فيها.. فما فخركِ فيْ أصلٍ لم تصنعِيه بيدك وإنّما قدّركِ اللهُ عليهِ وشاءَ أن تكُونيْ بهِ بلا حولٍ منكِ ولا قوَّة .. كانتْ مرّة ً وحيدَةً .. الأولَى والأخيرَة التيْ أسمِعُ فيها والديْ ما كتبتُ ..
منذ ذلك الحين وبعد قرابَة الخمسَة عشرَ عاماً هوَ ما يفصلنيْ عن ذلكَ الوقتِ .. لم يسمَعْ والديْ بأذنهِ بيتاً من الشّعر من فمِيْ ..
لقدْ خُلِقَتْ داخليْ رهبة ٌ كبيرَة . . ستكرِّسُ لها الأعوَام ، وسآتيْ على ذِكرهَا في القادمِ القريب ..


* * * * * * *



اسميْ عائشَة .. ولِدتُ منذ قرَابة اثنين وعشرينَ عاماً .. وما بينَهما تغيَّرت الكثير من المفاهِيم.. اندحَرت قناعَات ووُلِدَتْ قنَاعات وتبنَّيتُ الكثير من المفاهِيم وبدّلتها بعددِ ما يبدِّلُ كلٌ منا قميصهُ !
سأخبركمْ في الحلقةِ القادمَة .. عن عائشَة ، والمدرسَة ، والجبل ، والدرَاجة الهوَائيَّة !

تعليقات

  1. رغم أنني اختلف معك في بعض كتاباتك..إلا أنها تعجبني..وهذه رائعة..بسيطة كبساطة عائشة التي عرفناها هنا..
    تشبهينني في نقطة..توقفت عن قراءة ما تكتبينه لوالدك يومها..وانا توقفت عن الكتابة لعمر طويل بعد موقف اراه بسيطا الأن مع والدي..لكنه أثر تأثيرا طويلا تقاعد قلمي عن الكتابه خلاله لما يقارب العشر سنوات..

    ردحذف
  2. كم الحياة قصيرة ؟ نلتقي دائما بذات الشخوص
    لا أعلم لعلها أي الحياة قصيرة جدا ولعلنا نحن ندور في ذات الدائرة .
    منذ أمد ليس بالطويل تبين لي بأن هناك الكثيرين ممن يتقاسمون تفاصيل كثيرة معنا .
    بالمناسبة كان كذلك من المفترض تسميتي - سارة - ولكنني منحت اسما أحبه جدا يشبهني تماما ، وبالمناسبة كذلك كنت وما زلت شديدة الولع بتقليد سماحة الشيخ الخليلي لكنني أختلف هنا عنك في موضوع الدين فقد كانت على الدوام درجاتي الأعلى فيه ، أكملي القصص عزيزتي عائشة وكوني كما أحببناكِ شقية .
    مودتي

    ردحذف
  3. اروع ما قرأت لك .... بسرررررعه انتظر الحلقه الثانيه بشغف..

    اتمنى تنشرين كتاب عن سيرتك استاذه عائشه لأنه اسلوبك هنا يدفعني للقراءه المتواصله بدون توقف

    ردحذف
  4. احس ان الكون بدأ يرتجف لماذا لا ادري ، لا افهم ، هكذا هو الان ، كم هو مرعب هذا الخليج احيانا ، او لنقل دائما هكذا اصبح الان ، الكتابة كفر بالحياة ،
    والكفر بكل شئ هو الذي يخلق الابداع في تجلياته الاولى ، ولكننا نختار الاسماء المستعارة حتى لا نفقد ما فقدنا ، والعناقيد دلائل الليل !!

    ردحذف
  5. رائعة كعادتك

    ردحذف
  6. أرجوا المساهمة في دعم الحملة لو تكرمتم

    (حملة الجسد الواحد)

    أرجوا من المدونين الموقرين أن يضعوا شعار الحملة في الشريط الجانبي لمدوناتهم تضامنا مع أمة محمد !!

    صورة الشعار .. في مدونتي أعقل مجنونة في الوجود .. ويكتبون فوقها ..

    (حملة الجـسد الواحـد)

    رابط المدونة

    http://dndanh111.blogspot.com/2010/06/blog-post_14.html

    جعله الله في ميزان حسانتكم .. آمين

    ردحذف
  7. جميل سيرة ذاتية ..

    أنتظر الباقي ..

    ردحذف
  8. جميل جدا ً :)
    أحلى ما في الموضوع أني جاية بدون أحكام مسبقة

    يعني أنا قريتلك مقتطفات بالبلوغ وبعدين ضفتك عالمتابعة

    وشفت سيرة حياتك فورا ً ، بالنسبة الي ما بملك انطباع إلا اللي عطيتيني ياه وحبيت هادا الشعور وحبيتك

    أنا التانية عندي مشاكل مع اسمي " لسنوات كنت ما حبو "

    رح أكتب عن الموضوع :) قريبا بالبلوغ تبعي ،
    مرسيل ! أنا البنت الوحيدة اللي بعرفها أسمها مرسيل !

    ردحذف
  9. جميل جدا ً :)
    أحلى ما في الموضوع أني جاية بدون أحكام مسبقة

    يعني أنا قريتلك مقتطفات بالبلوغ وبعدين ضفتك عالمتابعة

    وشفت سيرة حياتك فورا ً ، بالنسبة الي ما بملك انطباع إلا اللي عطيتيني ياه وحبيت هادا الشعور وحبيتك

    أنا التانية عندي مشاكل مع اسمي " لسنوات كنت ما حبو "

    رح أكتب عن الموضوع :) قريبا بالبلوغ تبعي ،
    مرسيل ! أنا البنت الوحيدة اللي بعرفها أسمها مرسيل !

    ردحذف
  10. السلام عليكــم أخيتي عائشة ..
    جميل هذا الذي قرأته ,, بساطة الموضوع تجبرك على القراء وكما يقال - سهل ممتنع - وعلى طاري نهرة الوالد لما قلتي له القصيدة عانيت عندما كانت اولى محاولاتي تلقيت منازعة قوية من أخووي بعدهاا ابتعدت كثيرااا ...
    شكرااا لك

    ردحذف
  11. جميل "عائشة"

    ننتظر الجزء الثاني .

    أبو أديب

    ردحذف
  12. موفقة يا عائشة السيفي


    قرأتُ هنا روحك حين بدأت تحلٌّق في الفضاء


    في انتظار القادم

    ردحذف
  13. محمد الكوماني21 يونيو 2010 في 10:58 ص

    كلاااااااااااااااام أكثر من رائع وسرد لا يقل في مقارعة الكبار

    ردحذف
  14. لمن جهل عائشة..
    ها هي،،

    جميل جدا

    في انتظار البقية

    ردحذف
  15. عائِـشة .!

    ننتظر الأجزاء الباقيَةَ بشغفٍ .!

    ردحذف
  16. الام مدرسة ادا اعددتها ... اتخيل لو ان كل
    بنات بلدي حصلن على فرصتك ووصلن لمستواك الثقافي
    لرزقت عمان بجيل مثقف واع ولا اروع

    مع انه بكير عليك تكتبي سيرة حياتك
    بس سردك كان رائع ومشوق

    للامام

    ردحذف
  17. الاستاذ الشيبة21 ديسمبر 2010 في 9:44 م

    بيان طيب اختي عائشة

    أسال الله الصحة والعافية لكي ولكل من في قلبك ..


    اخيك الاستاذ الشيبة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق