التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أنْ تعيشَ بلا انتمَاء . . فيْ زمنِ الانتمَاءات !


http://portal.s-oman.net/articles/201006/4757.htm

عائشَة السيفيّ

ufuq4ever@yahoo.com

قالَ ليْ ذلكَ الرّجل قبلَ 5 أعوَام : أنّه غيرُ منتمٍ . . وظللتُ لسنوَاتٍ أعيشُ صراعاً داخلياً : كيفَ يستطيعُ أيّ انسانٍ أن يعيشَ وهوَ لا ينتميْ إلى أيّ مذهبٍ دينيّ أو اجتمَاعيّ أو سياسيّ . .

استغرقتنيْ سنوَاتٌ طويلة ٌ وأنا أحاولُ أن أتعَايشَ مع فكرَة اللا انتمَاء !

غيرَ أننيْ أدركتُ أخيرَاً . . ربّما قبلَ عامٍ تقريباً ! أنّ أجمَل هبَاتِ الحيَاة أنْ يعيشَ الانسانُ حياتهُ غيرَ مستعبدٍ لأيّ انتماءاتٍ تطحنُ الشّعوبَ تحتَ قدَميهَا . .

كلّ يومٍ أدركُ أنّي متخففَة من أثقالٍ عظيمَة يرزحُ تحتَها الآلاف . . وأتمنّى أن أعيشَ لليَوم الذي لا يعُود أحدٌ يسألنيْ لأيّ مذهبٍ أنتمي؟ !

أن أعيشَ وأقرأ شهادَة ميلاد أطفاليْ ولا توجَد خانَة "مذهب" في شهاداتِ ميلادهم !

* * *

اليَوم سألتنيْ تلكَ الفتاةُ وهيَ تدعُوني للصلاةِ قبلَ أن نتناولَ وجبَة الغداءِ سويّة ً في الجامعَة . . قالتْ لي: نصلّي وبعدها ناكِل؟

صمتتْ للحظَة ثمّ قالتْ: ولاّ جمعتيْ الصلاتين؟ أنتِ سنّة ولا اباضَة؟

فأجبتها ( بلهجَةِ بلدِها العربيّ ) : متل ما بدّك خيتُو . . الاثنين يمكن . . أو خليني قولّك: مسلمَة. .

ضحكتْ وذهبنَا سويَّة للصلاة. .

* * *

أخبرتكُم سابقاً في مقالِي: "صنَاعة الغبَاء في مجتمعاتنا" عن رفضيْ التَام للتبعيَّة لأسماء معيَّنة من رجالاتِ الدين فقطْ لأنّهم المراجع الدينيّة في المذهبِ الذي نولدُ عليهِ . . وحينَ أقولُ المذهب الذي نولَد عليهِ أعني ما ينتميْ إليهِ والدانا. .

ولأجل ذلكَ فإنّ أغلبنا حينَ تصدرُ فتوَى فهوَ يتقبّلها لأنّها صدرَتْ من فلان الفلانيّ .. رجلُ الدين الأوّل في المذهب الفلانيّ وليسَ لأنّه مقتنعٌ تماماً بالفتوَى!

فيْ هذا الزّمن لم أعد معنيَّة بالجدليّات حولَ أنّ الشيخ الفلانيّ هوَ أعلم أهلِ الأرضِ اليَوم . .

وأعتقدُ أنّ هذا الزّمن أصبحَ يُجبِرُ كلّ امرئٍ بشكلٍ أو بآخر لأن يجتهِد . . بسبب ازديَاد تضَارب الفتاوَى وبونهَا منْ مذهبٍ لآخر . . بلْ من المذاهبِ الفرعيَّة داخل المذاهبِ الرئيسيّة !

أن يقولَ كلّ عالمٍ ثقةٍ كلمتهُ وأنْ يحكّم كلّ منا عقلهُ فيمَا يُرضيهِ ! بعيداً عن كلّ التدخلات العاطفيَّة "ومصلحجيَّة" الانتمَاء!

***

ما الذيْ أعنيهِ بقوليْ "مصلحجيَّة" الانتمَاء؟

الحالَة الأولى التيْ صادفتُها: هيَ رجلٌ طلّق زوجتهُ في حالَةِ سُكرٍ؟

مذهبهُ لا يجيزُ لهُ إسقاطَ طلاقهِ لها. . فجاءَ بورقةٍ منْ رجلِ دينٍ في مذهبٍ يسقط طَلاق السُكْر !

الحَالة الثانيَة: رجلٌ أحبَّ فتاةً ترفضُ عائلاتهمَا ارتبَاطهما . .

الفتاة يتيحُ مذهبها زوَاج المتعَة والرجلُ يحرّمه . .

تزوّجا زوَاج المتعَة عملاً بمذهبها دونَ علمِ عائلتيهِما!

الحالة الثالثَة: فتاةٌ حمَلت وهيَ لا ترغَب بالحمل أو ستترتبُ مشاكلُ معيَّنة على حملها . . مذهبها لا يجيزُ إسقاط الحمل كلياً بينما يجيزُ مذهبٌ آخر إسقاط الحمل قبلَ مرورِ 40 يوماً علَى حدوثِ الحمل . . تجهضُ وفقاً للمذهبِ الثانيْ لكنّها ضمنياً تتبع المذهبَ الأوَّل !

* * *

تقسيمَات المذاهِب هذهِ . . جلبَت "بلاوي" لهؤلاءِ البشر! واستغلوها بشكلٍ شنيعٍ للغاية. . هؤلاء البشر لابدّ أنّهم مقتنعونَ من الداخلِ بحكمٍ معيَّن بعيداً عن "مصلحَة أهوائهم" وانتقاءِ الفتاوَى وفقَ ما تحتاجهُ ضرورَاتهم !

ينبغيْ أن نتخفّف من هكذا مصالح . . وأن نحكّم عقولنا في الفتاوى تلك! ينبغيْ أن نقتنعَ بكلّ فتوى نقومُ بها –وفقَ مساحاتِ قدراتنا الفكريَّة والعقليَّة- ليسَ فقط لأنّها صادرَة من فلانٍ شيخِ مذهبنا بل لأننا -مستبعدِين أهواءنا الشخصيَّة- مقتنعِون تماماً بتلك الفتوَى ولا توجَد ذرَّة شكّ بعدم اقتناعنا بهَا فليسَ ثمّة كارثَة في الحيَاة أنْ نفعلَ ما نجهلُ سببهُ . .

* * *

تناولنيْ جدّتي أحياناً جريدَة ً وقدْ جذبتها صورَة في الجريدَة . . تسألنيْ عمّا كتب تحتَ تلك الصّورة!

جدَّتيْ أميَّة . . لا تجيدُ القراءة ولا الكتابَة ولا تعرفُ من القرآن سوَى قصَارِ السُّوَر ما يكفيها لتقيمَ الصّلاة. .

وأشفقُ عليها . . وأحياناً أشعرُ بالغيرَة منهَا !

أشفقُ عليهَا لأنّها لا تملكُ مساحاتِ الاجتهاد العقليِّ ومساحات الاختياراتِ التيْ أملكهَا! وأنْ يكونَ لكلّ انسانٍ فرصهُ في اختيَار ما يقتنعُ بهِ هوَ نعمةٌ كبيرَة . .

وأغارُ منها أحياناً لأنّها ليستْ معنيَّة –بمستوَاها الفكريِّ- بكلّ تلك الجدليّات الغريبَة التيْ انجرَّ إليهَا الكثيرونَ حولَ إشكاليَّات المذاهِبِ وتفاصِيلها

متحرّرة من كلّ ذلك. . ولعلّها مؤمنَة أكثر من كلّ أولئك الغارقين في جدليَّات مذهبيَّة دينيَّة لا تنتهيْ . . تصلّي كل يوم . . قلبها مطمئنٌ بذكرِ الله .. تمسكُ مسبحتها طوالَ اليَوم ويكفيها ذلك فقط للعيشِ كمسلمَة . . لو سألتُها يوماً: ما الذيْ يعنيهِ كونُك اباضيَّة؟

لنظرتْ إليَّ وصمتتْ ! فهيَ لا تعرفُ الإجابَة بالتأكيد ..

* * *

تخيَّلْ أنّك تسيرُ في طريقٍ لا تعرفُ وجهتهُ . . خالٍ من الاشاراتِ !

السيّاراتُ تدخلُ عشوائياً على بعضهَا ! ولا توجَد قوانين تحكمُ السّير! ما الذيْ سيحدث؟

كارثَة بشريَّة عظيمَة . .

هؤلاءِ تماماً هم علمَاء الدّين . .

علمَاء الدّين وُجِدُوا لينظمُوا حياتنَا ! وليكُونوا نوراً لنا لا ظلاماً ! ليأخذُوا بأيدينا إلى الوجهةِ الصحيحَة . .

عودَة ً مرةً أخرى إلى الشارع .. لو أنّ تلك الاشاراتِ وُجدتْ ولو أنّ القوَانين وجدتْ أيضاً غيرَ أنّك تمسكُ مقوَدَ سيارةٍ لا تحسنُ قيَادتها وتقودُ في الشَارع المليء بالاشارَات واللافتَات المروريَّة لكنّك لا تعرفُ القيَادة . . فما الذي سيحدث؟ كارثَة أخرَى كبيرَة !

على كلٍ منّا أن يمتلكَ مساحتهُ العقليّة الخاصّة في اختيَار الفتوَى التيْ يقتنعُ بها لابدّ أن يكونَ هنالك "اجتهاد موضوعيّ" اجتهَاد غير مشخصن ! لا يتبعُ هوَى صاحبهِ ومصالحهِ الشخصيَّة !

معَ وجودِ العلمَاء . . همْ يجتهدُون ويفتُون لنا ! ولكنّ علينا أيضاً أن نكونَ على درَاية بكلّ فتوَى نتبعهَا فلا نؤمنُ بهَا بشكلٍ أعمَى . .

هذا لا يعنيْ أن يتحوَّلَ كلٌ منّا إلى مفتٍ .. يجتهِد في صياغَة فتاواهُ الخاصَّة . . هذا الأمرُ متروكٌ لعلماءِ الدِين . . واجتهادنا فقط في اقتناعنا بالفتوَى .. فقد تطمئنُ عقولنا وفقَ خلفياتنا الفكريَّة ومستوياتنا التعليميَّة إلى فتوَى شيخٍ أكثر من فتوَى أخرى لشيخٍ آخر. .

* * *

إنْ كانَ ثمَّة جدليَّات استنزفتِ الشعوبَ المسلمَة من وقتها واجتهادها ومؤلّفاتها هوَ الجدليَّة الأزليَّة حولَ "من المذهَب رقم (1)؟"

أو المذهَب الحقّ !

وأعتقدُ أنّه آن الأوَان لجيلنَا أن ينبذ هذهِ الجدليَّات ويلقيهَا خلفَ ظهرهِ بما أننا كمسلمينَ غارقُون أساساً حتى قمّة رؤوسنا في إشكاليّات كثيرَة سياسيَّة فرضتها علينا حكُوماتنا "المعفّنة" . . وتكالب الآخرين علينَا . . وحينَ أقول الآخرين فأنا أقصدُ غير المسلمِين!

وثمّة سؤالٌ مهمّ : إنْ كانتْ غايَة كلّ المذاهبِ أن تمسكَ بأيديْ أصحابهَا وتقودهُم إلى الجنّة ! فهلْ هذا يعنيْ أنّ أتباعَ مذهبٍ سيدخلُون الجنّة وأتباعَ بقيَّة المذاهبِ يدخلونَ النّار؟

أليسَ الاحتكام أوّلاً وأخيراً للخاتمَة النهائيَّة التيْ من أجلهَا وُجِدَ الدين؟

فإذنْ لمَ نهدرُ أوقاتنا في الحديثِ عن المذهبْ درجَة "أولَى" ومذهب درجَة ثالثة؟ يا إلهيْ ! بحقّ كمْ هذا الأمر محزنٌ!

* * *

ثمّة مذاهب كثيرَة منحرفَة ! وحينَ أقولُ منحرفَة فأنا أستثنيْ المذاهب الثلاثَة الرئيسَة . .

هنالكَ المذاهب التيْ تشعرُ أنّها "شوربَة" ظاهرَها مسلم وباطنها بوذيْ

يتقربُون للشيطَان ويقدّسون الموتَى إلخ . .

بالتأكيدِ فأنا لا أعنيها من قريبٍ ولا بعيدٍ بدعوتيْ إلى اختيَار الفتاوَى التيْ يقتنعُ بها العقل!

ويعرفُ منْ يقرأ القرآن تماماً ! أنّها لا تمتّ للإسلامِ بصلَة !

دعُونيْ أقتبسُ من الأخِ معاويَة الرواحيّ حديثهُ عن الشيخِ أحمَد الخليليّ حينَ سئلَ عن البهائيَّة هلْ هيَ من مذاهبِ الإسلام؟ فأجابَ: أنّها ليستْ من الإسلام .. قالَ أنّها ليستْ من الإسلام ولكنّه مع ذلكَ لمْ يأمرْ بقتلهِم !

* * *

لأنّ علمَاء الدينِ هُمْ مهندسُو حيَاة الشعُوب ! فأنا أدعُو لاحترَامِهم جميعاً ! وأعتقدُ أنّ منْ أسوَأ ما يقترفهُ فرقاء المذاهِب هوَ قذفهم لشيوخِ المذاهبِ بعضهم لبعض !

قالتْ ليْ صديقتيْ: أنّها حزينَة لأّنَّ محمّد العريفيْ لمْ يأتِ إلى عُمان !

صمتتْ قليلاً ثمّ قالتْ: قيلَ أنّ عدم مجيئهِ هوَ بتصرّف حكُوميْ من تداعيَات ما قالهُ عن السيستانيْ ! المرجِع الدينيّ الشيعيّ

قلتُ لهَا: إنْ صحَّ عدم مجيئه لهذا السبب فأنا بودِّيْ أن أقبِّلَ رأسَ الحكُومة لأوَّلِ مرّة!

نظرتْ إليَّ مندهشة ً ودخلنا فيْ جدالٍ طويلٍ جداً

وخلاصَة ما قلتُه لها: أنيْ أحترمُ شيوخَ المذاهبِ الثلاثَة ! وأعتقدُ أنّ من الواجبِ علينا جميعاً أن نحترمهم! لأنّ من لا يحترم الآخرين لا يحترمهُ أحد !

فما باليْ إذا كنتُ داعيَة كبيرَاً ليْ جمهُوري وقاعدتيْ من المتبعينَ لأفكَاريْ وفتاويَّ وأستغل كرسييْ ومنبري الإعلاميِّ لإشعال مشاعلِ الكراهيَّة من جمهُور المتابعين لي ضدّ شخصيَّة دينيَّة لمذهبٍ آخر ؟!

كيفَ أحترمُ شيخاً لا يحترمُ شيخَ مذهبٍ آخر؟! بلْ وينعتهُ بأسوَأ الألفاظ التيْ ينعتُ بهَا أيّ انسانٍ على هذهِ الأرض!

إنْ كانَ لا يرضيكِ أن يشتمَ فلانٌ . . الشيخَ فلان .. شيخ المذهبِ الذيْ تنتمينَ إليهِ فكيفَ ترضينَ أنْ يَشتمَ شيخٌ من مذهبِكِ . . شيخَ مذهبٍ آخر؟! وبهذهِ النوعيَّة من الشتيمَة؟! وفي منبرٍ إعلاميّ لا أوسعَ من انتشَارهِ هو التلفزيُون !

لقدِ استأتُ من توجيههِ الشتيمَة لشخصيَّة شيعيَّة –رغمَ اختلافيْ مع أفكارِ السيستانيْ- لكنّي أعرفُ أنّ شتيمتيْ لهُ تجرحُ أصدقاءً شيعَة ً كثراً أكنّ لهم ويكنّون ليْ بالغ الاحترَام !

فإنْ لم أحترمْ شيخَهم فإنّ احتراميْ لهم كأشخاصٍ . .

لقدْ انتهَى زمَان التكفيرِ منذُ زمنٍ بعيدٍ ! ولنْ يأتيْ ليحييهِ لا العريفي ولا غيرهِ ! وإنْ أتَى أحدهم فمنْ واجبِ الجميع مقاطعتهُ !

* * *

سنواتٌ طويلَة والمذاهبُ ورجالاتها يتصَارعُونَ حولَ أمورٍ لا يعرفهَا سوَى خالقهم . .

غيبيّات يحددونَ بها توجَّه كلّ مذهب ! ولا أحدَ منهم أوتيَ مفاتيحَ الغيبِ ليعرف!

آنَ لزمَن الانتمَاء للمذاهبِ وفقاً لما تدعُو إليهِ من غيبيَّات أنْ ينتهيْ . . فإنْ شئنا أن ننتميْ لمذهبٍ فليكنُ لاقتناعنا بهِ كمذهبِ حيَاة لا كمذهَبٍ أخرويّ لأنّ الآخرَة ليستْ من شأننا بلْ من شأنِ خالقنَا . . نحنُ خلقنَا لنهتديْ لتعَاليم ديننا في الحياة أمّا الآخرَة فهيَ خلاصَة حياتنا في الدنيَا ! الحيَاةُ الدنيَا هيَ السبب . . والآخرَة هي النتيجَة !

الإيمان بهِ كمذهبٍ يصلح لمعالجَة مشاكلنَا الحياتيَّة اليوميَّة . . لا فيْ أمورٍ لا تعني العوَامّ ولا تجلب لأصحابها سوَى الصداع ولا تهدرُ سوَى الورق والحبرَ في كتابةِ المجلّدات لتفنيدِ ماهيَة الصراط المستقيم أو ماهيَة حوض الرسول في الجنّة!

* * *

ليْ ما ليْ من مآخذ على كلّ مذهبٍ !

زواج المتعَة ، زواجُ المسيَار ، تحريم إجهاض المغتَصَبة ، الخلود في النّار ، نمط الصّلاة وحتّى طريقَة الأذَان للصلاّة. .

كلّ مذهبٍ على صوابٍ . . ولكنَّ علينَا فقطْ أن نحترمَ انتماءاتِ الآخرين وأن نفعلَ ما نقتنعُ بهِ وفقَ إيمانيّاتنا الداخليَّة ! إيمانيَّاتنا التيْ لا تخرجُ عن "لا إلهَ إلا الله ، محمّد رسول الله"

وعن أركَان الإسلام . . والإيمان التيْ سنّها محمّد قبلَ 1400 عام! قبلَ ولادة هذه المذاهب . .

* * *

قلتُ لكمْ منذ زمنٍ في إحدَى مقالاتيْ بمدوّنتيْ الشخصيَّة أنّ من أجمَل مزايا الإسلام أنّه وضع أركانَ الإسلام والإيمان ولم يسهبْ كثيراً في الدخول في تفاصيل ماهيَة الإيمان لأنّه أراد لأفرادهِ أن يجتهدُوا وفق مساحاتهِم دونَ الخروج من الأركان أو الأطر التيْ سنّها لهُم . .

ولعلَّ هذا من لطفِ الإسلامِ بأتباعهِ. .

* * *

منْ أجمَل ما يمتلكهُ شعبُ عُمان . . وهوَ الشّعب الذي عرفَ بهدوئهِ وَ"طولة بالهِ" عدمَ انطحانهِ حولَ صراعِ المذاهب الشّائك والتفرقَة المجتمعيَّة والسياسيّة بناءً على المذهب الذي ينتميْ إليهِ الفرد ! أو تفرّد عيّنة من المجتمع بالمالِ والحلال لأنّها تنتميْ إلى المذهبِ الفلانيّ !

كما يحدثُ في دولٍ أخرَى يعاملُ أتباعُ مذهبٍ معيّنٍ فيها كأنّهم "مواطنون درجَة أولى" بينما يعاملُ أتباع مذاهبَ أخرَى سواءً كانوا أقليَّة أو أكثريَّة كمواطنينَ "درجَة ثانيَة"

ويوجدُ لدينَا جميعنا على اختلافِ مذاهبنَا احترَامنا لشيوخِ الدين العمانيين لدينَا !

غيرَ أنّنا أيضاً غير مبرئين من طائلَة المذاهبِ سوَاءً على المستوَى الاجتماعيِّ في الزواج أو في تفرِّد مذاهب معيّنة بمساجدها التيْ لا يذهبُ إليها سوَى أتباعُ مذهبٍ معيّنٍ . .

أتمنّى أن تختفيْ هذهِ الفروق تماماً فيْ يومٍ ما! وأن نتجاوزَ جميعاً كلّ ذلك!

* * *

نسمعُ بينَ حينٍ وآخر تحوّل فلان إلى مذهبٍ آخر . . وتحوّل فلان آخر إلى مذهَب الأوّل ! وبينَ ليلةٍ وضحاها تجدُ أفراد المذهب الذي تحوَّل إليهِ الفردُ يهللونَ ويكبرونَ ! ويذيعُ صيتُ ذلك الشخص بينهم ! وينال قدراً كبيراً من الاحترام على المستوَى الدينيِّ في المذهبِ الذي تحوَّلَ إليهِ ونجدهُ "ملعوناً" من المذهبِ الذي غادرَهُ . .

كلّما سمعتُ ذلكَ : فلتُ فيْ نفسيْ: المهمّ أن يكونَ وجدَ نفسَه !

* * *

عنْ أبيْ هُريرَة رضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهِ عليهِ وسَلمَ قال :( كلّ مولودٍ يولدُ علَى الفِطرَةِ فأبوَاهُ يهوِدّانهِ أو ينصّرانه أوْ يمجّسّانه ) متفقٌ عليهِ

أنا غير منتميَة يا أصدقائيْ . . مسلمَة لا أكثَر . .

ولذا فلكمْ انتماءاتكمْ . . وليْ لا انتمائيْ !

تعليقات

  1. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    الإنتمائات سياسيه كانت ام دينيه، الحمدلله لسنا دولة تتبع تيارات سياسية مختلفة تحت ظل صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله و لا لمزقتنا تلكم التيارات، و لكن سياسة التيارات الدينية بدأت في النفوذ إلينا في مطلع هذه الألفية .. و أذكر بدايات تلكم التعصبات الدينيه في سنة 2001 حين أنزل الشيخ الخليلي كتابا يرد في نهايته على أحد السائلين حول مدى صحة أحد المذاهب الإسلامية الأخرى و كيف كان مفتينا حكيما و موجزا في إجابته حول أن جميع المذاهب تتبع سنة ( لا إله إلا الله و أن محمد رسول )و إتباع أركان الإسلام و الإيمان.

    أذكر في أحد أيام 1997 في المدرسه حين حاول احد الزملاء اثارة الفتنه المذهبيه، و قد منعه و عاقبه المدرسون جميعا على اختلاف مذاهبهم و قامت حملة نظموها منفردين في حصصهم للإغاء هذا الفكر من بال الجميع.


    نحن 3 أصدقاء ( سني ، شيعي و أباضي)
    نلتقي مرة في الشهر في جلسة أقصر مدة لها 4 ساعات و ذلك منذ 1996، و لم نناقش قضية المذهب أبدا!!!!


    موضوع رائع كالعاده


    دمتي بود أستاذتي

    ردحذف
  2. تحيتي للأخ الذي أعجبني تعليقه
    الحق يقال الناس ما شي أحلا عنهم وعايشين بدون تعصبات ولا شيء بس أحيانا وللأسف تطلع المنغصات من المثقفين ؟!!
    أنا لي صديقات في الجامعة من مناطق مختلفه وعبر النت من دول مختلفه ولم يسبق البته أن أختلفنا بسبب إي إنتماء قد يكون سؤال طبيعي أن اسأل أحدهن أو أن تسألني إحداهن ما مذهبك أجيب وينتهي الأمر ولا يشكل أي تعقيد ومن فترة كنا نتناقش في هذا الأمر أنا وأخوتي فقالت أمي :(مذهبنا إحنا حنيفي صح ؟)
    وأمي على نياتها جائت بهذه المعلومه لأننا نقرأ في التوجيه (حنيفا مسلما) والحقيقة إننا أباضيه
    للجميع تقديري .

    ردحذف
  3. عائشة.. أنا أفتخر بانتمائي إلى ديني.. و أفتخر بانتمائي لمذهبي.. و أفتخر بانتمائي لقبيلتي.. و أفتخر بانتماءاتي كلها.. و لكني أحترم انتماءات الآخرين..
    عائشة: الفتاوى الشرعية في كثير من الأحيان غير قابلة للنقاش من قبل عامة الناس.. إذا دخل الناس في الحوار حولها سيصابوا بمس من شيطان التفاصيل و الإشكالات التي استطاع علماء الدين – جزاهم الله خيرا- أن يستخلصوا منها ما يناسب عقليات العامة و أحوالهم ليقدموها طبقا جاهزا للناس..
    لا أقصد بكلامي هذا أن نتقبل جميع الفتاوى جزافا بدون تمحيص.. بل إني أوافقك الرأي قيما أشرت إليه مشكورة من تحكيم الفتاوى على عقولنا و خلفياتنا الفكرية. و لكن كما أشرت سابقا ينبغي علينا أن ندرك أن الخوض في المسائل الشرعية ليس بالأمر الهين و ينبغي أن يؤخذ بحذر شديد حتى لا نتصادم مع النصوص الشرعية الثابتة (القرآن و السنة) و خاصة في المسائل الخلافية التي لا يجيد البت فيها إلا علماء الشرع، و التي لا طاقة لعامة الناس إلا أن يمتثلوا فيها إلى المبدأ الرباني في قوله تعالى: "قولوا سمعنا و أطعنا"، إذ أن عقولهم لم ترق إلى مستوى الدقة و التخصصية التي يمتاز بها علماء الشرع في إيجاد القول الفصل القائم على اعتبارات كثيرة و مفصلة.
    بخصوص المذهبية.. لا بد أن يكون لكل منا مذهب متكامل يتبعه، و إن لم يكن كذلك لوقعنا في تخبط شديد.. المذهب يجعل الإنسان يسير وفق منظومة دينية (عقائدية و فقهية) و فكرية متكاملة بما يضمن له سلامة سيره في اتجاه واحد.. و يمكن لهذا المسار أن يتشعب قليلا- تحت ظل ضوابط شرعية محكمة- و ذلك بأن يستفاد من خرائط الآخرين التي رسمها علماء المذاهب الأخرى و ذلك بحكم وقوع تلك المذاهب تحت مظلة واحدة و هي مظلة الإسلام..
    الاختلاف سنة الله في الأرض و وجود الجدليات و المسائل الخلافية أمر طبيعي ناتج عن سنة الاختلاف التي أقرها الله تعالى في محكم التنزيل: "و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"..

    و لكن انتماءنا إلى مذهب معين و تمسكنا بمبادئه لا يعني أن نتزمت بأفكارنا و نسفه بالآخرين.. و كذلك لا يعني أن نكون بلا منظومة فكرية مذهبية حتى لا نقع في دوامة التيه و التخبط. فلكل مذهب له مدرسته و اجتهاده في فهم دين الإسلام
    أنا شخصيا أسأل بعض أصحابي المقربين- و هم من غير مذهبي- عن المذاهب التي ينتموا إليها و عن أقوال علمائهم في بعض الفتاوى بكل شفافية دون أن يشكل ذلك عائقا على استمرارية علاقتنا الطيبة..

    الخلاصة: الاختلاف المذهبي حالة صحية جدا.. و "نعرة الأنا" هي ما يعكر ذلك الصفاء..

    أطيب التحية..

    ردحذف
  4. أعجبني آخر تعليق!!

    أخت عائشة! أوافقك في الكثير مما جاء في مقالك ولكن "لا إنتماءك" المذهبي سيكون مشكل جدا....فكيف سيسير الإنسان عبادته إن لم يكن هناك تنظيم فكري أصولي... فلو أخذنا الغختلاقات المذهبية ولنقل العقائدية فإنها بنيت على أساسات وقواعد عقائدية لا يمكن أن أسيرها على أي مذهب آخر..

    عموما هذه النقطة ستحتاج إلى شرح أكثر


    نقطة أخرى أخت عائشة...اجمعي بين الفتاوي الشرعية والنصائح الطبية...كلها تحمل نفس الأحكام العامة..
    فكما أنني ءأخذ بنصيحة الطبيب في موضوع صحي بحت وبدون أي اجتهاد ....أليس الواجب علي فعل الأمر ذاته مع الفتاوى الشرعية....أو فلنقل 99% من الفتاوى


    استمتعت بقراءة هذا النص

    ردحذف
  5. "نقطة أخرى أخت عائشة...اجمعي بين الفتاوي الشرعية والنصائح الطبية...كلها تحمل نفس الأحكام العامة..
    فكما أنني ءأخذ بنصيحة الطبيب في موضوع صحي بحت وبدون أي اجتهاد ....أليس الواجب علي فعل الأمر ذاته مع الفتاوى الشرعية....أو فلنقل 99% من الفتاوى"

    تحية كبيرة لهذا الرد الرائع
    فعلا الأخذ بالفتاوى كالالتزام بالوصفة الطبية التي نتاولها وفقا لكلام الطبيب دون أن نحاول تقييمها بعقولنا..

    ردحذف
  6. لعل مثال الطبيب لا يصح فحتى الطب قد تغير
    واصبح للمريض الحق في مناقشة مرضه وخطة علاجه
    والبحث عن طبيب افضل ان لم يستسغ فكرة الطبيب الاول

    اخوتي الاعزاء
    ارحمونا من التبعية والانقياد والدل الاجتماعي الدي
    تسيرون فيه رغم مستوى ثقافاتكم وشهاداتكم

    اخيرا اقولها بكل فخر
    الحمدلله الدي حررني من الانتماءات مند امد بعيد
    ولعلها اجمل ماتعلمته في بلاد الغرب

    ردحذف
  7. د. احمد..
    انصحك بالاستماع إلى محاضرة الشيخ أحمد الخليلي بعنوان "الرأي و الرأي الآخر" و التي أقيمت في رابع أيام شوال من هذا العام.. حيث شدد فيها الشيخ على مدى حساسية طرح الآراء في الأمور الشرعية و عدم قدرة عامة الناس في الخوض فيها.. فتحت لي المحاضرة كثيرا من الآفاق..
    التبعية في ديننا مطلوبة و لكن بحكمة..

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق