التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اسميْ عائشـَة .. وهذهِ حكايتيْ (2)

اسميْ عائشَة .. وكانَ من المحتملِ جداً أن يكونَ اسميْ سارَة .. إلا أنّني كبرتُ واسميْ عائشَة .. وانتهَى الأمر ..



المرّة الأولى التي بعثتُ فيها نصاً لمحررِ جريدَة عُمانيّ ( بعد 5 أعوامٍ من مراسلتهِ لم أعد أراه على خارطة النشر العمانيّ) . قال لي ذلك المحرر تعقيباً على رسالتي التي طلبت فيها أن ينشرَ قصيدتي تلك .. قال لي: تكتبين بشكلٍ جيّد إلا أنّ اسمكِ غير مناسب لشهرَة الكتابة) ..



حين قرأت ردّه ذلك .. تذكّرتُ "عطيّات" التي أصبح اسمها فيما بعد فيفي عبدو .. قال لها أوّل صاحب كباريه ذهبت إليهِ لتقنعه بموهبتهَا : (ترقصينَ بشكلٍ جيّد ، لكنّ اسمكِ غير مناسب لتصبحي "رقّاصة" مصر الأولى) ..



لا أعرفُ ما وجه الشبَه .. لكنني تساءلتُ يومها : لو كانَ اسمي سارَة ! هل كانَ الوضع ليختلفَ اليوم؟!!



اسميْ عائشَة .. اليَوم الذي ولدتنيْ أمّي فيهِ .. في البيتِ طبعاً .. حيثُ كانتِ الولادةُ في المستشفَى آنذاكَ ترفاً غير ضروريٍ .. بينمَا علا صراخيْ أرجاءَ البيت .. هُرِعتْ زوجَة عمّي إلى أمّي لتتلقّف الطفلة الصغيرة .. جاءَت مع زوجَة عمّي قريبتهَا من زنجبَار ..التيْ كانتْ تزورها ذلك الوقت وحينَ رأتنيْ قريبتها .. امتدّت يدَها لتتفحّص خطُوط كفّي الصغير جداً .. ثمّ همستْ لأمّي بثقَة قائلة ً بعربيّة متكسّرة ممزوجة بالسواحليّة : ابنتكِ هذهِ ستتعبكِ كثيراً .. ستدخلكِ في مشاكلَ كثيرَة .. لكنّها في النهايَة ستعوّضك بالكثير أيضاً .. ستتزوّج رجلاً سيّارتهُ .زرقَاء.. كبيرَة جداً .. وسوفَ لن تنجبَ أطفالاً كثيرين"



تتذكّرُ أمّي تماماً تفاصيل ما قالتهُ تلك المرأة السواحليّة .. ببشرتهَا السمراء جداً .. وعيونهَا الجاحظَة ..



وحينمَا كبرتُ كانتْ زوجة عميْ كلّما التقتنيْ تقولُ لي: كبري وصيري حرمَة .. عشان يجي راعي السيارة الزرقا!



لا أعرفُ هل أخبرتنيْ أمّي بكلّ التفاصيل .. لقد أخبرتنيْ أمّي بالتنبؤاتِ الجميلة منها .. غير أنّه كلما أعادتْ أمي القصّة عليّ .. لمحتُ في عينيها قلقاً كبيراً .. قلق الأمّ على الابنَة .. وهي تتمنّى ألا يحدثَ شيءٌ قيل لها .. تؤمنُ بهِ وتكفرُ به في نفسِ الوقت .. تحاولُ أن ترفضه .. رغم شعورٍ ملحٍ عليها بتصديقهِ .. ما هي النبوءَة الكاملة التيْ قالتها تلك المرأة السواحليّة لأمّي؟! أنا نفسي لا أعرف !






ما أن بلغتُ الخامسَة حتّى بعثنيْ والديْ إلى معلّمة القرآن القريبَة منّا .. يسمّونها "المعلمَة عقّة" ..



كانتْ كبيرَة الحجم جداً .. ومخيفة ً جداً لطفلة بعمر الخامسة .. ضئيلة للغاية .. وهادئَة جداً !



كان لهَا عصاً طويلة جداً .. تفوقُ طولي آنذاك .. وكانتْ تفاجئ على حينِ غرّة .. أيّ طفلٍ ترتفعُ عيناهُ عن كرّاسةِ القرآن ..



كانتْ تلك العصا مصدرَ رعبٍ لجميع الأطفال .. ولا أزالُ أذكرُ تماماً وخزَها وهي تسقط على جسدي الصغير الخالي سوَى من العظام .. ليصدر ذلكَ الصوت المزعج من ارتطامِ عصا حادّة بعظامٍ مكسوّة بالجلد كعظامي ..



لا أزالُ أشعرُ بالظلمِ وأنا أتذكّر المرتين اللتين ضربتني فيهمَا ..



المرّة الأولَى كانتْ بعدَ يومينِ فقط من انضماميْ لمدرسَة القرآن .. بعدَ ساعتين من القراءَة .. كنتُ أشعرُ بالتعبِ فمددتُ رجليَّ واضعة ً كراسة القرآن بينهمَا .. فلم أدرِ سوَى بالعصا ترتطم برجليَّ وصوتٌ جهوريٌ يصرخ: عن أشوفش مرة مادة رجولش كذاك .. القراية يبغالها خشوع .. والخشوع ما فهالجلسة ..



الدرسُ الأوّل الذي تعلّمتهُ بعد انضمامي لمدرسَة القرآن هوَ أنّه يحظرُ على طلاّب المعلمَة عقّة .. أن يمدّوا أرجلهم أثناء القرَاءة .. لماذا؟ لأنه ينافي الخشُوع ..



المرّة الثانية التيْ نلتُ فيها علقة ساخنَة من عصا المعلمَة عقّة .. كانتْ بسبب شعريْ .. فقد كانَ لزاماً أن نرتديْ –نحن الفتيات-"إشارباً" صغيراً نغطّي به رؤوسنا على اختلافِ أعمارنا .. وألا يظهر من شعرنَا شيء ..



أدركتُ تماماً وأنا أهرعُ راكضة ً من البيتِ إلى مدرسَة القرآن فتنفكُ ضفيرة شعري ويسقط على ظهريْ أنّي سأنال تلكَ العلقة الساخنة بالنظر إلى أنّي رأيت المعلمة عقّة تنهال بعصاها على فتياتٍ أخريات انكشف القليلُ من شعرِ رأسهنّ ..



لكنّي كنتُ بينَ خيارين أحلاهمَا مرّ .. ففيما لو عدتُ مجدداً إلى المنزل .. لتعيدَ أمّي تضفيره كنتُ سأتأخر وسأنال من المعلمة عقّة علقة كبيرة جداً منها لتأخري .. ولن يشفعَ حضور أمّي معي عند المعلمَة عقّة التيْ لا تجاملُ "في الباطل" أبداً ..



ولذا فقد اخترتُ الذهابَ إلى مدرسَة المعلمَة عقّة .. وشعري منسدلٌ من تحت الإيشَارب ..



قلتُ في نفسيْ: لعلّ وعسَى يعميْ اللهُ بصرَ المعلمة عقّة عن شعري ..



غيرَ أنّ المعلمة عقّة التيْ كنت أتساءلُ كيفَ تلمحنا وسطَ الخمسين طالباً وطالبة ً ممن يتكدسُون أمامها مرددينَ خلفها ما تقرأ كانت لا تفوّت شاردَة ولا واردة إلا انقضّت عليها بعصاها متعددة الأغراض..



فعصَاها كانتْ لتتوكأ عليها .. ولتمدها مشيرةً إلى الكلمة التي في كراسة القرآن .. الوقف .. ونهاية الجزء والسورة إلخ .. و"لتهشّ" بها أيضاً على ظهور الطلاب .. وكانت لها مآرب أخرى لستُ في معرض ذكرها ..



فجأةً علا صوتُ ارتطام العصا بظهريْ وصوتُ المعلمَة عقّة الجهوري: " مالها فلانة!(مسميةً أمي) ما مغطية لش شعرش اليوم ! عب حد يقرى القرآن وشعره كله خارج؟ هين الإيمان من ذا؟"



قررتُ ذلكَ اليَوم التخلص من شعريْ على الإطلاق بعدَ أن علا صوتُ بكائي وأنا عائدة للمنزل إلى أمي .. مصرةً على أن تقصّ شعري حتى لا تنفكَ ضفائرهُ وأنال علقة ً إضافية ً من المعلمَة عقّة !



حاولتْ أمي بحنانها الأمومي تهدئة روعيْ .. وقد نجحتْ في ذلكَ وإن بشكلٍ مؤقت .. غيرَ أنّ ما لم تتوقعهُ على الإطلاقِ أن أختلسَ المقصَ من إحدَى دواليبها وأعملهُ على شعريْ ..



وبعد ساعتينِ تحديداً .. رأتنيْ أمّي بشعرٍ نصفه طويلٌ ونصفه الآخر قصير ! ولذا فقدِ اضطرتْ بعدَ أن نلتُ علقتين محترمتين منها على أن تقصّه فلا يتعدّى طول عنقيْ ..



وهكذا لعشرِ سنواتٍ قادمَة .. كنتُ حريصَة على أن تقصّ أمي شعريْ دون أن يتعدّى رقبتيْ ..



كانَ شعريْ قصيراً لدرجَة ملفتةٍ ولا أزالُ أذكرُ بعضَ الشباب "الصيّع" الذينَ كانوا يعلقُون ساخرينَ منّي وأنا ألعبُ مع اخوتيْ في الشارع مرتدية ً ملابس البنات وبشعري القصير جداً جداً .. كانوا يعلقُون ساخرين: "شعرك ولَد .. شعرك ولد" !



ظللتُ لثلاث أعوامٍ في صفوف المعلمة عقّة .. وفي الصيف الذي أكملتُ فيه ثماني أعوَام .. ختمتُ القرآن مع المعلمة عقّة ..



وكان من طقوس ختم القرآن "الاختياريّة" اصطحاب الحلوى والشوكولاتة وتوزيعها على طلاب وطالبات الكتّاب .. وكلّما زاد ثراء عائلة الطالب الذي ختمَ القرآن .. كلّما زادت أصنافُ الحلويّات واتسعَت طقوس الاحتفال..



اليَوم الذي ختمتُ فيه القرآن .. ختمت زهرَة القرآن معي ..



كانتْ زهرَة وحيدَة والديها .. ويقالُ أنّ أمها حملت قبلَ زهرة 14 بطناً ماتَ جميعهم .. وفي الخامسة عشر أنجبت زهرَة ولم تنجبْ بعدها ..



يتذكّر جميعُ الطلاب والطالبات .. ذلك اليوم المشهُود الذي ختمت فيهِ زهرَة القرآن .. اليَوم الذي ختمتُ فيه القرآنَ أيضاً ..



كانَ يوماً لا ينسَى .. أكلنَا فيهِ مينو الدجاج .. وشوكليت بو نظارة .. وشوكليت حطبة .. وعلوك بالون الوردي .. ووزّعت المكسرات على الطلاّب .. وأصناف السنتُوب .. واختتم اليَوم بتناول قبولي باللحم في صحُون كبيرة جداً اكتست بالزبيب والكازُو ..



وقبل توزيع اللحم والعيش .. خرج الطلاب جميعاً وهم يقرؤون التيمينة وهي أدعية ختم القرآن وأناشيد أخرى .. يجوبون الحيّ وراء الحيّ وهم يرددون وراء صوت طالبٍ كان أكبرنا سناً .. أدعية التيمينة وأناشيدها احتفالاً بختام زهرَة للقرآن ..



أما أنا فلم تكُن عائلتي قد أقامت من قبلُ طقُوس التيمينة لأي من أشقائي الذينَ ختموا القرآنَ مع المعلمَة عقّة .. ولأنّ والدي لم يكن قد اعتَاد تدليلنا بذلك باعتبارهِ طقساً غير ضروريّ كما كانَ يرَى ..



ظلّ زملائي وزميلاتي في مدرسة القرآن يلمّحون لي .. ويعيّرونني بعدم قدرة عائلتي على إقامة تيمينة تعادل في المستوَى ، تيمينة زهرَة ..



ذلك اليوم الذي احتفى الجميع فيهِ بزهرة ، كنتُ منكّسة الرأس وأنا خجلَى من ذلك .. غير أنّ زهرَة بطيبة خاطرٍ حملت قطعة لحمٍ كبيرةٍ من أمامها ووضعتها أمامي وابتسمتْ .. بينما تعالى صراخُ الطلاب والطالبات .. كانتْ زهرة تحبّني كثيراً .. رغم أنني لم أظهرْ يوما مشاعرَ القُرب لها .. لعلها كانت الغيرَة .. ولعلّي كنتُ لا أحبها لأنني لن أستطيع عمل تيمينة كتيمينتها .. وتوزيع كل تلك الحلويّات على الجميع .. ولأنها كانت ترتدي ملابس أجمل مني .. ولأنها كانت تلمع بالذهبِ الذي يكسُو يديها بينما تخلو يدي سوى من ساعة سوداء بقيمة ريال .. نعم ! لعلي كنت أفكر بذلك القدرِ من السذاجة .. وهو أمرٌ مشروعٌ لطفلةٍ في عمر الثامنة



لأسبوعٍ ظللتُ أبكي كلّ يومٍ متوسّلة والدي ووالدتي بأن يقيمُوا لي تيمينةً بعدَ أن اشتدت وطأة تلميحات زملاء مدرسَة القرآن .. وفي اليوم السابع ، أقيمَت التيمينة بعد أن رضخ والدي بإلحاحٍ من أمي .. وزّع المينو دجاج ! والبُوب المثلّج ! وحلويّات أخرى ..



وخرجت عائشة والمعلّمة عقّة والطلاب والطالبات في الأزقة والشوارع ليقرؤوا تيمينتي بختم القرآن .. هل كانتْ تيمينتي بمستوَى تيمينة زهرة؟



لا طبعاً ! إلا أن تلك التيمينة الصغيرَة أسعدتني .. وأسعدتني وجوه الأطفال وهم يقضمون حبات مينُو الدجاج ويحشرونه بين أسنانهم .. نعم ! لقد أشعرني ذلك بالراحة الكبيرة .. فقد ابتاعهُ والدي من أجلي ..



لم يقمْ والدي أي تيمينة لأشقائي .. لا قبلي ولا بعدي .. وظلّ دائماً يقول: "عجب استوت عندنا يوم صلينا السنة وتركنا الفرض" .. في إشارةٍ منه إلى أنه لم يقم لأشقائي الذكور –في الوقتِ الذي كانت العائلات العُمانية تحتفي بختامهمُ القرآن أكثر من إناثها- بينما أقام لأختهم الأنثى الأصغر تيمينةً . .



أخيراً اكتشفتُ أن البكاءَ قد يكونُ مجدٍ في بعض الأحيان ..





اسميْ عائشة .. وكانَ من المفترض أن أكونَ سارَة ! غير أنني بعدَ اثنين وعشرينَ عاماً اكتشفتُ أنه لو لم يكنْ اسميْ عائشة ! لما كنتُ اكتب بينكم اليَوم!



لعلّي آمنتُ اليَوم أن أسماءَنا .. أقدَارُنا .. ولعلّ قدري كانَ ليختلفَ تماماً لو كانَ اسمي سارَة ! من يدري؟!!

تعليقات

  1. أهلا
    سارة ، اقصد عائشة ، أو كما شئت

    سنظل دوما مخلصين لحروفك وكلماتك وبوحك أيا كان أسمك ، لأننا نؤمن أنك سوف تواصلين الكتابه لنا

    شكرا لسخريتك ، وسخرية أحتمالات أسماءك

    دمت

    ردحذف
  2. عائشــة ،، صديقني ان كنتِ عائشة او سارة وربما خديجة لقرأنا ماتكتبيه ،، وان اختلفت الاسماء .. ففي النهاية انتِ الانسانة نفسها

    متابعــة لـ حكايتك،، اسلوبك رهيب

    ردحذف
  3. ما شاء الستمتعت كثيرا بمقالك اختي الكريمة

    التفاصيل الدقيقة خاصة لمعلمة القراءن كنت اعيشها مع القراءة اتذكر المعلم "عيد" وعصاه الطويله
    وسيكلها البالون 28
    ههههه

    شكرا جزيلا لك
    you made my day

    ردحذف
  4. ربما تكون أسمائنا هي أقدارنا إذا نظرنا للاسم أكان جميلا أم غير جميل ... و سوف يتحتم علينا العيش مع أسمائنا أرضينا أم لم نرض ..

    ابنة عمي غيرت اسمها من سميحة إلى حاكمة و لم ألاحظ فرق كونها سميحة ثم كونها حاكمة ..

    فيا عائشة ... الاسماء لا تعبر عن دواخل النفوس و إنما تقترن الاسماء بطباع أصحابها فعندما نسمع اسم عائشة السيفي ينطبع في أذهاننا صورتك الادبية و الثقافية و الشاعرة ...

    تحياتي الأخوية لكِ.......

    ردحذف
  5. جميلة ذكريات الطفولة

    سؤال: هل أنت راضية عن نفسك ... فقط مجرد سؤال :)

    ردحذف
  6. جميل جدا اختي عائشة ذاك الابداع وتلك الحروف وتفاصل حكاية

    المعلمة عقة اتذكرها فقد كنت ايضا من تلاميذها

    والاسم ولو تغير يبقى نفس الشخص اعرف اناس غيروا اسماءهم لاسباب ولكن بقي الاسم الاولي هو السائد بين اهله وناسه

    تسلمي واصلي اختي العزيزة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق