التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عن الفقر .. بطريقَة عُمانيّة جداً (2)

اقرَأ أولاً:

عن الفقر .. بطريقَة عُمانيّة جداً (1)


هلْ تذكرُون يا أصدقائي حكاياتيْ ذات يومٍ عن العم أبي أحمد .. ذلك الرجل الطيّب الذي اعتاد أن يصرف الصدقات على الناس في رمضَان ويكثر منهَا .. يصرفُ لهم الأرز والحليب والسكر والطحِين واحتياجاتٍ كثيرةً تسدّ رمق عائلاتٍ معدمَةٍ لدينا .. نأكلُ ولا يأكلُون .. ننامُ على هواء المكيّف البارد ولا يفعلُون كما نفعل ..

لا نعرفهَا .. لأننا نهتمُ بما أمامنا من الطعام وننسَى الآخرين ..

كعادتهِ بدأ العم أبو أحمَد إخرَاج صدقاتهِ قبل رمضَان .. فاتفق مع عددٍ من محلاّت المواد الغذائيّة في نزوَى على صرف كوبوناتٍ للناس المستحقة للمسَاعدَة .. وهوَ يمنحُ الكوبونات لتلك العائلات .. يبدأ الشهر بأبي أحمد .. ولا يصلُ لمنتصفهِ حتّى يكون العم أبو أحمد قد تخطّى ميزانيتهِ لصرف الصدقَة .. ما يضطرهُ للاقتراض من أولادهِ ليسدّد قيمَة الكوبونات التيْ يتخطّى عددها دائماً ما يخطط لهُ ..

لا يتوّقف جرسُ بيتهِ عن الرنين طوال رمضَان ..تأتيهِ العائلات من نزوَى وما حولها .. من الداخليّة وما حولها ومن مناطق أخرى ..

نساءٌ بأطفالهنّ .. ورجالٌ مسنين لا يكادُون يحتملُون المشي .. وأطفالٌ صغارٌ لم يتخطّوا الابتدائيّة ..

رأيتهُ يومَ الخميس وقدْ أمسكَ رجلٌ بلحيتهِ يتوسّله المساعدة وهوَ يقول: والله لا أجد رمقاً أطعمُ بهِ أطفالي .. فسألهُ أبو أحمد: أنت تاجر خضارٍ في السوق .. ألا تملكُ ما تطعم بهِ أطفالك .. فصرخ الرجل: دعها مستُورة يا أبا أحمد .. والله ثم والله إني لا أملك حيلَة يوميْ لإطعامهم من غلاءِ هذه الحيَاة ..

يأتُون إليهِ في المسجد ويلاحقُونه في السُوق .. لا يردّهم صبحٌ ولا وليل ..

يظنّ أحدنا يا أصدقائي .. أن عُمان بخير .. وأن الفقر لدينَا هو فقر ألا يملك أحدنا سيّارة مثلاً .. أو لا يملك بيتاً أو لا يملكُ رصيداً في البنك .. لكنّ أحداً منا لا يعرفُ أن هنالك فقراً لدينا يعني أن صاحبهُ لا يملك ما يطعمهُ لأطفالهِ .. ما يسدد بهِ ماءً نظيفاً ليشربُوا منه .. لا يملكُ ما يدفعهُ لإلباس أطفالهِ في وقتٍ يتزامنُ فيه العيد مع المدارس ..

ناس لا تزالُ تعيش على 60ريَال مساعدَة من وزارَة التنميَة .. ووزارَة التنمية تصرف الستين ريال للعائلات الفقيرة ذات الأعداد الكبيرَة منذ خمسين عاماً .. وكأنّ دخل الفرد لم يرتفع .. وكأنّ سعر السوق لم يرتفع .. وكأنّ السلعَة في عام 1990م نفس سعرهَا في عام 2010 ..

أبو أحمَد كانَ دائماً يقولُ لأولادهِ: اليَوم من راتبهُ 600ريَال!! فقير ! ..

ووزارَة التنميَة الاجتماعيّة لا تزال تصرفُ 60ريَال للعائلة المحتاجة؟!

فكمْ من الفقراء لدينَا في عُمان؟! وكمْ منَ المعدَمين لدينَا ؟! وكمْ عائلة ً يستطيعُ أبو أحمَد أن يغطيها والفقرُ يمشيْ في الطرقَات ويختبئُ تحتَ كلّ حجر؟



اقرأ أيضاً ..

عن الفقر .. بطريقَة عُمانيّة جداً (3)

تعليقات

  1. بارك الله في أبو أحمد وأكثر من أمثاله لأننا نفتقر وبشدة لمثل هؤلاء الرجال {والذين في أموالهم حق معلوم (24) للسائل والمحروم} [المعارج: 24 - 25]

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هلْ أنفقَ "قابُوس بن سعِيد" 64 مليُون دولار على منظمَاتٍ بريطانيّة؟

"قابُوس بن سعِيد يكرّم هيئة حقوق الانسان البريطاني 21 مليون دولار ومساعدَة للمنظمة المالية البريطانية 43 مليون دولار" هكذا وصلتنيْ رسالة تناقلهَا الناسُ مؤخراً عبر أجهزة البلاك بيري وبرنامج الوتسأب ومواقع التواصل الاجتماعي .. تناقلَ الناسُ الخبر "المُصَاغ بركاكة لغويّة" بحالة من الغليان حول تبرع السلطان قابوس لمنظمات بريطانية بـ64 مليون دولار. وصلتنيْ الرسالة من أشخاصٍ مختلفين ولم يستطع أيٌ منهم أن يجيبني على سؤالي حولَ مصدر الخبر .. كان جميعهم يتناقل الخبر دون أن يكلّف نفسه بالعودة إلى المصدر .. بحثتُ عبر الانترنت عن أيّ موقع أو تقرير يتحدث عن الهبةِ السلطانيّة "السخيّة" ولم أستطع الوصول إلى أيّ موقع إخباري أو رسميّ يتحدث عن التبرع. وحينَ حاولتُ البحث عن المؤسستين البريطانيتين المذكورتين أعلاهُ لم أجد لهما ذكراً على أخبار الانترنت إطلاقاً سوى مواضيع طرحها أعضاء منتديات وضعوا الخبر هذا في منتدياتهم وأشاروا إلى المؤسستين بهذا الاسم. حينهَا قرّرتُ أن أصلَ بنفسي إلى مصادر تؤكدُ لي –على الأقل- صحّة المعلومة من عدمها. حاولتُ البحثَ باللغتين عن مواقع ل...

السيّد نائب رَئيسِ مجلسِ الوزراء ... الخُبز أم الكَعك؟

السيّد نائبُ رئيس الوزراء ... الخُبز أم الكعك؟ نسخَة من الرّسالة إلى وزيرَي التجارَة والصنّاعة والمَكتبِ السّلطاني. صاحب السموّ السيّد فهد بن محمُود نائبَ رئيسِ الوزراء.. تحيّة طيبة وبعد: دعني قبلَ أن أبدَأ رسالتيْ أن أحكي لكَ قصّة ماري انطوانيت .. آخر ملوك فرنسَا .. ففيمَا كانت الثورَة الفرنسية تشتعلُ والجماهيرُ الفرنسيّة الغاضبَة تحيط بقصر فرسَاي لتخترقه كانَت الجماهيرُ تصرخُ: نريدُ الخبز ، نريدُ الخبز! شاهدَت ماري انطوَانيت الجماهير يصرخُون من شرفَة قصرهَا وسألتْ كبيرَ خدمها: لماذا يريدُ الناسُ خبزاً؟ فأجابها: لأنهم لا يستطيعُون شراءه أيها الملكة! فردّت عليه بقمّة اللامبالاة والجهل: "إذا لم يجدوا خبزاً لماذا لا يشترونَ الكعك"! .. لقد كانتْ ماري انطوانيت تجهَلُ أنّ الكَعك أغلى من الخُبز فإن كانُوا عدمُوا الخبز فقد عدمُوا الكعكَ قبلهُ.. ظلّت هذه القصّة لأكثر من ثلاث قرونٍ من الزّمان حتّى اليوم مدارَ ضرب الأمثال في انفصَال المسؤُول عن واقعِ النّاس ومعيشتهم.. لأنّها كانت تتكررُ في أزمنة وأمكنة مختلفة. أتساءَل فقط سيّدي الكريم إن كنتَ تعرفُ كيفَ يعيشُ المواط...

الدرس المستخلَص .. احترَام عقُول النّاس

. إلَى صنّاعِ القرار .. هذهِ كلمَة .. خذُوها إن شِئتم أو دعُوها .. في صَلاة العيد اليَوم حضرَ من حضرَ بنيّة صلاة العيد أو صلاة الضّحى ومنهم من غابَ وفي نيتهِ أن يصليهَا في بيته غداً اخوَة اجتمعُوا على "عجل" واحد وتفرقوا على يومِ ذبحه فذاكَ يريد الثلاثاء وذاكَ يريدُ الأربعاء .. أناسٌ أحجمُوا عن التبرع لجمعيّات خيريّة بقيمة الأضاحي خوفاً من ألا يقبلَ الله تضحيتهم بذبحِ تلك الجمعيّات الأضاحي للفقراء بالثلاثاء .. النتيجة أنّ بسطاء القوم وفقراءهم دفعُوا ثمَن هذهِ البلبلة من قوتِ يومهم .. أناسٌ صامَت يوم عرفَة بالاثنين وآخرون أصبحُوا صياماً اليوم الثلاثَاء فيما الناس يبدؤون صباحهم بالعرسيّة والهريس .. وجاء صفٌ ثالثٌ أقل حذراً فلا صامَ الأمس ولا اليومَ  بحجّة أنّ اليومين مشكوكٌ فيهما... خطباء الجمعَة انقسموا صفين فهناك من يدعُو إلى أن يعيّد الناس بالثلاثاء "طاعةً لولي الأمر" وباعتبار أنه من سيحمل وزر النّاس وآخرون دعوا لصيام الثلاثاء و"التعييد" بالأربعاء.. شيوخٌ التزموا الصّمت درءاً للفتنة ومزيدٍ من البلبلة وآخرون كانُوا أكثر ...