التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نحنَ والقمَر جيرَان !/ردُهـات


عائشَة السيفيّ
ufuq4ever@yahoo.com


فيْ عام 1969 ميلادِيّ وتحديداً في الحاديْ والعشرين من يوليُو .. وطئ نيل آرمسترونج .. رائد الفضاءِ الشاب سطح القمَر .. كاسراً كلّ الحكاياتِ القديمَة باستحَالة الوصولِ إلى إلى القمر ومحققاً أحلام ملايين الشعراء والقصاصِ على مرّ التاريخ بالتحليق إلى القمر .. تلك الأيقونة الرومانسيّة التي لم ترد في أيّ نصٍ أدبي إلا كانتْ مشاعاً للحب والرومانسيّة والسلام..
وطئ نيل آرمسترونج القمر وعيُون 500مليُون شخص تتابعهُ .. وفي اللحظةِ التيْ غرسَ فيها آرمسترونج العلم الأميركيّ في تربَة القمر .. استعدّ ملايين الصحفيين حولَ العالمِ ليكتبُوا بالبنط العريض في مقدمَة صحفهم : هل أصبح القمَر مُلكاً "أميركياً" ؟!
وسارعَ الرئيس الأميركيّ آنذاك كينيدي إلى نفيِ ذلك مؤكدا أنّ "حركَة العلَم تلك" كانتْ فقط احتفائيّة بنجاح أوّل دولة في بلوغ القمَر .. وكان كلامهُ في باطنهِ تبريراً لكون هذا النجاح "نغزَة في عين الحسُود" .. الاتحَاد السوفييتي الذي كانَ له السبق في إرسال جاجارين ليكُون أول انسانٍ يزُور الفضاء الخارجيّ ..
وقبلَ آرمسترُونج حاولَ السوفييت والأميركان إرسال كائناتٍ حيّة في مركباتٍ فضائيّة إلى القمَر فأرسلُوا في أولَى محاولاتِهِم ذبابَة الفاكهَة ثمّ الكلاب ثمّ الشمبانزِيْ قبلَ أن ينجحَ الأميركَان في أن ينالُوا سبقَ إرسال الانسَان إلى سطحِ القمَر ..
كانَ الاتحادُ السوفييتي آنذاك المنافس اللدود في صناعَة الفضاء للأميركيين .. وقد عرضَ الأميركيونَ وقتها مراراً فكرَة العمل المشتركِ بينَهم ونظرائهم السوفييت الذينَ رفضُوا مبررينَ في ذلكَ خوفَهُم منْ فكرَة سرقةِ التكنولوجيا الفضائيّة الخاصّة بهم من قبل الأميركَان ..
ولمْ تمضِ سنواتٌ منذ أن وطأتْ قدم آرمسترونج القمَر إلا ظهرتْ المقالاتُ والدراساتُ محاولة ً إقناعَ العامّة أن الهبُوط على القمَر لم يكنْ إلا مسرحية ً باهظَة الثمن .. وأن أحداثها لم تجرِ كما ظهرَ أمام العيان على سطح القمر وإنما في إحدَى صحاري كولورادُو بتوقيعٍ هوليوودي محتَرف .. وأياً كانتْ صحَة ذلك من عدمهِ .. فإنّ صناعة الفضاء ظلتْ تتطوّر أكثر وأكثر ..
وظلّ الناسُ يغنُونَ بكلّ الحميميّة لفيرُوز أغنيتها:
"نحن والقمر جيرَان..
بيتُو خلفِ تلالنَا .. بيطلَعِ من قبَالنا
يسمَعِ الألحَان ..
نحنَ والقمَر جيرانْ ..عارفِ مواعيدنَا / وتاركِ بقرمِيدنا .. أجمَل الألوَان .."
ظلّ الناسُ يغنُون عن القمَر بكلّ هذه الحميميّة ولعلّ كثيراً منهُم لم يفكّر إن كانَ الحديث عن القمر سيصبحُ يوماً ما كحديثنَا عن رحلتنا إلى البلدِ الفلانيّ والمكانِ الفلانيّ .. عن قضائنا شهرَ العسل في الجزيرة الفلانيّة ..
أو حينَ نتحدّث عن قضائنَا إجازَة العيد في القمَر تماماً كقضائنا إيّاها في "البلاد" خارجَ العاصمَة .. وكأنها رحلَة عاديّة لا تستغرقُ منا سوَى يومينِ ذهاباً وإياباً ..
وبمجرّد ازديَاد تسيير الرحلاتِ إلى الفضاءِ الخارجيّ .. بدأت فكرَة تسيير رحلاتِ إلى القمرِ كمشروعٍ تجاريّ لدرّ الملايين في جيُوب أصحابِ هذهِ المشاريع وإن كانَ بالإمكانِ تحوِيلُ القمرِ إلى وجهةٍ سياحيةٍ مغريَةٍ لآلافِ الناسِ من سكّان الأرض وتحويله إلى مشروع متوسط التكلفَة بدلَ كونهِ حكراً على "كبَار الهوامير" ..
إلى اليومِ ظلّ القمرُ بما خططَ لهُ من رحلاتٍ وما صنعَ لهُ من معدّات وآلات منذ حدثَ عام 1969م .. ظلّ مشروعاً حكُومياً تديرهُ الحكُوماتُ رسمياً لعلّ أبرزهُ مشرُوع الكوكبَة الذي كان محاولَة فاشلَة من جورج بُوش الابن لتسيير رحلَة جديدَة إلى القمر يغرسُ فيها العلمُ الأميركيّ أمام الملايين ويعادُ التأكيد على أنّ رحلَة القمرِ كانَ حقيقَة ً واقعَة..
كثيرٌ من الرحلات غادرتِ الأرض .. روسيّة ً وأميركيّة وحتّى أوروبيّة وآسيويّة .. إلا أنّ جميعها كانَ حكُومياً إن لم يكُن 100% .. فبتمويل حكوميٍ يزيدُ عن 50% .. وإن حدثَ ودخلَ القطاعُ الخاصُ بهِ ودفعَ المليُونيرَات الأثرياء فيهِ مبالغَ طائلَة ليصافحُوا الفضاء الخارجيّ كما فعلَ الأمير سلطان بن سلمَان آل سعُود فإنّ فاتُورة زيارات القمَر المكلفَة ظلتْ تدفع بتوقيع حكُوميّ ولو جزئيٍ..
غيرَ أن بادرَة تحوّل في هذهِ السياساتِ برزَت في خطَاب الرئيس الأميركيّ باراك أوباما هذا العَام وتحديداً في شهر إبريل أثناءَ زيارتهِ لمركَز ناسا وتبريرهِ أنّ تحويل رحلاتِ الفضاء الخارجيّ وتحديداً إلى القمر والمريخ إلى مشرُوع تجاري هوَ غرضهُ خلق مزيدٍ من فرص العمل وتسديد الكثير من التكاليف التيْ تستهلكهَا الرحلات خارجياً ..
وكبَادرة حسنِ نيّةٍ قدّم الرئيس الأميركيّ مبلغ 50مليُون دولار كإكراميّة لناسا غرضهَا تحويل هذا المبلغ للشركَات التي تعاقدَت معها ناسا لتطوير أبحاث حول استحدَاث رحلات سياحيّة وتجاريّة للعامّة إلى القمر والفضاءِ الخارجيّ وتحويل هذا القطاع إلى قطاعٍ تنافسيّ كفيلٍ بإثارة المنافسَة بين الشركَات الخاصّة لتطوير معدّاتها وأجهزتها الفضائيّة خاصّة بعد أن بدأت ناسا منذ ثلاثَة أعوام تقريباً فيْ التعاقدِ مع شركَات خاصّة في بناء معدّات مركبَاتها الفضائيّة ..
وبرر أوباما مشروعهُ ذلك بقولهِ أنّه رغبَة منه في تركيز جهُود ناسا في الأبحاث التيْ تتخطّى حدود المجمُوعة الشمسيّة بالنظر إلى أنّ أبحاث ناسا المموّلة حكومياً قدّمت بحثاً وتغطيَة شاملَة للمجموعة الشمسيّة وأن ما تمّ إرساله من مركباتٍ فضائيّة على مدَى السنوَات الأخيرَة كان كافياً لإعطاء نظرَة شموليّة جيّدة عن الكثير من الاستكشافات الفضائيّة للمجموعة الشمسيّة ..
هل سيشهدُ العالمُ بعد أعوَام نجاح مشرُوع الرحلاتِ الفضائيّة التجاريّة هذه؟ وهل سيكُون بالإمكان بعد عشرين عاماً أن أقضي برفقَة زوجي وأطفالي إجازة عيد الفطر فيْ القمر؟!
وكيفَ ستتم إدارة هذه الرحلات بالنظر إلى أنّ الفضاء هوَ ملكٌ مشاعٌ للجميع وليسَ ملكيّة أميركيّة أو روسيّة أو أياً يكن؟
الكثير من الأسئلة تنتظرُ الإجابَة .. ونحنُ ما علينا سوَى أن ننظرَ للقمرِ كلّ يومٍ ونتساءل إن كانَ بإمكاننا زيارتهُ .. ثمّ نغنيْ : نحنَ والقمَر جيرَان !

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هلْ أنفقَ "قابُوس بن سعِيد" 64 مليُون دولار على منظمَاتٍ بريطانيّة؟

"قابُوس بن سعِيد يكرّم هيئة حقوق الانسان البريطاني 21 مليون دولار ومساعدَة للمنظمة المالية البريطانية 43 مليون دولار" هكذا وصلتنيْ رسالة تناقلهَا الناسُ مؤخراً عبر أجهزة البلاك بيري وبرنامج الوتسأب ومواقع التواصل الاجتماعي .. تناقلَ الناسُ الخبر "المُصَاغ بركاكة لغويّة" بحالة من الغليان حول تبرع السلطان قابوس لمنظمات بريطانية بـ64 مليون دولار. وصلتنيْ الرسالة من أشخاصٍ مختلفين ولم يستطع أيٌ منهم أن يجيبني على سؤالي حولَ مصدر الخبر .. كان جميعهم يتناقل الخبر دون أن يكلّف نفسه بالعودة إلى المصدر .. بحثتُ عبر الانترنت عن أيّ موقع أو تقرير يتحدث عن الهبةِ السلطانيّة "السخيّة" ولم أستطع الوصول إلى أيّ موقع إخباري أو رسميّ يتحدث عن التبرع. وحينَ حاولتُ البحث عن المؤسستين البريطانيتين المذكورتين أعلاهُ لم أجد لهما ذكراً على أخبار الانترنت إطلاقاً سوى مواضيع طرحها أعضاء منتديات وضعوا الخبر هذا في منتدياتهم وأشاروا إلى المؤسستين بهذا الاسم. حينهَا قرّرتُ أن أصلَ بنفسي إلى مصادر تؤكدُ لي –على الأقل- صحّة المعلومة من عدمها. حاولتُ البحثَ باللغتين عن مواقع ل...

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من و...

السيّد نائب رَئيسِ مجلسِ الوزراء ... الخُبز أم الكَعك؟

السيّد نائبُ رئيس الوزراء ... الخُبز أم الكعك؟ نسخَة من الرّسالة إلى وزيرَي التجارَة والصنّاعة والمَكتبِ السّلطاني. صاحب السموّ السيّد فهد بن محمُود نائبَ رئيسِ الوزراء.. تحيّة طيبة وبعد: دعني قبلَ أن أبدَأ رسالتيْ أن أحكي لكَ قصّة ماري انطوانيت .. آخر ملوك فرنسَا .. ففيمَا كانت الثورَة الفرنسية تشتعلُ والجماهيرُ الفرنسيّة الغاضبَة تحيط بقصر فرسَاي لتخترقه كانَت الجماهيرُ تصرخُ: نريدُ الخبز ، نريدُ الخبز! شاهدَت ماري انطوَانيت الجماهير يصرخُون من شرفَة قصرهَا وسألتْ كبيرَ خدمها: لماذا يريدُ الناسُ خبزاً؟ فأجابها: لأنهم لا يستطيعُون شراءه أيها الملكة! فردّت عليه بقمّة اللامبالاة والجهل: "إذا لم يجدوا خبزاً لماذا لا يشترونَ الكعك"! .. لقد كانتْ ماري انطوانيت تجهَلُ أنّ الكَعك أغلى من الخُبز فإن كانُوا عدمُوا الخبز فقد عدمُوا الكعكَ قبلهُ.. ظلّت هذه القصّة لأكثر من ثلاث قرونٍ من الزّمان حتّى اليوم مدارَ ضرب الأمثال في انفصَال المسؤُول عن واقعِ النّاس ومعيشتهم.. لأنّها كانت تتكررُ في أزمنة وأمكنة مختلفة. أتساءَل فقط سيّدي الكريم إن كنتَ تعرفُ كيفَ يعيشُ المواط...