التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل نحنُ شعبُ اللهِ المختار؟

لا شيءَ يقلقنيْ في عُمرِ هذهِ المرحلَةِ الحقيقيّة من حياةِ الانسانِ العُمانيّ والشعبِ العُمانيّ كما تقلقنيْ الخطاباتُ التيْ تمجّدُ للشعبِ .. تظهرهُ على أنّه "الكمال" .. وتنفي عنهُ أيّ صفَة عيب.. تقلقنيْ الخطاباتُ التيْ تهاجم الكاتب لأنّه انتقد سلوكيّات مجتمعه .. عاب عقليّة ً محليّة .. فإذا كانَ الكاتبُ عاجزاً عن "كشف عورَة المجتمع" وتهذيبه .. عن الأخذ بيدهِ وإيضاح سلبيّاته .. إذا كانَ الكاتبُ لتمجيد المجتمع وتضخيمهِ ووضع مساحيقِ التجميل على عيوبهِ ، ففيمَ تكمنُ قيمَة الكتابَة للمجتمع وعنِ المجتمع؟

في عُمان انتشرت مؤخراً خطاباتٌ تمجّد المجتمع والشعب ، تهاجمُ أيّ مادةٍ تنتقد تصرّفات خاطئة للشعب وكأنّ مليوني عُماني نزلوا جميعاً من الجنّة .. وكأنّ العُمانيّ لم يسرقِ العُمانيّ .. وكأنّ العُماني لم يظلم العُمانيّ ، وكأنّ العُمانيّ لم يحقّر العُمانيّ ، وكأنّ العُماني لم يفترِ على العُمانيّ .. وكأنّ كلّ من فعل ذلك هُم "كائناتٌ فضائيّة قدمت من المرّيخ"..

تقلقني بشدّة هذه النبرة التي بدأت تنتشر في الخطابات .. ويقلقنيْ ندرَة وجود الكاتب الحقيقيّ الذي يتحدّث باعتدال .. عن حسنَات هذا الشعب ومساوئه .. عن ثغراتهِ وعثراته .. عن الانسان العُمانيّ غير المنزّه ، والمجتمع العُمانيّ غير الكامل .. ويقلقنيْ أكثر أنّ الشعب بدأ يرسّخ هذه الخطابات فيرفض أيّ مادةٍ تنتقده .. وهذا ما حدثَ لي شخصياً في مقالاتٍ كثيرَة ليسَ أبعدها مقالي عن الإعصار الذي انتقدتُ فيهِ حبّنا للشائعات .. فجاء بعضهم ليشكك في وطنيتي ويتهمني باستهانتي بما مرّ بالشعبِ العمانيّ في جونو وفيت .. فإنْ كانتِ الحكومة تتحمّل جزءا من تبعات ما حدث فهل فيجبُ أن نتخلى أيضاً عن مسؤوليتنا كشعب في نشرِ الوعي بينَ أبنائه؟

أخافُ أن يركبنا الغرُور ونحنُ نصمّ آذاننا عن أيّ شيءٍ سوَى القول القائل بأنّ "العمانيين شعب راكز" .. "عاقل" .. "متعاون معَ الغريب" .. "مسالم" .. ونغرقَ في هالةِ ما سبق وننصرف عن تقبّل عيُوبنا ومحاولة إصلاحها ..

الأوصافُ السابقة نسمعها كثيراً خاصّة ً من غير العُمانيين وما علينا أن نفعلهُ هوَ أن نرسّخ ما سبق ونتمسك بتلكَ الهُويَّة ونسعى إلى ردمِ العيُوب الأخرى ..

حين خرجَ العمانيّون للتظاهر في فبراير 2011 لم يخرجُوا ليتظاهرُوا ضدّ كائناتٍ هلاميّة .. بل خرجوا للتظاهُر مطالبين برحيل "عُمانيين" .. "عاقلين ومتعلّمين وهادئين وطويلي بال" وبهم من الصّفات الجيّدة ما بأيّ عُمانيّ آخر .. لكنّ ذلك لم يمنعهم من استغلال هذَا الشّعب .. وتسخير هذا الشّعب لخدمَة مصالحهم .. والاستيلاء على ثروَات هذا الشّعب ، وتحويل الوطن إلى مزرعَة لشلّتهم وجماعتهم..

هؤلاء كانُوا عمانيين جداً .. وحينَ جاء العُمانيّ بعدهم ليمسك بيدِ السلطة فالعُمانيّ أيضاً كانَ من مدّ يدهُ على أخيهِ المعلّم بـ"العصا" ..

العُمانيّ نفسه .. الذيْ يعبّئ مخازنهُ وسفنهُ بخيراتِ بحرِ شعبهِ ويبعثها إلى الخارج فيمَا العُمانيّ الآخر يشتري كيلُو "الجيذر" بـ3ريال ونصف في سُوق السمك ..

والذيْ ذهبَ إلى الفقراء وجلسَ معهم على بسطَة بيوتهم ودفع فواتير كهربائهم ومدّ يده بالعشرين والثلاثين والخمسين ريالاً ثمّ لم يروه بعدَ ذلك أبداً بعدَ أصبح بينَ ليلةٍ وضحاها "سعادَة عضو مجلس الشورى" لم يكنْ "قادماً من قصص أليس في بلاد العجائب" بلْ كانَ انساناً عُمانياً أصيلاً !

والذيْ "ضبّط موضوع" زوجته في الهيئة الفلانيّة فتوظّفت "على خشم" ثلاثين متنافس معها انتهَت أوراق طلباتهم للوظيفة إلى أقرب سلّة مهملات كانَ عُمانياً أيضاً .. وبامتياز!

العُمانيّ نفسهُ الذي نصادفهُ وهوَ يتخطى إشارة المرور الحمرَاء ويقلقُ من الرادار أكثر من قلقهِ من مخالفةِ قوانين وطنهِ ، والعمانيّ قائد التاكسي الذي يتصرّف وكأنّ شوارع عُمان مسجّلة باسمِ والدهِ .. والعُمانيّة التيْ تركن سيّارتها في "مواقف المعاقين" ..

العُماني الكسُول غير المنتج .. الذي يصل دوامهُ في التاسعة ويغادرُ في الواحدَة ويخرجُ خلال ساعَة العمل ليشتري "راشن من اللولو" .. ويقرأ الجريدة من الصفحة الأولى والأخيرة .. هذهِ النوعيات التيْ صادفتُ منها شخصياً الكثير .. ولربّما يكونُ من قرائي منهم الكثير ويحزنني أن أقولَ أنهم عُمانيّون أصيلون .. وموظفون غير منتجين .. ويحزنني أكثر حينَ استمعتُ البارحَة إلى صديقتيْ الطبيبة النفسيّة التيْ أعربتْ عن قلقها على الشعبِ العُمانيّ الذي بدأ يتحوّل إلى مجتمع متطلّب أكثر منهُ كشعب منتج متحدثّة لي عن حالاتٍ كثيرة تمرّ عليها .. عن الذي يدّعي خللاً نفسياً في شخصيتهِ ليحصلَ على تقاعدٍ مبكّر.. عن الذينَ لا يتوقفونَ عن زيارتها ليتحصّلوا على عذرٍ يبرر غيابهم عن العمل .. عن الطلاب الذينَ يبتكرُون كلّ يومٍ سبباً ليتغيبُوا عن امتحاناتهم الجامعيّة .. عن "مغتصبي الأطفال" الذينَ يتحوّلون إلى كائنات "معقّدة" نفسياً فرّغت كبتها في اغتصَاب طفل ..

هؤلاء جميعاً عُمانيُون .. ولدُوا بعمان .. ويتحدثونَ بلهجة عُمان .. ولا يختلفُون في "هدوئهم" و"طيبتهم مع الغريب" .. عن أيّ عُمانيٍ آخر لكنّهم ليسُوا كائنات مباركَة ومنزّهة عن الخطأ ..

نحنُ شعبٌ خطّاء كباقي الشعُوب .. بنا ما بنا من الحَسن وبنا ما بنا من السوء .. منّا النزيهُ والفاسد .. منّا الصالحُ والمجرم ، منّا المتسلّق والمتعفف .. ولكنّ علينا أن نصغي لصوتِ الآخر .. علينا أن نتقبّل خطابَ النقد .. وأن نعيْ لمشاكلنا وأن نعترفَ بها فأولى حلولِ العلاج هوَ الاعتراف بالمرضِ بعدَ تشخيصه .. لا تمجّدوا العُمانيّ ولكنْ كونوا صادقين معه .. ولا تقدّسوه ولكنْ كونوا واقعيين معه .. وأحبّوه لكنْ انتقدوه .. واحترمُوه لكنْ اكشفُوا أخطاءه .. فإذا لم يكتب العُمانيّ عن العُمانيّ فمن ذا الذي سيكتبُ عنه ..

نحنُ لسنا شعبَ اللهِ المختار .. فلا مكانَ للكاملين على الأرض .. آخرُ الكاملين كانَ محمّد ، ومحمّد ماتَ قبلَ أربعَة عشرَة قرناً من الآن!

تعليقات

  1. فعلا يجب ان نكون شعب منتج وليس شعل متطلب

    واعذر الشعب المتطلب فمنذ بداء 1970 والشعب تعود على ان توفر له الحكومة فرصة عمل وارض وقرض وراتب اضافي وعلاوات و و و

    لذلك لم يعتمد على نفسه لانه لم يعلم ذلك

    ردحذف
  2. كلام جميل، ولكن سيدنا محمد لم يمت!
    فهو حي في قلوبنا..... 

    ردحذف
  3. أبو المهلب ::: كلامك غريب عندما تقول بإن الشعب تعود على عمل وقطعة أرض و و و و و . أين هي الأعمال وأين هي الأراضي ؟؟

    ردحذف
  4. هذا ثقافة اصبحت هي سائدة ...لاسف شديد .
    اصبحنا نظن ان من يهرب من العمل هو فهم وشجاع ومن يلتزم بقانون شخص مكره وغير مرغوب بة.
    على فكرة نحن نظن ان (الطيب شعب واحسن شعب.....)
    لذلك لا استبعد تن نكون (شعبَ اللهِ المختار )

    ردحذف
  5. هذا الي مفروض يفهمة الشعب...

    ردحذف
  6. مقال منطقي يتحدث عن جانب من النقص البشري العماني ، فأين البدلاء النزهاء ؟

    ردحذف
  7. السلام عليكم
    صدقت اختي العزيزة الشعب العماني ليس كاملا ابدا

    فقط لفت نظر عندما يتم الكلام عن الحبيب المصطفى يجب اظهار الاحترام و التقدير و القول محمد عليه افضل الصلاة والسلام او صلى الله عليه وسلم

    اخيرا كاتبة رائعة ممتميزة دائما وابدا

    ردحذف
  8. You are totally right my sister. And what is more painful that there are moral problems that are considered to be "a sin" under the islamic law. Why there is no authintic statistic numbers of "homesexuality" that our society suffers but no one opens his or her mouth. This simply means that our society has to be reformed again under the law of Islam; otherwise, our generations will suffer from our silence.If we want to solve a problem in a society, we should announce it in puplic so people start to have an action.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

قلْ لي أنت تعمل في الديوَان.. أقل لك كم جنَيت؟!

جارنَا أبو أحمَد .. الذي أخبرتكُم عنهُ ذات مرَّة .. الرّجل الصادق الصدوق الذي نذرَ نفسهُ ومالهُ في خدمَة الناس .. كانَ كلّما أخرج صدقة ً أو زكاة ً للناس .. جاءهُ أناسٌ أثرياء آخرون يطالبُون بنصيبهم من الزّكاة .. وذلك لقولهم أنّ أبا أحمد يوزّع معونات يصرفها الديوان لهؤلاء الفقراء .. يأتون طارقين الباب مطالبين بحقّهم قائلين: نريد نصيبنا من فلوس الديوان .. ورغم أنّ أبا أحمَد لم يتلقَ في حياتهِ فلساً لا من ديوَان السلطان ولا ديوَان هارون الرشيد .. إذ بنى نفسه بنفسه .. فامتهنّ كل المهن البسيطة التي لا تخطر على البال .. بدأ عصامياً وانتهى .. لا أقول ثرياً وإنما ميسور الحال .. أذكرُ أنّ امرأةً أعرفها وهي من قبيلة البوسعيد .. وهي من العوائل التي تستلم نهاية الشّهر راتباً شهرياً بثلاثَة أصفار لا لشيءٍ سوَى أنها تقرب لفلان العلانيّ الذي يشغل منصب مدير دائرة الصحون والملاعق في الديوان الفلاني أو البلاط العلاني وهي أيضاً "تصير ابنة عم ولد زوجة خال الوزير الفلاني" ذهبت تشتكي مرةً من أنّ أبا أحمد لابد أنه يتلقى مبالغ أكثر منها من الديوان فلا هو ابن سفير ولا ابن أخت زوجة الوزير ولا هو من أص