التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ثرواتكَ الوطنيّة .. أمانة! يا صاحِب "التفالَة" العظيمة

لا أكثر سوءاً حينَ تخرجُ صباحاً إلى عملك .. بنفسيّة منفتحة وعقليّة مستعدة للإنتاج .. تقفُ عند إشارات المرور ، تنظرُ إلى النّاسِ بحبّ ، إلى السيّارات بحبّ ، يضربُ لكَ السائق خلفكَ "هرنهُ" بحبّ كي يحثّك على الدخول من الطريقِ الفرعيّ للرئيسيّ .. معَ ذلك تبتسمُ لهُ وأنتَ تعتقدُ أنّ يومكَ سيبدأ بالحبّ وينتهي بالحبّ.. وفيما أنتَ تنتظرُ دوركَ وسطَ طوابير السيّارات أمام إشارة المرور .. يفتحُ سائقُ السيّارة التيْ تقفُ أمامك بابهُ .. يطلّ برأسهِ وَ "ككككككخخخخخ" .. يرتفعُ صوتُ بصقهِ على الأرضِ وهوَ ينظّف حنجرتهُ من ركَام "شيشة الشوكولاتة" التيْ عبّها البارحَة عباً في حنجرته .. وركَام علكَة الكيف التيْ خبّأها البارحة خلسَة تحت لسانه .. يبصقُ على الأرضِ كيْ يمنحَ "حنجرتهُ" متنفساً قصيراً من طبقَات الأوساخ العالقة من الأمس .. وليسَ عليكَ سوَى أن تبصرَ "التفالة" الكبيرَة التيْ استقرت في الأرضِ لتدرك خبيصَة "المصائب" التيْ تعجّ بها.. تحدّق إليها بكلّ قرف وتتبخّر حينها كلّ حالة الحبّ التي بدأتَ بها يومَكَ وتفكّر .. بسينَاريُوهات مختلفَة لمعاقبَة "صاحب التفالة العظيمَة" الذي عكّر عليك يومك ..

عن نفسيْ فإنّ سيناريُوهات مختلفَة تنتابنيْ وأنا أحدّق إلى ذاك المزيج الشفّاف بألوانهِ الخضراء والسوداء والبنيّة وبتركيبته اللزج .. وأفكّر بلسَان "صاحب التفَالة العظيمة" وبغددِه "المتضخمَة" التي تدرّ كميّة التفال الكبيرَة تلك .. أحدّق إليهِ وأنا أتخيّلنيْ أترجّل من السيّارة .. أحييه مبتسمَة .. أمدّ يدي إلى فكّه .. وأفتحه بقوّة .. أمسكُ بلسانهِ وأقطعها بسكين حادّ وأذيبها أمامهُ في سائلٍ من الأسيد .. أعيدُ إطباق فكّه وأنا أحدّق إلى البخَار المتصاعد إلى الهوَاء بفعلِ احتراق لسانهِ في الأسيد ..

يبدُو هذا السيناريُو الأكثر وروداً بخاطري كلّما رأيتُ "صاحب التفَالة العظيمة" يجُود "بتفالتهِ" على أرضنا الأمّ .. ولأننا حتّى اليوم لا نملك قانُون يحظر على أصحاب "المخزونِ التفاليّ العظيم" إيداعَ مخزونهم على الأرض .. فإنّ علينا أن ننتظرَ الاخوَة المشرّعين المشغولين برفع رصيد الاقتصاد في البلد ، بتشريع قوانين الحريّات والنشر ، بحلّ مشاكل البطالة ، بمكافحَة السرقات والجريمة ، المشغولين بتنظيم قوانين القيَادة في الطريق، بحلّ التحديّات التيْ تواجه الشباب العُمانيّ ، برفع مستوَى التعليم العالي في البلاد ، بتنظيم حقوق المستهلك، فإنّ علينا أن ننتظر حلّ كلّ التحديات السابقة التيْ ينشغلُ بها "حالياً" المشرّع العُماني حتّى يتفرّغ لحلّ كافة التحديّات المتعلقة ب "تفريغ احتياطي التّفال في عُمان" ..

هذا الاحتياطيّ الذي لم يعد حكراً على اخوتنا من الشعبّ الهنديّ الشقيق ولكنّ المنافسة العمانيّة دخلت بقوّة إلى السوق ربّما .. أقولُ ربّما لتدعيم دور التواصل الثقافيّ بين الشعوب بالنظر إلى عمق وأصالة الاحتكاكِ المجتمعي بيننا والشّعب الهنديّ والذي أصبحتْ ثقافة "التتفيل" جزءاً من هذا الاحتكاكِ الضاربِ في عُمق التاريخ .. ولا أقرب مثالاً من مومبَاي العُمانيّة "مطرح" التي تعجّ أرضها بعظمة تلك الثروة حتّى أنّ على العابر في طرقها أن "يرفع دشداشته أو عباءتها" ويغضّ الطرف عن التجمع البشريّ الهائل المحيط بهِ ويحدّق على الأرضِ ليتأمّلها بخشوع خوفَ أن يمسّ بطرف دشداشتهِ خلاصَة الثرواتِ العمانيّة/الهنديّة تلك ..

وحينَ أفكّر في الدور الذي ستلعبهُ هذهِ الثقافة في تأصيلِ التبادل الحضاريّ هذا أشعرُ بالسّخف الشديد وأنا أفكّر في اخواننا بسنغافُورة الذين سنّوا غرامة ماليّة قدرها 175 دُولار (70ريال عُماني) على من "يتصدّق" بتفالته على أمّنا الأرض! بصرَاحة تامّة: اخواننا في سنغافورة مالهم حقّ! .. وبالتأكيدِ ليس لهُم الحقّ أيضاً في نشر صور المتهمين بالبصقِ في الصحفِ السنغافوريّة .. فلماذا كلّ هذا التشهير بأصحَاب هذه الثروَات الطبيعيّة الانسانيّة العظيمة .. رغمَ أنني في الجانب الآخر أفكّر لو أنّ الحكومة –بسعيها الدؤوب لابتكَار الوسائل المتعددة لسلب كلّ قرشٍ من المواطن- أفكّر لو أنّ الحكومة سنّت تشريعاً بتغريمِ أصحاب الثروات البصاقيّة العظيمة .. كم كانتِ الحكومة ستجني من الدخل .. وكم سيكُون جيّداً لمكافأة المبلغين عنهم لحثّ المجتمع على إبقاء "تفالته" في فمه بدَل تكريم الأرضِ بمكوّناتها العضويّة العجيبة ..

حسناً .. في بعضِ الأحيان يردني سيناريُو حملَة وطنيّة مبتكرَة وأنا أحدّق إلى اللافتة الجانبيّة للطريق .. "الماء ثروَة وطنيّة فلنحافط عليه" .. ويخيّل إليّ لو أننا بدأنا حملَة وطنيّة عنوانها "تفّالك ثروة وطنيّة ، فلتحافظ عليها" .. هل كانَ هذا سيغير من الأمرِ شيئاً؟

إلا أنني أعودُ حينهَا وأتراجعُ وأنا أفكّر أنّنا يجبُ أن نعنونَ الحملة بـ"ابصقُوا ، ابصقُوا على أنفسكم" وندشنَها بالعبارَة التاليَة: ابصقُوا .. ابصقُوا كثيراً ولكن على أنفسكم .. انظروا إلى المرآة .. والبصاقُ يملأ أجسادكم وأخبرونَا حينها .. إن كنتُم ستهدرُون بصاقكم مرّةً أخرى على الأرض .. أم ستبقُونَه ثروةً "لأنفسكم" !

تعليقات

  1. تصميم أزرق يليق بروحك الطاهرة
    مبارك عليك الشكل الجديد

    محبة

    ردحذف
  2. i hope the govrement to consider this resource would reap brofits.

    ردحذف
  3. ههه وشر البلية ما يضحك..
    اقرف من هذه الحالة والتي للأسف مستفحلة..حتى انك تسمع احدهم يجهز لالقاء ما في جعبته فاسرع مبتعدة عنهم لكي لا تصل الي بقايا ثرواتهم

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

قلْ لي أنت تعمل في الديوَان.. أقل لك كم جنَيت؟!

جارنَا أبو أحمَد .. الذي أخبرتكُم عنهُ ذات مرَّة .. الرّجل الصادق الصدوق الذي نذرَ نفسهُ ومالهُ في خدمَة الناس .. كانَ كلّما أخرج صدقة ً أو زكاة ً للناس .. جاءهُ أناسٌ أثرياء آخرون يطالبُون بنصيبهم من الزّكاة .. وذلك لقولهم أنّ أبا أحمد يوزّع معونات يصرفها الديوان لهؤلاء الفقراء .. يأتون طارقين الباب مطالبين بحقّهم قائلين: نريد نصيبنا من فلوس الديوان .. ورغم أنّ أبا أحمَد لم يتلقَ في حياتهِ فلساً لا من ديوَان السلطان ولا ديوَان هارون الرشيد .. إذ بنى نفسه بنفسه .. فامتهنّ كل المهن البسيطة التي لا تخطر على البال .. بدأ عصامياً وانتهى .. لا أقول ثرياً وإنما ميسور الحال .. أذكرُ أنّ امرأةً أعرفها وهي من قبيلة البوسعيد .. وهي من العوائل التي تستلم نهاية الشّهر راتباً شهرياً بثلاثَة أصفار لا لشيءٍ سوَى أنها تقرب لفلان العلانيّ الذي يشغل منصب مدير دائرة الصحون والملاعق في الديوان الفلاني أو البلاط العلاني وهي أيضاً "تصير ابنة عم ولد زوجة خال الوزير الفلاني" ذهبت تشتكي مرةً من أنّ أبا أحمد لابد أنه يتلقى مبالغ أكثر منها من الديوان فلا هو ابن سفير ولا ابن أخت زوجة الوزير ولا هو من أص