التخطي إلى المحتوى الرئيسي

البيض .. ونسَاءُ عُمان والارجنتين!





عائشَة السيفيّ

2 إبريل 2013



بدأ الكثيرُون يتساءلون إن كانت مقاطعَة البيض مستمرّة في ظلّ غياب التسويقِ الاعلاميّ لحملة المقاطعة وخفُوت الترويج لها في قنوَات التواصل الاجتماعيّ "الوتسأب ، الفيسبُوك وتويتر" .. ورغمَ أنّ المقاطعة تدخلُ شهرها الثالث إلا أنّ الأسعار تبدُو كما هي .. بل إنّ أسئلة سريعَة وجّهتها للتجار أوضحت لي حالَة تذمّر من التجار نفسهم حولَ أنّ التلاعب بأسعار البيض ازدادتْ وتيرته لدى خط البيع الأول للبيض إذ قال لي أحدهم أنّ سعر البيض قد يختلفُ خلال ساعة حينَ يذهبُ التاجر لبائع البيض الأول .. ويختلف السعر في ساعات النهار المختلفة .. ثمّ أنهى ذلك التاجر قوله: "نحن ما خرب علينا غير ذا بيقولوا له الوتسأب" ..

أمرّ كلّ مرةٍ أزور فيها المراكز التجاريّة على أرفف البيض لأتأكد من الأسعار ومنذ بدأتُ –شخصياً- المقاطعة قبل شهرين فإنّ أي انخفاض في سعر البيض لم يحدث..

وحدث غيرَ ذي مرّة أن اقترَب شابٌ من زبونٍ يأخذ البيض من الأرفف لينبههُ على أنّ هنالك مقاطعة شعبيّة للبيض فينهالَ الزبُون بالشتائم على الشاب في ردّة فعلٍ توضح أنّ الرجلَ يعلم بالمقاطعة ويتجاهلها ولربّما تكرّر أن نبههُ آخرُون بالمقاطعَة..

ما الذي يحدث؟ لماذا خفتت الدعايَة؟ لماذا ظلّ سعرُ البيض كما هو؟ ولماذا يرى التجار أنّ باعَة البيض أصبحُوا أكثر تلاعباً منذ بدأت المقاطعة؟

منَ الواضحِ جداً أننا نفتقر للتنسيق الشعبيّ في حملاتنا المقاطعة .. نفتقر للعزيمَة الشعبيّة والوعي المجتمعيّ بأهميّة المقاطعة فنحنُ اعتدنا دائماً أن نطلب من الحكُومة التدخل لإيقاف التلاعب في الأسعار .. نطالبُ الحكومَة بوقفِ ارتفاع سعر المنتج الفلانيّ .. بتوفير المنتج الفلانيّ الذي نعاني شحّه .. لكننا لم نفكّر لماذا لا نقُوم نحن بعمل ذلك؟ ألسنَا نحن القوة الشعبيّة الكبرى؟ ألسنَا نحنُ المستهلكين؟

لماذا تكُون الحكومَة دائماً هي المطالبَة بإحداث التغيير وليسَ نحن؟

ألا يستطيعُ شعبٌ قوامهُ ثلاثَة ملايين أن يطيحَ بسعرِ البيض في الأرض؟ ألا يستطيعُ نصف مليُون من جملة الثلاث ملايين لو أنّ هنالك حملة مقاطعة حقيقيّة أن يلقّن تجّار البيض درساً لا ينسى؟

أليسَت هذهِ القاعدَة التيْ سنّها لنا عليّ قبلَ قرنٍ ونصف حينَ غلا الزبيب على النَاس فشكوهُ لعليّ فقال: فاستبدلوه بالتّمر!

إذا لم يكنِ الشّعبُ –بدون مساعدَة الحكُومة كالمعتاد- قادِر على تغيير سعر البيض فعلى أيّ تغيير نقدر؟ سياسياً أو مجتمعياً أو ثقافياً؟

الشعبُ الذي لا يستطيعُ تغيير سعر البيض لن يستطيع تغيير أيّ سياسَة عليَا في البلد لأنّه ببساطة شعبٌ مستهلك

يريدُ أن ينخفضَ سعر البيض لكنّه لا يريدُ أن يتخلى عن البيض المسلُوق الصباحيّ .. لا يريدُ أن يتخلّى عن المندازي والتشباتي والكيك!

أقسمُ لكُم .. كلّما سألتُ ربّة بيت لماذا لا تقاطع؟ تقولُ لي كيف بسوّي تشباتي ومندازي للعايلة؟

والإجابَة هنا .. إذا لم تبدأ المقاطعة من المرأة العُمانيّة فإنّ أي حملة مقاطعة مصيرها الفشل .. المرأة هيَ قوام الأسرة .. هي الأمّ وربّة المنزل وهي سيّدة المطبخ فإذا آمنت بالمقاطعة آمنَت العائلة أجمعها بالمقاطعة .. وهوَ ما لم يحدث لدينَا في عُمان ..

أتساءل .. هل تحبّ نساءَ عُمان أطفالهنّ أكثر من نساء الأرجنتين حينَ قررنَ مقاطعة البيض؟

هل تعتقدُون أنّ الأقلية من النساءِ العمانيّات اللاتي قاطعنَ البيضَ لا يعشقنَ أسرهنّ؟ لا يرغبنَ بطهوِ البيض في الفطور الصباحيّ لأطفالهنّ؟

سأقولُ لكم أنني كنتُ قبلَ المقاطعَة أشتري البيض العُمانيّ ويعرفُ الجميعُ أنّه الأغلى سعراً وأقولُ أنني –وفقَ دخلي- لا أزالُ قادرَة على شراء البيض العمانيّ وغيره دونَ أن يتأثرَ دخلي رغمَ أنّ المقاطعَة حدثت مع ارتفاع أسعار منتجات البيض السعوديّة وغيرها .. ولكنني قررتُ المقاطعَة لأنني مسؤولة أخلاقياً عن مجتمعي .. أنا مسؤولة أخلاقياً ومجتمعياً كامرأة وكربّة بيت وكمتعلّمة وكعمانيّة عن الأسر العمانيّة التي أصبحَ سعرُ البيض حملاً ثقيلاً على كاهلها وتهديداً حقيقياً لميزانيّتها.

أنا مسؤولَة أخلاقياً لأنّني أريدُ أن أحمي أطفالي من جشعِ التجّار .. أنا مسؤولة أخلاقياً لأنّ هذهِ المقاطعة هيَ الاختبَار الحقيقيّ الأوّل لثباتنا وعزيمتنا كمستهلكين –بدُون عكّاز مساعدَة من الحكُومة- في تأدِيب التجار الجشعين.

أنا مسؤولَة أخلاقياً .. لأنّ فشلَ هذه الحملة سيفتحُ باباً ليكشّر التجار لنا أنيابهم .. لأننا إن لم نستطعْ تغيير سعر البيض فنحنُ من بابٍ أولى غير قادرين على تغيير ما هوَ أهمّ ..

يا أختي العمانيّة .. يا ابنَة بلدِي .. هل جرّبتِ طعم الخبز بدونِ بيض؟ الكثير من العائلات العمانيّة الفقيرة تعرفُ طعمه جيداً .. لقد اعتَاد أطفالهم ذلك ..أنتَ لا تحبينَ أطفالكِ أكثر منهم لكنّهم أصبحُوا غير قادرين على شراءِ هذا المنتج الأساسيّ في بيتِ أيّ أسرة.

وبأمانة .. لم أجرّب في حياتي كيفَ آكل .. خبز الشوب الصباحيّ بدون بيض .. ولا التشباتي .. ولا المندازي .. لقد بدا طعمه غريباً في بدَاية الأمر .. ولكنّي اعتدتُ طعمهُ الآن .. بل ومعَ مضيّ الوقت بدأت أبتكرُ طرقي –كربّة أسرة- في الاستغناءِ عن البيض ..

ساعدَني الانترنت كثيراً في ذلك .. فيكفي أن تكتبي في جوجل .. كيف أطبخ بدون بيض حتى تظهرُ لك مئات الخيارات ذلك لأنّ هنالك أناساً يعانُون من الحساسيّة من البيض أو لا يتوفّر لديهم ترفُ شراء البيض كما نشتريهِ في عُمان بالدرازن.. وهكذا بعدَ زمنٍ قصيرٍ اعتدتُ على غياب البيض من مطبخي بعدَ أن أبدلتهُ تارةً بالموز المهروس وتارة ً بالزبادي وتارة ً بالماء وتارةً باليقطين المهروس وتارةً بالزيت وبودرة العجن.

المقاطعَة مستمرّة يا أصدقائي .. والكثيرُ من الأسرِ العمانيّة لجأت لسلاحٍ آخر من المقاطعة هو شرَاء الدجاج وإنتاج البيضِ في بيوتهم .. بل إنّ صورةً جديدةً من صور التكافلِ الاجتماعيّ ظهرت لدينا وهوَ توزيع العائلات التي تمتلكُ دجاجاً "بيّاضاً" البيضَ وتقاسمه مع جيرَانهم ..

نحتاجُ مزيداً من التكاتف ونحتاجُ مزيداً من التوعيَة بثقافة المقاطعَة .. انضمُوا إلينا .. وقاطعُوا قاطعُوا ..

ويا نسَاء عُمان وربّات بيوتها .. نريدُ أن تقدنَ المقاطعَة من أجلِ أطفالكن ..

قاطعُوا يا أهلَ عمان .. هذهِ المرّة نحنُ سنديرُ المقاطعة حتّى النهايَة .. ولن نطلبَ من أيّ جهةٍ التدخل .. نحنُ وحدنَا سنردّ الاعتبار لنا .. للمستهلكِ العُمانيّ ..

تعليقات

  1. احسنت القول... المقاطعة بحاجة إلى رجال ونساء أفعالهم تسبق أقوالهم

    ردحذف
  2. كيه بايه تقتلينا ما ناكل البيض والدجاج

    ردحذف
  3. في قلب مسقط ...اشترينا دجاج و قفص
    و محلى البيض فريش !

    لا هنت يا عائشة ...

    ردحذف
  4. معا للمقاطعه صارلي اتكثر من شهر ما اكلت بيض
    خخخخخخ

    ردحذف
  5. انا متأكد بأن العماني خصوصا والعربي عموما لا يؤمن بمفعول المقاطعه ويمل سريعا من
    عدم رؤية النتائج السريعه...

    ردحذف
  6. انا على يقين تام ان العماني خصوصا والعربي عموما لا يؤمن بفعالية المقاطعه

    ردحذف
  7. السلام عليكم . هذه مشكلتنا ف عمان كل شخص همه نفسه عن نفسي ما قاطعت البيض لاني حسيت انه من دون فائده اذا انا قاطعت غير لا

    ردحذف

  8. كل البيض الي ناكله محلي
    مسوين اتفاقيه لمدة سنين مع الدجاج مالنا

    ردحذف
  9. نعم هو بيد المرأة أكثر من الرجل
    انا صمدت لمدة 5 أسابيع ولكن إلحاح الزوجة ومن ورائها عاملة المنزل.
    كنت عندما أرى شخصا يشتري البيض أصرخ بداخلي قائلا أيها الغبي اتركه، والآن صرت

    ردحذف
  10. لله بأسك يا عائشه السيفي.
    عن ألف رجل.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هلْ أنفقَ "قابُوس بن سعِيد" 64 مليُون دولار على منظمَاتٍ بريطانيّة؟

"قابُوس بن سعِيد يكرّم هيئة حقوق الانسان البريطاني 21 مليون دولار ومساعدَة للمنظمة المالية البريطانية 43 مليون دولار" هكذا وصلتنيْ رسالة تناقلهَا الناسُ مؤخراً عبر أجهزة البلاك بيري وبرنامج الوتسأب ومواقع التواصل الاجتماعي .. تناقلَ الناسُ الخبر "المُصَاغ بركاكة لغويّة" بحالة من الغليان حول تبرع السلطان قابوس لمنظمات بريطانية بـ64 مليون دولار. وصلتنيْ الرسالة من أشخاصٍ مختلفين ولم يستطع أيٌ منهم أن يجيبني على سؤالي حولَ مصدر الخبر .. كان جميعهم يتناقل الخبر دون أن يكلّف نفسه بالعودة إلى المصدر .. بحثتُ عبر الانترنت عن أيّ موقع أو تقرير يتحدث عن الهبةِ السلطانيّة "السخيّة" ولم أستطع الوصول إلى أيّ موقع إخباري أو رسميّ يتحدث عن التبرع. وحينَ حاولتُ البحث عن المؤسستين البريطانيتين المذكورتين أعلاهُ لم أجد لهما ذكراً على أخبار الانترنت إطلاقاً سوى مواضيع طرحها أعضاء منتديات وضعوا الخبر هذا في منتدياتهم وأشاروا إلى المؤسستين بهذا الاسم. حينهَا قرّرتُ أن أصلَ بنفسي إلى مصادر تؤكدُ لي –على الأقل- صحّة المعلومة من عدمها. حاولتُ البحثَ باللغتين عن مواقع ل...

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من و...

السيّد نائب رَئيسِ مجلسِ الوزراء ... الخُبز أم الكَعك؟

السيّد نائبُ رئيس الوزراء ... الخُبز أم الكعك؟ نسخَة من الرّسالة إلى وزيرَي التجارَة والصنّاعة والمَكتبِ السّلطاني. صاحب السموّ السيّد فهد بن محمُود نائبَ رئيسِ الوزراء.. تحيّة طيبة وبعد: دعني قبلَ أن أبدَأ رسالتيْ أن أحكي لكَ قصّة ماري انطوانيت .. آخر ملوك فرنسَا .. ففيمَا كانت الثورَة الفرنسية تشتعلُ والجماهيرُ الفرنسيّة الغاضبَة تحيط بقصر فرسَاي لتخترقه كانَت الجماهيرُ تصرخُ: نريدُ الخبز ، نريدُ الخبز! شاهدَت ماري انطوَانيت الجماهير يصرخُون من شرفَة قصرهَا وسألتْ كبيرَ خدمها: لماذا يريدُ الناسُ خبزاً؟ فأجابها: لأنهم لا يستطيعُون شراءه أيها الملكة! فردّت عليه بقمّة اللامبالاة والجهل: "إذا لم يجدوا خبزاً لماذا لا يشترونَ الكعك"! .. لقد كانتْ ماري انطوانيت تجهَلُ أنّ الكَعك أغلى من الخُبز فإن كانُوا عدمُوا الخبز فقد عدمُوا الكعكَ قبلهُ.. ظلّت هذه القصّة لأكثر من ثلاث قرونٍ من الزّمان حتّى اليوم مدارَ ضرب الأمثال في انفصَال المسؤُول عن واقعِ النّاس ومعيشتهم.. لأنّها كانت تتكررُ في أزمنة وأمكنة مختلفة. أتساءَل فقط سيّدي الكريم إن كنتَ تعرفُ كيفَ يعيشُ المواط...