التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شاوَرمَا يا معلِّم!


عائشة السيفي

هلْ هذهِ التغريدَة قبلَ أن يتناولَ سعادتهُ الغدَاء أم بعدَه؟ هكذَا فكّرتُ فورَ أن وصلتنيْ صورَة تنقلُ تغريدَة وكيل وزارَة النفط والغازِ حولَ أنّ فرقَ إجمالي سعرِ البترول لسيارَة سعَة 80 لترَ بينَ شهرِ مارس وإبريل هو ريال واحد فقَط ، قيمَة شاورمَا على حدّ تعبيره  وأنّ هذا الارتفاع لا يحتاجُ كلّ هذا الزّحام..

تغريدَة الوكيلِ ذكّرتنيْ بتقريرِ صندُوق النقدِ الدولي الذي أعدّ مطلعَ عام 2015 حاثاً الحكومة على سرعَة اتخاذ إجراءات جذريّة في إدارَة سياسَاتها الاقتصاديّة في ظلّ تدهور متوقّع لأسعارِ النفط وإعداد استراتيجيّة عالية الدّقة للتواصل الاجتماعي والجماهيريّ مع الشّعب لاستيعاب المتغيّرات الجذريّة القادمَة والتيْ ستمسّ بشكلٍ كبير نمط حياتهِ وأسلُوبها فهل عملت الحكومَة بالنصيحة؟!

تصريحُ سعادَتهِ الذي يعدّ –على حدّ علمي – شخصيّة مجتهدَة ومحبّبة كشفَ ثلاثة أبعاد أوّلها أنّ سعادته وقد أخذته الحميَة في تلكَ اللحظة تحدّث بصفَة .. (المغرّد التويتريّ ) وليسَ بصفتهِ كمسؤول وشتّان بينَ الأمرين .. الثّاني أنّ سعادتهُ نسي أن هذا الارتفاع هو خلال شهرٍ واحد فقط وبالتّالي فإن الريال الذي استصغره سعادتهُ يمثل ارتفاعاً بنسبة 9% في إنفاق الفرد على تعبئة سيارتهِ خلال شهر واحد فقط ، ثالثاً أنّ الريال الذي يعادلُ قيمة شاورما كما وصفهُ الوكيل قد يكُون قيمة عشاء أسرة عُمانيّة أو محصّلة ما يجنيهِ بائع الخضار الواقف بشاحنتهِ على الطّريق أو الرّجل الذي "يشكّ النعلان" على بسطتهِ المفرُوشة في سوقِ نزوى .. 
يا رَجُل .. أنا أكتُب مقاليْ هذا وأتذكّر الأرملَة بنتُ الخمسة وثلاثينَ عامَاً والأمّ لستَّة أطفال وهيَ تحكِي لزميلَتها أنّه لمْ يكُن فيْ منزلهَا غيرَ ٣ريَالات ليلَة وفَاة زوجهَا..

يعنيْ إن لم يكُن سعادتهُ قادراً على التعاطفِ أو تقديرِ أثر هذا الارتفاعِ على مصرُوف الفردِ –وهذا نظرياً من حقّهِ- فقد كان أولى بهِ السكُوت عوض الدخُول في مقارنَات سوفسطائيّة كهذه .. القَليل منَ الدبلومَاسيّة لا تضِير!

واحدَة من أبرَز مظاهِر الإدراكِ الشعبيّ للأزمَة هو حالة التقبل التي قوبلَ بها قرارُ رفع الدّعم وهو وإن استصغرهُ بعضُ المسؤولين فإنّه نجاحٌ كبير يسجّل لصالحِ وعي المواطِن وإدراكهِ أنّ رفعَ الدعم عن البترُول خيار صحيحٌ وقادمٌ لا محالة في ظلّ الأزمة وتداركِ سيناريُوهات حدوثهَا مستقبلاً ..

لكنْ من الواضحِ أنّ بعض المسؤولين لا يحتمِل قلبهم حتّى تحمّل تذمرٍ عابرٍ في تويتر .. فالمطلُوب من المواطن أن يتجاوبَ مع الحكومة والمطلُوب منه كذلك أن يفعلَ ذلك بصَمتْ .. معلش يا جماعَة .. احتملُوا القليل من التذمّر ووسعُوا صدوركم للمواطِن ودعُوه "يفضفض" قليلاً .. معلشْ خلّونا نغيّر شوي عن وضعِ #الأمور_طيبة و #خليكم_واقعيين .. احتملوا كلمتِين تخرجُان من مواطِن .. أم أن أيّام العيش والتنقل داخلَ مرسيدِس الحكومَة مدفُوعة التكاليف والبترُول والسّائق الخاصّ أنستكُم ما يعنيهِ الريالُ الذي يساوي لدَى المواطن أربعَة سندوتشات شاورمَا وقوطي ديُو؟

معلشْ تحمّلوا "الزحام" يا جمَاعة وإن كانَ ينهككم فأغلقُوا حساباتكُم الاجتماعيّة التي فتحتمُوها للعلن: للمادحِين والمبغضينَ والمنتقدِين ..

هذا الرّجاءُ يوجّه أيضاً للأجهزَة الأمنيّة في البلد والتيْ لا تزالُ سيناريُوهات استدعاء واعتقال مغرّدين وناشطِين في مواقع التّواصل مستمرّة .. القليلَ من مساحَات الحريّة هيَ فسحَة يحتاجهَا الموَاطن ليعبّر عن أيّ ضغط نفسي طارئ ولا ضغطَ أكبر من الخوفِ على لقمَة عيشهِ وغلاءِ معيشتهِ .. كلّنا على قاربٍ واحد والأزمَة أزمَة الجمِيع وحلّها بوعيِ الجميعِ وجعلهِم يتنفَّسون لا إسكَاتهم .. 

الكلام .. الكلام فقط من أجلِ تجاوز المواطنِ لإحباطه بسببِ عجزهِ عن إيجاد وظيفة ، أو تسريحهِ من العمَل ، أو إيقاف ترقيتهِ المستحقّة منذ أعوام وهيَ سيناريُوهات تعبّر عن مئات الآلافِ من المواطنينَ اليَوم!

جُوع وخوفٌ وصَمت لا يجُوز يا جمَاعَة أن تجتمعَ في ظلّ هذه الأوضَاع ..

التغريدَة يُردّ عليها بتغريدَة عوضَ أن يُردّ عليها باعتقالٍ أو استجواب.. هكذا قالَت أمل كلونيْ قبل أيّام في مؤتمر الاتصال الجماهيريّ في الشّارقة .. اسمَعوا يا جمَاعة وعُوا علّها تجدُ أذناً صاغية ً .. دوّنوا ذلكَ في استراتيجيتكُم الاجتماعيّة التي لا نعرفُ إن كانتْ صيغَت أم لا وابعثُوا بمسؤوليكُم لدورَة سريعَة في فنُون الاتصالِ الجماهيريّ كتلكَ التي تبعثُون إليها عضوَ مجلسِ الشّورى المنتخَب .. مسؤوليكُم الذينَ أمطرُونا بسيلٍ من التصريحَات العجائبيّة في العَامين الأخيرين وسآتي عليهَا في مقالٍ لاحق.. 

أفسحُوا صدُوركم لنا .. تغريدَة واحدَة والله لن تُؤذي ولنْ تهزّ حكُومة إن كانَ قوَامها العَدل والشفافيّة ..

.. وشاااااااورمَا يا معلّم!                                                                                                                  





تعليقات

  1. ما اطيب قلمك عندما تكتبين وتكشفين حماقات هؤلاء القوم الذي يحملون شهادات جامعية وخاويين فى التفكير والمنطق _ فأي حكومة تلقى بثقتها لمن هم دون مستوى المسؤولية .. الحق الحق يقال القادم يحمل بؤسا لمستقبل الوطن

    ردحذف
  2. لا تتعبي نفسك ما حد راح يجاوب عليك.
    الي يدق فراسهم يسويوه والمواطن اريد ما حد يسأل عنه من وين يستلم قوت يومه ..

    نسأل الله الهدايه للجميع

    ردحذف
  3. كلام على طبق من ذهب

    ردحذف
  4. يبدو أن الوحش القابع في ظلمات صندوق النقد الدولي قد أغرته ثروات مجلس التعاون ..والشئ بالشئ يذكر كنت استغرب علاقة الاضطربات في البلدان التي تطبق سياسة النقد الدولي إلى أن تكشفت الحقائق ..

    ردحذف
  5. رحيل الأمس العامرية2 أبريل 2016 في 12:05 م

    مقالاتك دائما تلامس كبد الحقيقة .. لك أسلوب محبب في الإنصاف والإنتقاد .. دام قلمك الناطق بهم المواطن

    ردحذف
  6. الله گریم ورب العالمین ما ینسی عبده ارحم فینا من هذولا اللی ما صار همهم الا سلب حقوق المواطن
    ما راح یحسوا باحد دام الریال عندهم صار ما یسوی شی .... الف الحمدلله علی کل حال والله لا یخسف فینا مثل ما خسف بحالهم وصاروا ما یحسوا بقیمه النعمه لو هی بسیطه

    ردحذف
  7. مقاله رائعه
    مجهود لا بد له من تأثير له

    ردحذف
  8. مصطلح الشفافية وحُرية الرأي
    مجرد حبر على ورق وخطابات يُسترجل بها في منابر أوطانُنا الحبيبة 🌷

    ردحذف
  9. لا نقول سوى حسبنا الله ونعم الوكيل وحدها تكفي

    ردحذف
  10. حسبي الله ونعم الوكيل عليهم ردود جميله وكلام في منتها الروعه للعقول التي باتت أصغر من مانتصور

    ردحذف
  11. معاليك هذا الريال الذي انت تستهتر به هي من عرقنا وقوت يومنا فأن كانت لا تستاهل كل هذا العناء فأخرجها صدقه لمن هم في حاجه لها.
    معاليك خاف ربك وحاسب في كلام فأنت وغيرك محاسب امام ربك،

    ردحذف
  12. حسبي الله ونعم الوكيل على كل ظالم..

    بوركت عائشه على الطرح ربي يسعدك وبكلماتك الرنانه على مسامع الظالمين نكمن قوة

    لعلها تصل الى مسار يستوعبها

    شكرا لك

    ردحذف
  13. السياسه المتبعه داخل الدوله فاشله


    عدم التخطيط أو التخطيط الفاشل والسياسات والخطط المتخبطه وراء ذلك


    حسبنا الله ونعم الوكيل

    ردحذف
  14. بورك عطاك وحقا حسبنا الله ونعم الوكيل ... مجرد الواحد ما يوصل للمنصب ينسي وضع المواطن

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هلْ أنفقَ "قابُوس بن سعِيد" 64 مليُون دولار على منظمَاتٍ بريطانيّة؟

"قابُوس بن سعِيد يكرّم هيئة حقوق الانسان البريطاني 21 مليون دولار ومساعدَة للمنظمة المالية البريطانية 43 مليون دولار" هكذا وصلتنيْ رسالة تناقلهَا الناسُ مؤخراً عبر أجهزة البلاك بيري وبرنامج الوتسأب ومواقع التواصل الاجتماعي .. تناقلَ الناسُ الخبر "المُصَاغ بركاكة لغويّة" بحالة من الغليان حول تبرع السلطان قابوس لمنظمات بريطانية بـ64 مليون دولار. وصلتنيْ الرسالة من أشخاصٍ مختلفين ولم يستطع أيٌ منهم أن يجيبني على سؤالي حولَ مصدر الخبر .. كان جميعهم يتناقل الخبر دون أن يكلّف نفسه بالعودة إلى المصدر .. بحثتُ عبر الانترنت عن أيّ موقع أو تقرير يتحدث عن الهبةِ السلطانيّة "السخيّة" ولم أستطع الوصول إلى أيّ موقع إخباري أو رسميّ يتحدث عن التبرع. وحينَ حاولتُ البحث عن المؤسستين البريطانيتين المذكورتين أعلاهُ لم أجد لهما ذكراً على أخبار الانترنت إطلاقاً سوى مواضيع طرحها أعضاء منتديات وضعوا الخبر هذا في منتدياتهم وأشاروا إلى المؤسستين بهذا الاسم. حينهَا قرّرتُ أن أصلَ بنفسي إلى مصادر تؤكدُ لي –على الأقل- صحّة المعلومة من عدمها. حاولتُ البحثَ باللغتين عن مواقع ل...

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من و...

السيّد نائب رَئيسِ مجلسِ الوزراء ... الخُبز أم الكَعك؟

السيّد نائبُ رئيس الوزراء ... الخُبز أم الكعك؟ نسخَة من الرّسالة إلى وزيرَي التجارَة والصنّاعة والمَكتبِ السّلطاني. صاحب السموّ السيّد فهد بن محمُود نائبَ رئيسِ الوزراء.. تحيّة طيبة وبعد: دعني قبلَ أن أبدَأ رسالتيْ أن أحكي لكَ قصّة ماري انطوانيت .. آخر ملوك فرنسَا .. ففيمَا كانت الثورَة الفرنسية تشتعلُ والجماهيرُ الفرنسيّة الغاضبَة تحيط بقصر فرسَاي لتخترقه كانَت الجماهيرُ تصرخُ: نريدُ الخبز ، نريدُ الخبز! شاهدَت ماري انطوَانيت الجماهير يصرخُون من شرفَة قصرهَا وسألتْ كبيرَ خدمها: لماذا يريدُ الناسُ خبزاً؟ فأجابها: لأنهم لا يستطيعُون شراءه أيها الملكة! فردّت عليه بقمّة اللامبالاة والجهل: "إذا لم يجدوا خبزاً لماذا لا يشترونَ الكعك"! .. لقد كانتْ ماري انطوانيت تجهَلُ أنّ الكَعك أغلى من الخُبز فإن كانُوا عدمُوا الخبز فقد عدمُوا الكعكَ قبلهُ.. ظلّت هذه القصّة لأكثر من ثلاث قرونٍ من الزّمان حتّى اليوم مدارَ ضرب الأمثال في انفصَال المسؤُول عن واقعِ النّاس ومعيشتهم.. لأنّها كانت تتكررُ في أزمنة وأمكنة مختلفة. أتساءَل فقط سيّدي الكريم إن كنتَ تعرفُ كيفَ يعيشُ المواط...