التخطي إلى المحتوى الرئيسي

‎"تقهوَى يا نذر عيني" .. قرَاءة سَريعة حولَ قولبة المرأة في سيَاق الحَالة الخليجيّة..



‎على الطَريقَة الكوميديّة ، تجتمِعُ "الحَالتان" حليمَة بولند وفوزية الدريع على السنَاب الشَات للترويج لبرنامج جديد لتثقيفنَا عن طريقة التعامل مع الرّجل على اعتبَار أنّ "كل علوم الرجال عندهن".. الحَالتان تسعيَان إلى تعليم المتابعات القواعد الأساسيّة لفنّ التعامل مع الرّجل.. العقدة الكُبرى التي تغذَى بها المرأة العربيّة منذ نعومَة أظافرها.. أن تخرجُ إلى العَالم بمهمّة وجوديّة واحدة: كيفَ تكسَب قلب الرّجل..
‎وبالنظَر إلى أنّ 70% من مستخدمِي سناب شات على الأقلّ في السعوديّة من النسَاء وممن تقلّ أعمارهنّ عن 34 سنَة فنحنُ أمام كارثَة حقيقيّة لإخرَاج جيل من الزوجَات والنسَاء الخليجيّات ممن على طرَاز: "تقهوى يا نذر إيني ولك ربٍ يفرجها". وأن يصبِح التصنّع والتغنّج والشكليّة هوَ الحل لكسبِ قلب الرّجل
‎وعلى اعتبَار أنه ينقصنَا جرعَات تسطيح في عُمان نأتي بهذهِ النماذج ونكرّمها مواصلين الإساءة والتسلّق على كتفِ مناسبَة "يوم المرأة العُمانيّة" الذي لو نطقَ لبرأ إلى الله منْ ثلثي ما يُنسب إليهِ من بهرجَة وتفاهة.
‎آلاف المواد التعليميَّة عربياً تحشَى في عقليّة المرأة الجمعيّة حول تجمّل المرأة وتزيّنها وأسرار العلاقة الزوجيّة ، وحيَل الفوز بقلب الرجل وتكتيكات عدم زواجهِ بأخرى إلا أنّ الواقع يقول عكس ذلك .. فنسب الطلاق لم تقلّ ، وهشاشَة العلاقات الزوجيّة تتعمق، والخيَانات تنتشر.. .
‎هذا يذكّرني بلقاءٍ شاهدتهُ مؤخراً حولَ أزمَة خاشقجي ذكر فيهِ الصحفيّ توماس فريدمان أنّ مؤشر التنميَة البشريّ في الوطَن العربيّ يُشير إلى عجز عربيّ تامّ في جوَانب ثلاث: المَعرفة، حريّة التعبير عن الرأي، وتمكِين المرأة.. عندمَا نتحدّث عن تمكين المرأة فنحنُ لا نتحدّث بالضرُورة عن أنّ نساءنَا ضحَايا للعُنف أو القهر.. لكنّ تغييب المرأة يحدث عندما تقولَب في شكلِ صورَة المرأة الجَميلة، الشيك، الدلُوعة التي تدُور حيَاتها حول فلك الرّجل وتبدُو مهمّتها الأسمَى هيَ التّجمل له وإرضاؤُه.. ويبدُو أنّ هذا هو النموذج الرائج خليجياً.. عندمَا تحيّد المرأة عن مسَاهمتها في مجالات الحيَاة المختلفة وهي بالمناسبَة قادرَة كلّ القدرة على الإسهَام في كلّ جوانب التنمية دونَ أن يخلّ ذلك بمقدرتها الفطريّة على الأمومَة فنحنُ أمام مشكلَة حقيقيّة تتعلق بتمكين المرأة..
‎‫هنالكَ من يريدنَا أن نكونَ وجوهاً جَميلة فقط علَى طريقة كُوني جميلة واصمُتي.. أن يكون تركيزنا على صنَاعة التجميل وَ"الترفيه" .. هنالك من لا يريد للمرأة ومن جنسِ المرأةِ نفسهَا أن تكونَ عنصراً فاعلاً في السيَاسة والاقتصَاد والهندسَة والتخطِيط والتَعليم والمَوارد البشريّة.. هنالك من يريد قولبتنا بشكل مستنسخ عبر قوَاعد ممجوجة وفاترة وحصر ذكاءنا الفطريّ في اللهاث خلفَ ما يُريدُه الرجل..‬
‎‫ونلمحُ فعلاً أنّ نسَاءً يمتلكنَ ذكاءً ورسَالة سرعَان ما يتحوّلن بعدَ أمد إلى نسخٍ من الفاشنستَات فتتحوّل الطيّارة والطبيبة والأخصائيّة الأسريّة إلى نسخ متشابهة من مروّجات "شِيك" للإعلانات والماركَات وعَلامات التجميل والموضة.. وتختفِي تلك الرسالة التي كنّا نرجُو لهذهِ المرأة أن تخرجَ بها من حالة القطيعيّة والتناسخ في مواقع التواصُل الاجتماعيّ لأنّ المحيط كلّه يدفعها دفعاً إلى التخلي عن تفكِيرها الحرّ والمستقل والانسيَاق ورَاء ما يطلبهُ "السوق" ..
‎‫لا أعتقدُ أنّ الرجل نفسه يوافق بالضرورَة على هذه القولبة..‬
‎‫الرّجل يريد امرأة يذهب معها إلى أبعَد من الجسَد والجمَال الخارجيّ.. يريدُ امرأةً "تشيله" و"يشيلها".. فكرياً واجتمَاعياً ونفسياً..‬
‎‫امرأة لا يشعُر بالزهدِ عنها عندمَا تشيخ، تزداد وزناً وتترهّل.. لأنّ الجسَد يذهب والدلع والتفاهة تذبل وتبقَى الروح والمعرفَة الانسانيّة..‬

‎‫تصِلني على الخاصّ رسَائل حولَ القضَايا التي أبدي فيهَا رأيي مثل: اتركِي السيَاسة للرجال، روحي مسكِي المخمّة والمطبخ أبرَك لك.. وهناكَ من يقولُ لي: صوركِ قبيحَة لماذا تنشرِينها؟ وكأنّ علينا أن نكونَ جمِيلات ليكُون لنا مكان في منصّات التواصل.. يا تُرى هل تصلُ هذهِ الرسائل لأصحَاب الحسَابات من الذكور؟ وهل يتعرّضون للتنمر نفسهِ كمَا تتعرضُ لهُ النسَاء اللواتي يدرنَ حسَاباتٍ تسيرُ وفقَ خطٍ مستقلّ عن السائدِ عربياً؟
‎‫نحنُ أكثر من وجوه جَميلة ومن يبحَث عنها فلهُ آلاف الحسَابات التي لا يتعدّى دور صَاحبَة الحسَاب فيها: المتعَة البصريّة..‬

‎‫وهكذَا فإنّ موجَة التسطيح مستمرّة.. نأتي بالمترديّة والنطيحَة وما أكل السّبع وبـالثنَائيّات التافهة ممن لا رسَالة ولا هدَف واضح لهم في الحيَاة سوَى أنّ لديهم حسَابات بأرقام متابعَة مليونيّة يجنُون من ورَائها الكَسب الرّخيص.. نأتي بهِم إلى عُمان مزفوفين كمَا يزفّ الملوك في قَاعات الفنادق والأفراح ونصدّر لاستقبَالهم الفرق الموسيقيّة والمشائخ وأصحاب الألقَاب لنوَاصل ارتكَاب جريمَة تكريس حالَة التسطيح والتفاهة العامّة بينَ جيلٍ يتخبّط بين فقدَان هويّته وبين إغراق الماديّة في حيَاته وغيَاب الانتاجيّة..‬

‎يا تُرى ‫إلَى أيّ قعرٍ يُرَاد لنَا الذهابُ إليه؟‬

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق