التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وداعاً للصّلع ، والألَم وأشيَاء أخرَى/ رُدهَات



عائشَة السّيفيّ
ufuq4ever@yahoo.com




عِندَما سُئلت المغنيَة العالميّة مادُونا قبلَ 10 أعوَام ، ما الذي تتمنّى أن يتغيّر في جسدهَا بعدَ أن تخطّت الثلاثين .. أجابت: أتمنّى أن يزدادَ طُولي إنشين على الأقلّ ..
قرأ الجَميع أمنيتها وتخطّوها لأنهُ كانَ من المستحيل وقتها حتّى أن نضيّع وقتنا بالتفكير في إمكانيَة حدُوث ذلك استناداً إلى الحقيقَة العلميّة القائلَة أنّ الطولَ يتوقّف بينَ 18ل21سنَة معَ بعض الطفرات في زيادَة الطول حتّى سن 25..
غيرَ أنّ مادُونا لو قالت ذلك اليَوم لربّما وقفَ العلماءُ كثيراً عند جملتها لأنّهم يعملُون فعلاً على فكّ أسرار الطول التيْ يجزمُون أنّ نعمة ً عظيمَة اسمها الخريطَة الجينيّة للانسان استطاعت منحهُم الكثير من هذهِ الأسرار التيْ أصبحت اليوم تحتَ تجربَة مختبرات آلاف علمَاء الجينَات ..
بعدَ أقلّ من 5 سنوَات من حديث مادُونا ذلك ، تمّ فكّ الشفرة الجينيّة للانسان ووَضع مخطّط كامل لعالم الجينَات البشريّة المستقرّ في جسدِ كلٍ منّا ..
وبعدهُ بخمسِ سنوَاتٍ أخرى كانَ العلماء في طريقهم للإعلان عن الجين المسبّب للطول والقصر والذيْ يمكنُ أن يجعلَ وجودهُ منكَ أيّها القارئُ رجلاً طويلاً ويجعلَ غيابهُ منّي امرأة ً قصيرة !
ما اكتشفهُ العلماءُ حينها بدرَاسة عيّنات آلاف من الأوروبيين الذينَ خضعُوا للدرَاسة هوَ مسؤوليّة جِين أسمَوهُ HMGA2 يؤدّي وجُود نسخَة واحدَة منه إلى زيَادة في طول الانسان بمعدّل نصف سنتيمتر ويؤدّي وجود نسختينِ منهُ إلى سنتميتر كامل زيَادة في الطُول إضافة ً إلى وجودِ جينٍ معاكسٍ لهذا الجين يجعلُ صاحبه أقصر بوجودهِ.. ووعدَ هذا العلمَاء بتصنِيع حقنٍ جديدَة تستهدفُ هذا الجين وفقاً لطلبات الزّبائن .. أولئك الذين يشتكُون الطول الزائد أو القصر الزّائد على السّواء ..
فكّ الشيفرَة الجينيّة وتمكّن العلماء من تسميَة أسماء كلّ جين بوظائفهِ دفعَ النَاس أكثر إلى التعلق بأمل إصلاح عيُوبهم وأبرزُها الصّلع ..
نعَم أيّها الرجال .. لن تكُونُوا مضطرين بعدَ اليومِ لتغطيةِ رؤوسكم بالمصَار والكميم لإخفاء صلعكم ولن تعُودوا مضطرينَ للتذمرِ من أنكُم لم تبلغوا الثلاثين بينما سقط نصفُ شعركم والنظر بغيرَة إلى فلان الفلانيّ الذي تخطّى الأربعين وشعرُ رأسهِ مكتمل بالتمامِ والكمَال ..
أو البحث من عيَادة لأخرى عن وسائل زرعِ الشّعر الجراحيّة.. وكذلكَ أيّها النسَاء اللاتي تلاحقنَ كريمَات وزيُوت الشّعر عديمَة الجدوَى وينتهيْ بكنّ الحال إلى صالُون تجميل يضعُ لكنّ خصلَ الشّعر الإضافيّ التي تخفيهَا خبيرَات التجميل بمهارة تحت خصلاتِ شعركن لإخفاء فراغاتِ الصّلع..

ففي عددهَا مايُو 2003 نشرتْ مجلّة العربيّ مقالاً للدكتُور مدحت صَادق مقالاً يتحدّث فيهِ عن نجاح العلمَاء في الوصُول إلى جينٍ للصّلع ، يؤدّي وجوده بقوّة في خريطَة أيّ بشريّ إلى تعطيل سرعَة نموّ الشعر بنسبَة 50%.. ويؤدّي عدم وجُوده إلى كثافَة في الشّعر ومعدّل أسرع في نموّه ..
ليسَ هذا فحسب بلْ قربَ توصّل العلماء أيضاً إلى جين يتحكّم بعددِ بصيلات الشّعر في الانسان .. بمعنَى أنّ متوسط عدد البصيلات في الانسَان تبلغُ5ملايين بصيلَة يتركّز 100ألف منها في فروَة رأسهِ وما وعدَ بهِ العلمَاء هوَ القدرَة على التلاعب بحساباتِ هذا الجين بطريقَة تساهم في عدد بصيلات الشّعر في الرأس وتخفيفها في الأجزاء الأخرى غير المرغُوب بها كالإبط والمنَاطق الحسّاسة ..
نُشر هذا البحث قبلَ ستّة أعوَام من الآن وبعدهَا بخمسَة أعوامٍ كانَ العلمَاء يعلنُون عن تجارب جديدَة لضرب جينَات الصّلع دون أن تؤثّر تلك الحقن على نسبَة هرمُون الأسترُوجين في النّساء والذي إذا زادَ معدّله لدى الرجل تساقط الشّعر من كثير من أجزاءِ جسدهِ بينمَا لو زاد هرمُون التستوستيرُون في المرأة يؤدّي ذلك إلى زيادَة نموّ الشّعر في جسدهَا ولعلّ أبرزهُ ذقنهَا ..

آخرُ اكتشافاتِ العلمَاء المتعلّقة بفك الشفرَة الجينيّة للانسانِ هوَ اكتشافهُم كذلك أنّنا لسنَا متساوينَ في الألم ليسَ بسببِ شيءٍ بل بسببِ الجينَات.. بمعنَى أنّك قد تصابُ بجرحٍ في رأسكَ لكنهُ سيؤلمكَ أكثر من صديقك الذي أصيب بنفس الجرح وفيْ نفسِ المكان..
ليسَ السبب في ذلك أنه أكثر تحملاً منكَ بل لأنّ خريطتكَ الجينيّة تحملُ جينَ SCN9A الذي يؤدّي تعطيلهُ إلى إعاقَة انتقال الألم من الأعصاب إلى المخّ .. وتمّ استخلاص هذَا الاكتشَاف من تطبيقِ درَاسة على عيّنات من عمّال السيرك الذينَ يخرجُون أمام العالم ليمشُوا على الجمرِ أو يغرسُوا آلاتٍ حادّة في أجسادهم أو يجرحُوا أنفسهم دونَ أن يشعرُوا بأيّ وخزةٍ من الألم بينما كانتْ ردّة الفعل العصبيّة أكثر إيلاماً لدَى أشخاصٍ كانَ هذا الجينُ لديهم في كاملِ نشاطهِ ..
بحوثٌ متعلّقة ٌ بالألم ، والقدرَة على تحمّل الجُوع والعطش وقلة النَوم هي بحوثٌ قديمةٌ جداً تعودُ إلى أيَّام هتلر الذيْ سخَر آلافاً من علمائهِ لدرَاسة دور الجينات في كلّ ذلك رغبة ً منهُ في صنَاعة جيشٍ خارقٍ يتحمّل كلّ ما سبق .. غير أنّ الخريطَة الجينيّة لم تكن مكتشفة ً يومها وكانَ أمام العلماء شوطٌ كبيرٍ ليدخلُوا إلى عالم الجينَات الشاسع ..
اليَوم وبعدَ 6 أعوامٍ من فكّ الخريطَة الجينيّة للانسان أصبحَ بمتناولِ اليدِ لدى كثيرٍ من البشر أن يذهبُوا إلى أقربِ معمل ويطلبُوا فكّ خريطتهم الجينيّة ليكتشفُوا قابليّتهم للإصابَة بالسرطَان والجلطَات الناتجة عن طفرَات في جينَات معيّنة بالخريطَة ويكتشفُوا مدَى كثَافَة شعرهم وتقدير أطوال أبنائهم وفقاً لما يحملونهُ من جينَات مسبّبة للطول والقصر ..
سيمكنهُم كذلك التنبُؤ بأشكالهم حينَ يشيخُون ، فمعدّل زيادة التجاعيد ، ووهنِ العظام ، وضعف الذاكرَة وتعطّل الوظائف الحيويّة لديهم حتّى تقدير السنوَات التيْ تفصلهُم عن بدءِ إصابتهم بالضعفِ الجنسيّ ..
نعَم ، مفاتيحُ كلّ ما ذكرَ في الأعلى مرتبطة ٌ بالخريطَة الجينيّة للانسان التيْ تحملُ سرّ كلْ سنتيمتر من جسدكَ وتقدّم قراءَة مستقبليّة لما ستكُون عليهِ ..
وهكذا أصبحَ بمقدُور الانسانِ أنْ يفعلَ ذلكَ بعدَ أن تحوّل فكّ الشيفرَة الجينيّة للانسان قابلاً للتسويقِ التجاريّ فبحلُول عام 2013 سيكُون بإمكاننا فكّ شيفراتنا الجينيّة بمبلغٍ يقلّ عن 300ريَال عُمانيّ وخلالَ ربعِ ساعةٍ فقط ، بعدَ أنْ كلّف العلمَاء مليارات الدُولارات فكّ أول خريطَة جينيّة للانسان بينمَا قلّ السعر بعدَ سنتين فقط إلى 50 ألف دولار واليَوم لا يتعدّى السعرُ في المعامل الأميركيّة عن 15 ألف دُولارٍ للفرد ..
قراءاتنا للشيفراتِ الجينيّة سيدفعنَا حتّى إلى تنبّؤ إصاباتنا بالأمراض تماماً كما فعلتْ قبلَ أشهُر ملكَة جمَال المملكة المتّحدة السابقة التيْ أخبرها الأطبَاء وفقاً لخريطَة جينَاتها بأنهَا معرّضَة للإصابة بسرطَان الثدي بما يزيدُ عن 90% فسارعتْ إلَى إزالتهِ تماماً بعدَ وفَاة أمّها وأختها بسرطَان الثدي ..
هذا سيدفعُ كثيراً من الناس للإصابَة بالشكِ والبارانويا من احتمال إصاباتهم بأمراض مختلفَة وفقاً لدرَاسة قابليّتهم لحدُوث طفرات في هذهِ الجينَات ..
ها نحنُ إذنْ نقفُ معَ ثورةٍ جينيّة جديدَة يتحوَّل الانسانُ فيها إلى مستودعٍ بيُولوجيّ لكلّ مواصفاتِ البشر .. ويتحوَّل إلى جسَد قابلٍ للتعديل عبر حقنَة واحدَة .. هل سينجحُ العالمُ فعلاً في التحكم بعيُوب البشر وهل ستنجحُ هذهِ الخرائط الجينيّة في تغيير بُوصلة جسمِ الانسان؟
إنّهم العلماء .. هؤلاء الجيُوش العلميّة المعتكفَة في مختبرَاتها وَالتيْ تسعَى إلى جعلِ المستحيلِ في تكوِين الانسَان حقيقة ً .. منذ تلك اللحظَة التيْ أعلنُوا فيهَا فكّ سرّ الانسان العَظيم .. الخريطَة الجينيّة !

تعليقات

  1. Aysha, very nice toic, i enjoy it
    I read those information befor but the way you present it was really attractive.
    While i read it i feed like this is the first time I read such information.


    waitting for next wed

    keep it up

    ردحذف
  2. معلومـاتٌ جميـلة ..

    ومقـالٌ رائع ..

    أمّـا في طريقةِ صياغتهِ فيقفُ القلم عن ابداعكِ سيّدتي ..

    هُنـا كانَ لي مرور .. فقبّليه وتقبّلي تحياتي الأخويّة

    سُلطـان

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق