التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المَاركَة .. الصّناعَة ذاتُ الحدّين/ ردُهات


عائشَة السّيفي
ufuq4ever@yahoo.com


وَفقاً للمنظمَة العالميّة لحقُوق الملكيّة الفكريّة فإنّ العلامَة التجاريّة أو المَاركة هيَ إشَارَة مميّزة تبيّن بعض السلع أو الخدمَات باعتبَارها منتجاتٍ أنتجتهَا جهَة معيّنة سواءً كمؤسّسة أو أفرَاد وتكُون معرُوفة لدى الزبُون تمثّلها هذهِ العلامَة وتعتبرُ حقاً لتمثيلها تجارياً في بلدها ..
يعُود نشُوء العلامَة التجاريّة أو "الماركَة" إلى 3 أو 4 قرُون حيثُ شاعَ في أوروبَا استخدَام أصحَاب الحرف رموزاً معيّنة ً لتمييز ما ينتجُونه من حرفٍ فكانَ النجارُون يضعون على الأبوابِ رمزاً معيّناً ليميّزَ كلاً منهم عنِ الآخر وكذا فعلَ الحدّادونَ وسائر الحرفيين .. ومنذ ذلكَ الحين أصبحتْ ملامحُ العلامَة التجاريّة تزداد وضوحاً وبدَأتْ تسريْ بشكلٍ رسميّ وشيئاً فشيئاً غزتِ العالمَ وأصبحتْ جزءاً لا يتجزّأ من تكوينِ السّوق .. إذ لا يمكنُ خرُوج أيّ مشرُوع تجاريّ إلى النور دونَ أن يمتلكَ العلامَة التجاريّة الخاصّة بهِ ..
هذهِ العلامَة قدْ تكُون رمزاً معيّناً .. مجمُوعة حرُوف مختصرَة أو جملَة أو كلمَات .. وقد تكُون رسماً دلالياً وهيَ غير مقنّنة بالشّكل الذي تظهرُ بهِ معَ الاحتفَاظ بقوانين معيّنة في الموافقَة عليها بحيثُ لا تحملُ إيحاءً سيئاً معيّناً للقارئ ولا تخدشُ الأديَان وألا تحملَ معنَى بذيئاً في لغَةٍ أخرى كما يجبُ أن تكونَ واضحَة ومفهُومة بعيداً عن التعقِيد بحيثُ يكونُ من السّهل إشهارها في السّوق والتعاملُ معها على المستوَى التجاريّ والإعلانيّ ..
هذهِ الرمُوز قد تحملُ علاقَة بالمنتَج وبالتاليْ تحملُ أسماءَ أو رمُوز ترتبط بالمنتج كأنْ يتمّ تسميَة سلسلَة مرَاكز تجميليّة باسمِ عالم المَاكياج أوْ شركَة متخصّصة في تصنِيع الميَاه المعدنيّة بشلالات ظفَار فيُوحي لنَا الاسمُ بهويّة المنتج الذيْ تقدّمه تلك الشركَة .. وقد تقدّم الشركَة كذلك رمزا لهُ علاقَة بطبيعةِ منتجهَا مثلَ أن يقومَ محلٌ لتفصيل العباءات بوضعِ رمزِ امرأةٍ ترتديْ عباءَة .. كعلامَة تجاريّة لهُ .. ليستشفَ الزبُون ما يعنيهِ هذا الرّمز ..
وقدْ تأتيْ الكلمَات عشوَائيّة لا علاقَة لها بالمنتَج .. مثلَ لانكُوم لمستحضَرات التجميل .. أو توشيبَا لصنَاعة الحواسيب الآليّة .. أو قدْ نستخدمُ كلمَات دَارجَة كعلامَة تجاريّة لنا .. مثلَ استخدَام سلسلَة محلاّت الملابس والأزيَاء كلمَة "مَانجُو" للإشارَة لمحلاّتها بصرفِ النظر عن عدمِ ترابُط اسمِ العلامَة بنمطِ توجّه منتجات الشركَة وهوّيتها ويكُون كذلكَ اختيَار رمزٍ للشركَة أو الجهَة المنتجَة دونَ أن يكونَ ثمّة ترَابط بينَ الشيئين ..

يقُولُ خبيرُ الاقتصَاد العالميّ دايفيد إيكر في كتابهِ Building Strong Brands أنّ العلامَة التجاريّة هيَ إحدَى نتاجات العولمَة الحقيقيّة في القرنِ الجديدِ حيثُ تسيطرُ الكيَانات الكبيرة على الكيَانات الصغيرَة باسمهَا وحضُورها في السّوق .. وهوَ تماماً نتاجُ ما حدثَ مؤخراً بعدَ رفعِ شركاتٍ مصنّعة لأنظمَة الحواسيب الآليّة قضايا كثيرَة على عملاق أنظمَة الحاسُوب مايكرُوسوفت التيْ أسسها بيل جيتس بسببِ اعتبَار شركتهِ بعبعاً تجارياً يستفردُ على الأخضرِ واليابسِ من سُوق الحَاسوب العالميّ ما جعلَ مايكرُوسوفت مهدّدة ً بتقسيمها لشركَات صغيرَة وكيانات متفرّقة لإفساح المجالِ للجميع بتسويق منتجهِ بعيداً عن استفرادِ شركةٍ دونَ أخرى وصنعِ ثقَة جديدَة للزّبُون الذي لا يعرفُ سوَى مايكرُوسوفت دونَ بديلٍ ينافسها في الثقة أو يتيحُ المجالَ للمنافسَة بعدَ أن اتخذت مايكرُوسوفت سياسَة شراء العلامات التجاريّة لأي شركات منافسَة وضمّها تحتَ عباءَتها ..

وعادةً ما يتمّ تسجيلُ العلامَة التجاريّة في البلدِ الأمّ الذي تخرجُ منهُ الشركَة والنّظر في توافقها مع قوانينِ وأنظمَة هذا البلدِ فإذا أرادتِ الشركَة الخرُوج من حدُود وطنها الجغرافيّ إلى أبعادٍ عالميّة فينبغيْ أن تنالَ الترخيصَ من منظّمة العلامات التجاريّة التيْ وقّعت عليها 60 دولَة منذ إنشائها للتأكّد من أن علامة تلكَ الشركَة لا تشابهُ أو تماثلُ علامَةَ شركةٍ أخرَى موجُودة في السّوق العالميّ فيحدثُ اللّبس أو الخلط ..

اليَوم أصبحتِ العلامَة التجَاريّة بصمَة ثقَة .. فنحنُ مثلاً نعرفُ أن العلامَة التجارية نوكيَا أو سونيْ أريكسُون هيَ الأكثر رواجاً وثقة ً في السّوق وقد نجدُ هواتفَ بمواصفَات أفضَل وميزات تكنولوجيّة أكبر من هواتف نوكيا أو سونيْ أريكسُون لكننا نشتريْ الأخيرَة لثقتنا بهَا فنحنُ ندفعُ للاسم .. للمَاركة قبلَ أن ندفعَ للمنتجِ نفسهِ ..
قد نشتريْ حذاءً بسعرِ 60ريال ونشتريْ آخر لهُ نفس المميّزات وربما أكثر ب5 ريال والفارق أننا في الأول لا ندفع لمميّزات الحذاء بقدر دفعنا لثقتنا بالشركَة المنتجَة للحذاء وأصليّتها وجودَة منتجاتها وندفعُ لسمعتهَا في السّوق واسمهَا بينما في الحذاء ذي الخمسَة ريالات نحنُ لا ندفعُ سوَى للحذاء نفسهِ دونَ أن تكونَ لشركتهِ ذلك الاسم والثقَة الكبيرَة الموجودَة في السّوق ..
ويأتيْ اهتمامنا وتوافقُ المنتج معَ توجّهاتنا الحياتيّة في الأسبَاب التيْ تدفعنَا نتوجّه إلى استخدَام العلامَات التجاريّة في تعاملاتنَا .. فمثلاً قد أذهب أنا إلى أيّ شركَة سيّارات وأشتريْ سيّارة عاديّة بمواصفاتٍ عاديّةٍ لأنني لستُ من النوعِ الذيْ يلقيْ بالاً إلى عالمِ السيّارات بينمَا يأتيْ آخر مستعدّ ليدفعَ أضعافَ ما دفعتُ لسيّارة أخرى لأنّها مثلاً تمتلكُ نظام حمَايّة معيّن .. زوَائد معيّنة ، هيكَلها ، دفعهَا ، قوّة محرّكها ، استهلاكها للوقُود .. فارتبَاطه الحسيّ بالعلامَة التجاريّة لذلك المنتج أكبر من ارتبَاطي واهتماميْ بالسيّارات كمنتج ..
وتلعبُ السيَاسَة والدّين توجهاتٍ كبيرَةً لدَى الزّبُون فمثلاً كنتُ قد أوصيتُ مؤخراً أحدَ وسطَاء شركة عُطور أن يجلبَ ليْ عطراً معيّناً إلا أنهُ عاد واعتذرَ عن أنّ الشركَة أوقفتِ استجلابَ ذلكَ العطر لأنّه منتجٌ اسرائيليّ ..

ومثالٌ آخر ما حدثَ لمذيعَة خليجيّة ظهرتْ بدونِ أن تعرفَ وهي ترتديْ قميصاً يحملُ شعارَ شركَة معرُوفة بانتاجها منتجات للشواذّ جنسياً ودعمهَا لهُم وإقبَال الشواذّ عالمياً على الشرَاء منها باعتبارها تمثّلهم .. لذا لقيتْ تلك المذيعَة الكثير منَ التقرِيع .. لأنّها حينَ لبستْ ذلكَ القميص فإنّها مثّلت تلكَ الشركَة ..
وكذَا يحدثُ لدَى شركَاتٍ يقالُ أنّها تدعَم جيوشاً معيّنة في بلدانٍ معيّنة أو أنّها تقدّم دعماً مالياً كبيرَاً لشعُوبٍ ضدّ أخرَى وبهذهِ الطريقَة ترتبطُ هذهِ العلامات التجاريّة وعلاقَة الزبُون بها في بلدٍ ما أو منطقةٍ ما بالخلفياتِ السياسيّة والدينيّة التيْ ترتبطُ بها شركَة تلك العلامَة التجاريّة لذلكَ يرفعُ اقتصاديُون كثر عالمياً شعَار (لا دين لا سياسَة) كأوّل خطوَات نجاح أيّ علامَة تجاريّة يسعَى أصحابهَا للعالميّة لكيْ لا يحدثَ تعارض في توجهاتِ تلك الشركة السياسيّة أو الدينيّة مع زبائنها في بقعَة معيّنة من العالم ..

غيرَ أنّ الكثِير من الزبَائن أصبحُوا مهوّسين بالعلامَة التجاريّة وأصبحت العلامَة التجاريّة تعنيهم أكثَر من المنتج أو السلعَة نفسها .. فالنسَاء مثلاً يتباهينَ بأنّهن اشترينَ قميصاً بقيمَة 50 ريالاً من شركَة أزيَاء عالميّة لا لشيءٍ سوَى لأنّ تلك الشركَة تمثّل سوقاً للطبقَة الثريّة ..
مؤخرا وأنا أتصفّح إحدَى المجلاّت التيْ كانتْ تعرضُ خطّ ملابس كاجوَال صيفيّة طرحهُ محلّ ملابس في دبي وقد صدمتُ فعلاً لمستوَى الغلاء التيْ وصلتْ إليهِ الملابس .. ففستان شيفُون قصير لا يتخطّى الركبَة وضعَ عليهِ سعرُ 3000آلاف ريَال عُماني .. وحلق أذن بلاستيكيّة على شكلِ وردَة وضعَ عليهَا سعر 700ريَال عُمانيّ .. وشَال على الرقبَة من القطن وضعَ عليهِ سعرُ 1500ريَال عُمانيّ .. وقد كانَ مجمُوع ما ارتدتهُ العارضَة تلك من ملابس خفيفة جداً .. 13ألف ريال عُمانيّ .. وكان هذا حالُ بقيّة الصور التيْ ظهرتْ بها العارضَة .. فهلْ يعقلُ أن الترفَ وصلَ بالنّاس ليلبسُوا في مجمُوع لبسَة واحدَة ما يزيدُ عن 13 ألف ريَال عُمانيّ فيمَا يغرقُ العالم في الجُوع والفقر المدقع؟ هذا فعلاً نتاج العولمَة وضريبتهَا السّوداء ..
هذهِ الملابس لم يبلغْ سعرهَا هذا لأنّها صنعتْ من خامَة خاصّة نادرة جداً .. ولمْ تكن بذلك التميّز الذيْ يجعلُ منها هذا السّعر .. لكنّ ماركَتها واسم شركتهَا في السّوق خوّلها لذلك وصنَع لها طبقَة معيّنة من الزبائن يتوجّهون لشرَاء منتجاتهَا ..
ولتقريبِ الصُورَة أحكيْ لكُم قصّة حكَاها أحدُ أقاربيْ وهو مهندسٌ معماريّ مشهُور في السّوق لديهِ مكاتبهُ الهندسيّة للاستشاراتِ وجاءهُ زبونٌ يطلبُ منهُ أن يعدّل شيئاً ما في خريطتهِ التيْ استخلصها من مكتبٍ آخر .. وفي تلكَ اللحظَة نظرَ المهندسُ إلى الخريطَة ورسمَ خطاً ما في الخريطَة وقالَ لزبُونهِ .. خلاص مشكلتكَ حُلّت .. وحينَ سألهُ الزّبون عن السّعر قالَ لهُ 30 ريَال .. فدهشَ الزبُون وقالَ : ثلاثُون ريالاً أدفعهَا لأنّك رسمتَ خطاً في الخريطَة وفي ثانيتين؟
فأجابهُ المهندس: أنتَ لا تدفعُ لي لأنّي رسمتُ خطاً وإنّما تدفعُ ليْ لدراستيْ 5 سنوَات في كليّة الهندسَة ودرَاسة تخصّصي .. وسنتان للماجستير وتدفعُ لي السّنوات التيْ قضيتهَا في السّوق لأؤسّس اسميْ .. أنت تدفعُ لثقتكَ بي وتوجّهك إليّ دوناً عن بقية المكاتبِ والمهندسين .. أنت تدفعُ لخبرتيْ الطويلة لصنَاعة الثقَة في الزبائن وَصنَاعة جودَة ما أقدّمه للسّوق ..
هذا بالضّبط هوَ ما تعنيهِ العلامَة التجاريّة .. لكنْ هلْ يبرّر هذا المغالاة الكبيرَة التيْ وصلتْ إليها الشركَات في منتجاتها بلا مبرّر؟ وعبَادة الكثيرين منّا للتسوّق من المحلاّت الراقية والماركات المشهُورة ليسَ لشيءٍ سوَى لأغرَاض الترفِ والمبَاهاة؟
في العالمِ الفقير هذا .. لا تمثّل العلامَة التجارية شيئاً للملايين الذينَ يسحقُون تحتَ همُوم الحيَاة اليوميّة لتأمين لقمَة عيشهم وكسوَة أطفالهم ويهمّهم أن يفيْ المنتجُ بالغرض دونَ أن يلتفتُوا إن كانَ هذا المنتج عالمياً أو إن قدّم الفنان الفلانيّ دعاية ً لهذا المنتج .. لأنّ هذهِ الدعايَة إنّما خرجتْ من جيُوب الزّبائن ليحصلَ الفنان على مئات الآلاف لقاءَ تقدِيمهِ دقيقَة إعلان واحدَة أو حضُوره في حفلٍ لشركَة تلكَ المنتَج ..
هكذَا إذن يكُون للعلامات التجاريّة وجهها الأبيض والأسوَد ونظلّ بحاجةٍ لخلقِ توازنٍ حقيقيّ وألا ننجرفَ ورَاء الهوسِ بالعلامَة التجاريّة بدونِ أسبابٍ منطقيّة سوَى التباهيْ أوْ تصنيفنَا وفقَ طبقَة معيّنة نريدُ أن ينسبَنا الآخرُونَ لها .. إنّها بحقّ صنَاعة العولمَة .. الصنَاعة ذاتُ الحدّين !

تعليقات

  1. مقال جميل..

    أعجبني الجزء الذي يحكي قصة صاحب مكتب الإستشارات الهندسية.. يشرح تعقيدات العلامات التجارية بصورة سهلة ومستساغة..

    تحياتي

    ردحذف
  2. مقـالٌ جميـلٌ أخـتي

    بـارككِ الرّحمـن ووفّقكِ إلى الخيـر

    خالصُ تحايايَ

    ردحذف
  3. الحمدلله اليوم تعلمت شئ جديد شكرا لكم على ما قدمتموه لنا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

قلْ لي أنت تعمل في الديوَان.. أقل لك كم جنَيت؟!

جارنَا أبو أحمَد .. الذي أخبرتكُم عنهُ ذات مرَّة .. الرّجل الصادق الصدوق الذي نذرَ نفسهُ ومالهُ في خدمَة الناس .. كانَ كلّما أخرج صدقة ً أو زكاة ً للناس .. جاءهُ أناسٌ أثرياء آخرون يطالبُون بنصيبهم من الزّكاة .. وذلك لقولهم أنّ أبا أحمد يوزّع معونات يصرفها الديوان لهؤلاء الفقراء .. يأتون طارقين الباب مطالبين بحقّهم قائلين: نريد نصيبنا من فلوس الديوان .. ورغم أنّ أبا أحمَد لم يتلقَ في حياتهِ فلساً لا من ديوَان السلطان ولا ديوَان هارون الرشيد .. إذ بنى نفسه بنفسه .. فامتهنّ كل المهن البسيطة التي لا تخطر على البال .. بدأ عصامياً وانتهى .. لا أقول ثرياً وإنما ميسور الحال .. أذكرُ أنّ امرأةً أعرفها وهي من قبيلة البوسعيد .. وهي من العوائل التي تستلم نهاية الشّهر راتباً شهرياً بثلاثَة أصفار لا لشيءٍ سوَى أنها تقرب لفلان العلانيّ الذي يشغل منصب مدير دائرة الصحون والملاعق في الديوان الفلاني أو البلاط العلاني وهي أيضاً "تصير ابنة عم ولد زوجة خال الوزير الفلاني" ذهبت تشتكي مرةً من أنّ أبا أحمد لابد أنه يتلقى مبالغ أكثر منها من الديوان فلا هو ابن سفير ولا ابن أخت زوجة الوزير ولا هو من أص