التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لأنّ لا مكان للعملِ الخيريّ بيننا (1)



عائشَة السيفيّ

قبلَ أسبوعين .. نشرتُ مقالاً عنونتُهُ بـ " عنْ صديقاتي المجهُولات " .. وحقيقة ً تلقيتُ ردُود فعلٍ كثيرَة عبرَ بريدي الالكترونيّ ومدوّنتي .. راسلتنيْ نساءٌ عمانيّات نافذات في المجتمع .. بمعنَى أنهنّ يدرنَ مناصبَ مرموقَة على المستوَى المؤسّساتي وسعدتُ بتلك المبادرات لكننيْ لمْ أملك سوَى أن أحبطَ لردودهنّ الفاترة في التفاعلِ مع قضَايا النساءِ المجهولات التي طرحتُها ..

تمنيتُ أنْ تطلبَ مني إحدَى تلك النسَاء أن أساعدهنّ في الوصُول لتلك المرأة المكسُورة التي أمضت عاماً تجمع مبلغَ ألفي ريال لتشتريْ خرابة بيت من طين يؤويها ويؤوي أطفالها .. تمنيتُ أنّ إحداهنّ –بما يملكنَ من شهاداتهنّ العلميّة ومناصبهنّ المرموقة- طلبتْ منيْ أن أكونَ جسراً لتتبرع بمبلغ ألفي ريال قد يكُون راتبَ شهرٍ واحد من راتبهنّ .. أو نصف راتبهنّ الشهريّ أو ربعه..
تمنيتُ أن يراسلني قارئٌ لا أعرفهُ ليقولَ لي أنه يتكفّل بتلك المرأة .. لكنّ ذلك لم يحدث ..

سأقولُ لكم أنّني تعمدتُ لسنواتِ كتابتي أنْ أتناول قضايَا مختلفَة انسانيّة لا تحلّها سوَى بضعَة أرقام .. وبضع أوراق ماليّة وتنتهي معاناة تلك الحالات الانسانيّة .. لكنْ في كلّ مرة كنت أحبط بمستوى التفاعل .. وإن امتلأ بريدي برسائل التعاطف فإنها لا تخرج عن ذلك ..

ردودٌ عاطفيّة لا أكثر .. لكن حينَ يأتي الموضوع للغَة الأرقام والمال .. يخلو بريدي تماماً من أيّ تفاعل !
ما السبب؟ لماذا لا توجد لدينَا ثقافة العمل الخيريّ؟ هل هو سوءُ فهمٍ لمعنَى العمل الخيريّ؟ أم هو انعدام وجود ثقافَة العمل الخيري في بلادنا؟

يظنّ كثيرون منا أن العمل الخيري يعني أن نجمع مبالغَ لبناءِ مسجد .. أو علاج أحدِ المرضى ممنْ يحتاجُ علاجاً أو شرَاء عضوٍ خارجَ الوطن.. يظنّ الكثيرُون أن العمل الخيري هوَ زكاة العام .. أو صدقَة رمضان .. ولذا فعدا عما ذكرَ سابقاً يكاد ينعدم العمل الخيريّ في مجتمعنا ..
سأحكيْ لكم قصّة ً قرأتها عن خبيرِ تجميلٍ بريطانيّ .. حاولَ أن ينخرطَ في العمل الخيريّ ولكن وفق إمكانيّاته .. فهو ليسَ مليونيراً .. وهو لا يبحث عن صيغَة العمل الخيري المرادفَة للتبرع بالمال .. كان يحاولُ أن يجعلَ من تخصصهِ ومهنته وسيلَة لابتكار طريقَة جديدة للعمل الخيري وكانَ له ما أراد ..
يديرُ هذا الرجل اليوم واحدَة من أكثر المؤسسات الخيريّة فعاليّة .. فهوَ يستقبلُ مجاناً في صالونهِ عشرات النساء المصابات بالسرطان واللاتي فقدنَ شعرهنّ .. يقوم صالونهُ بتدليلهنّ .. عمل جلسات مساج لهنّ .. تنظيف لأظافرهنّ .. عمل قصّات لبواريك يلبسنها مكان شعرهنّ الذي أذهبه العلاج الكيماويّ .. يقدّم لتلك النساء المحتضرات .. خدمات تجميليّة مجانيّة تشعرهنّ أنهن لا زلن يمارسن أنوثتهن واهتمامهنّ بالجمال ..
ترى هلْ كنا سنصادف من ضمن المليُون صالون المتوزعَة في مسقط .. صاحبَة صالون واحدَة فقط تمتلك هذا الحسّ الانسانيّ في ابتكار وسائل العمل الخيريّ؟
حكىْ لي أحدُ أقاربي.. أنه في وقت أزمَة الأنواء المناخيّة بصيف 2007م.. حيث كان الناسُ منهمكُون بتجميع الملابس والأموال للتبرعات .. حكَى لي عن زميلته الأجنبيّة بالعمل .. التي كانتْ تمضي 18 ساعة من وقتها في الخارج لمساعدَة الناس .. أنها كانت تنفق أموالها في شرَاء حفّاظات الأطفال والفوط الصحيّة النسائيّة.. وحينَ كانَ زملائها يسألونها عن السّبب كانت تقول أن لا أحدا يفطن إلى حاجة آلاف العوائل في تلك الفترة لهذه الأغراض الأساسيّة .. وأن الناس منشغلون بتوفير أدوات العمل الخيري التقليديّة .. الملبس والطعام إلخ ..

لو أعطيتَ طفلكَ أو ابنك المراهق ريالاً واحداً وقلتَ له اصرفهُ وتعال لي بعد أسبوع وأخبرني فيمَ صرفته .. فإنّ طفلكَ على الأرجح سيصرفهُ على شرَاء الحلويات وغيرها ..
ماذا لو قلتُ لكم مثلاً أن الجمعيات الخيريّة في دولَة متوسطة الدخل كإسبانيا تتلقَى تبرعات من أعمار 13 سنَة فأقلّ ما يزيدُ عن 20 مليُون دولار سنوياً؟

لقدْ توسّعت دائرَة العمل الخيريّ لديهم لتبلغ مستويَات ناضجَة جداً .. للحدّ الذي أصبحَ العمل الخيريّ محط درَاسات وأطرُوحات في الماجستِير والدكتُوراه ففي كندَا قدّمت 12 ورقَة بحثيّة أكاديميّة في عام 2008م وكانَ مدَارُ دراستها هوَ العمل الخيريّ على كافّة المستويَات ..
في بريطَانيا وحدهَا ثمّة 180ألف مؤسّسة خيريّة في كلّ المجالات .. جمعيّات لدعم المصابين بالتوحّد ، جمعيّات لمكافحَة التشرّد ، جمعيّات أهليّة لمسَاعدة المكفُوفين .. جمعيّات خيريّة لتوفير وسائل نقل مجانيّة لتوصيل الأطفال الرضّع لمقار أمهاتهم في العَمل ليحصُلوا على الرضَاعة الطبيعيّة بشكلٍ يوميّ .. جمعيّات لتنزِيه المسنين والترفِيه عنهُم .. كلّ ما يخطر على البَال من حالات انسَانيّة تجدُ من ينضمّ تحت لوائها ..
يظنّ كثيرٌ منّا أنه لكي نصبحَ ضالعينَ في العَمل الخيريّ أنه يجب أن نملكَ المال لذلك .. ولكنّ هذا ليسَ صحيحاً .. ليسَ صحيحاً أننا نحتاجُ أن نكونَ أثريَاء لنشَارك بجمعيّة لرعَاية المسنين .. ليسَ صحيحاً أنهُ يجبُ أن نملكَ في أرصدتنا من المليُون فما فَوق لننظمَ فعالياتٍ مختلفَة للترفيه عنِ المعاقينَ والمكفُوفين والبكم إلخ ..
ثقافَة العمل الخيريّ .. تقليديّة لدينا .. مُحزِنَة و"تارسَة غبار"

أينَ ثقافَة "الدوَام الجزئيّ التطوعيّ" لدينا؟
هذهِ الصنَاعة التي درّت في عام 2008م فقط فيْ فرنسَا ما زادَ عن 320 مليُون دولار ..
تديرهَا منظمَات خيريّة كبيرَة .. تطرح مجموعَة من الأعمَال التي لا تحتاجُ لتخصّص ودراسَة بحيثُ يلتحقُ بها الفردُ ويتقاضَى عن كلّ ساعةٍ مبلغاً من المال يذهب إلى حسابَ تلك الجمعيّات الخيريّة ..

مثلاً يتمّ الاتفَاق بينَ فندق وجمعيّة خيريّة بأن يخصّص عمل تغسيل الصحُون للمتطوعين في تلك الجمعيّة ويداوم كلّ متطوّع عدداً معيناً من الساعات وما يدفعهُ الفندق لهم يذهبُ للتبرّع الخيريّ ..

ما الضير أن نعملَ لخمسِ ساعاتٍ كلّ أسبوع في مؤسّسة .. نقومُ بأعمال طباعيّة على الكمبيُوتر لصالح إحدى المؤسسات؟ ما الضّير أن تقومَ ربّات البيُوت غير العاملات بتأسيس شبكَة تطوعيّة لتوصيل الأطفال لمقَارّ عمل مهاتهم العاملات لرضَاعتهم؟

ما الذيْ ينقصنَا في الثقَافة العربيّة لنكونَ ضمنَ هذهِ الأرقام والاحصَائيّات التي أفردها الإعلاميّ أحمد منصُور في إحدى حلقَات برنامجه على قناةِ الجزيرَة ( بلا حدُود ) حينَ استفتحَ برنامجهُ بهذهِ المقدّمة :
(في الوقت الذي لا تشغل فيه ثقافة العمل الخيري التطوعي حيزا لدى العرب فإن الدراسات تشير إلى أن 91% من سكان كندا الذين تتجاوز أعمارهم 15 عاما مشاركون فاعلون في العمل التطوعي، وأن 45% من سكان ألمانيا في نفس الشريحة العمرية منضمون إلى منظمات العمل التطوعي المختلفة، وأن عشرة ملايين ونصف المليون فرنسي يتطوعون في نهاية الأسبوع للمشاركة في تقديم خدمات اجتماعية مختلفة تخص الحياة اليومية، أما في الولايات المتحدة الأميركية فقد أظهرت الدراسات أن نسبة الذين يشاركون في العمل التطوعي تشكل 44% من جميع البالغين حيث يقدمون ساعات تطوعية تبلغ أكثر من 15 بليون ساعة سنويا وهذا ما يقارب عمل تسعة ملايين شخص بدوام كامل)


رجالُ الأعمال لدينا والتجَار والأثريَاء مشغولونَ باللهاثِ خلفَ البيسَة والريَال .. كلّما زادَ صفرٌ في أرصدتهم البنكيّة ابتعدُوا أميالاً عن العمل الخيريّ .. تمنيتُ في ذلك اليَوم الذي تحدثتٌ فيه عن تردّي وضع النشاط الثقافيّ والعلميّ في السلطنَة بسبب غيَاب دعم الأثريَاء بالأموَال لهذهِ المشاريع .. تمنيتُ أن يراسلنيْ هامورٌ من مئات الآلاف من هواميرنا ليقول لي : 1% من عائد ثروتي الماليّة سيكُون لدعمِ ما ذكرتهِ في مقالكِ ..

لا وقتَ لديهم لقراءة المقالاتِ ربّما فهي لا تجلبُ "ريالات" لهُم .. وربّما قرؤوا المقال ونسوهُ بعد ساعَة .. فثقافَة تأثير "العَمل الخيريّ" عن طريق الكتابة لا تزالُ أيضاً غائبة ً عنّا ..

لأننا أبصرنَا النُورَ .. ونحنُ لا نعرف عن العملِ الخيريّ أكثر من كونهِ بناء مسجد يبعد عن المسجدِ المجاورِ مسافَة 200متر .. ورضعنَا فكرَة أن زكاةَ أموالنا هيَ ما يسمّى بالعمل الخيريّ ، ظللنا على حالنا غير قادرين على خلقِ حراك داخل المجتمع لزرع الوعي فيهِ .. وهكذا نشَأ جيل أطفالنا .. أمامنَا وقتٌ طويلٌ ربّما .. لليومِ الذي يختلف فيه وضعُ كاتبَة "محلية" مثلي تكتبُ في صحيفَة عن امرأة غير قادرة على شرَاء بيتٍ بألفي ريَال .. فلا تجدُ شخصاً واحداً من مليُونيّ انسَان يقطن على هذا الترَاب .. يرفع سمّاعته أو يرسل ايميلاً وهو يقول : ألفَي ريَال .. لتجدَ هذهِ المرأة سقفاً يؤويها وأطفالها !

تعليقات

  1. بـالفعل ..

    نحـن - وللأسفِ الشديد - تنقصنـا هذهِ الثقافـة المهمـّة بالرّغمِ من أنّ ديننـا وسنّةُ نبيِّنـا أوصتنـا بالتكـافلِ فيمـا بيننـا وحثّتنـا على التعاون على البرِّ والتقوى ..
    للأسف أظّنُ أن السبب الرّئسي في فقدانِ الشخص لهذهِ الثّقافة هـو "الأسرة"
    فـالأسرة ومنـذُ نُعُومـةِ أظـافر الطّفل وهي تربّيه على كيفيّةِ الإقتصادِ في الإنفـاق وكيفية جمـع المـال وغيره سـواء أكـانَ ذلك بنهيـهِ عن فعلٍ يُريدُ القيـامَ به لمُسـاعدةِ زمـيلهِ مثلاً أو التبرّع لشئ معيّن بحجـةِ توفير مـاله إلى المستقبل أو أن يسمـع ذلك الطفل في المجالس حديث من هم أكبر منـه سنّاً وهم يتحدّثونَ عن طُرقِ جمـع المـال وحال فلان الغنيّ وصاحب الثروة وكيفَ تمكّن من بنـاءِ ثروتهِ مِن العدم وغيرهـا من الأمثلة..
    فتبدأُ فكرةُ جمـع المـال تترسّخُ في ذهنِ ذلكَ الطفل طول حياتهِ ..
    ومـن أبسطِ الأمثـلة مثـلاً عندمـا يكبـر هذا الطفل ويبدأ بالتفكير في التخصص الذي يريد أن يلتحق به ويذهب لأخذِ المـشورةِ من أبيـه فيردّ عليه " ابحث عن التخصص الذي يضمـنُ لكَ المـال الوفير في المستقبل" .
    وهُنـاك أمثِلةٌ عديدةٌ للأسف على ذلك ..
    فلـم يتعودِّ الشبـاب في مُجْتَمـعِنـا على التكافُل والتطوُّع والعـملِ الخيري ولم تربّي الأسرة أبنـاءهـا على روحِ التكافل والتعاون ..

    ولكـن هل هذهِ العادة كـانت موجودة في الزّمـنِ السابق ..؟!
    لا طبـعاً

    يخبرُني والدي بأنّه في الزّمـانِ الماضي عندمـا يُريدُ أحداً أن يبنـي منـزلاً .. لن يدفعَ فيه قِرشـاً واحِداً لجلبِ العمّال .. بل أن جيرانـه وأهل البلد يقومـونَ بمـساعدةِ جارِهـم حتّى ينتهي دونَ أي أجر .. إضافـةً إلى ذلك فإن أي شخص يصِلهُ الخبر بأنّ جارهُ قامَ ببنـاءِ منزلٍ له أو قام بعمـلٍ معيّنٍ آخر ولم يخبره .. يذهب إلى جارهِ وهو عاتبٌ عليه لعدم أخباره لكي يقوم ذلكَ الجارُ بالمـساعـدة ..!

    نفوسٌ بسيطةٌ لم يكن همّهـا جمـع ملذّاتِ الدُنـيا بقدرِ أن كان هَمُّهـا التكافُل ومسـاعدةِ الآخرين ..
    نفوسٌ فقِهَتْ مـعنـى العملِّ التطوُّعيِّ في زمـنٍ كـانَ الجهل هو السّائد بينهـم ..
    أمـا نحنُ المتعلِّمـون - للمـادّة لا أكثر - الآن .. للأسف ليس هنـاكَ عمـلٌ لدينـا عمـلٌ سـوى الإنجرافِ وراءَ غريزةِ إشبـاعِ النّفس التي لا تشبع ..

    مـقالٌ بدرجـةِ امتيازٍ أختي عائشـة ..
    واعذريني هُنـا على الإطالةِ في تعليقي .. وننتظر الجزء الثّاني

    ودّي

    ردحذف
  2. شخصيا فقدت الامل تماما في رجال الاعمال العمانيين باستثناء مبادرة اسرة بهوان التي لا تضاهى رغم يقيني انها ستخضع لتدمير تدريجي بعد وفاة مؤسسها و و هنالك شائعات قوية تزعم ان مؤسسة بهوان الخيرية تريد اعادة قرية الايتام في الخوض للدولة . باحتصار رجال الاعمال العمانيين في معظمهم لا ينظرون الى الوطن سوى كعكة او مزرعة يتنظرون قطافها و الاغرب ان الكثير من هؤلاء لو استطاع السطو على ماتبقى من اراضي او ممتلكات تخص مبادرات خيرية لفعل . اظن ان شريحة التجار في عمان لا تخلو من مشاعر استخفاف و شماتة ببسطاء العمانيين و هي المشاعر ذاتها التي بدأت تتسرب في تصريحات كبار المسؤولين في هذا البلاد في جلساتهم الخاصة و ظهرت جلية وصارخة في نسبة الزيادة الاخيرة في الرواتب !

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق