التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لأنهُ لا مكَان للعملِ الخيريّ بيننا (2)

عائشَة السيفِيّ

ufuq4ever@yahoo.com

بعثَ لي بعضهُم يخبرنيْ أنهُ لا ينبغيْ المقارنَة بين العمل الخيري في عُمان ودول كالمملكة المتحدَة واسبانيَا وَالولايات المتّحدة لأن التعداد السكاني في تلكَ الدول يتخطّى بكثير تعدادنَا السكانيّ بعمان .. فهل هذا سببٌ فعلاً لعدمِ ظهور العمل الخيريّ الشعبي لدينا في عُمان على السّطح؟ ربّما !

رغمَ أني ركزت في مقاليَ السابق على النسبَة المئوية التي لا علاقة لها بالتعدَاد السكانيّ بل بنسبَة الكلّ من الجزء ..

لقد آلمنيْ فعلاً أنه بعد كتابَة مقالي الأخير ، لم أجد من يتفاعلُ "بشكل عملي" مع قضيَة المرأة التي ذكرتُها سوَى قارئ مثقّف اعتاد الردّ بريدياً على مقالاتي .. وهوَ كأيّ موظف في الحكُومة لديهِ التزاماتهِ الماليّة لكنه بعث مشكوراً ليقولَ لي أنه يمرّ بأزمَة وضغط ماليّ وأن أقصى ما يمكن أن يقدّمه لهذه المرأة 500ريَال وإلا لقدّم أكثر ..

آخر بعثَ لي يقولُ لي –استجابةً لحديثي بأنّ كلاً منها لا يشترط أن ينشط في العمل الخيريّ بالنقود إنما باختصَاص عملهِ- لذا أبدَى استعدادهُ على أنْ يقدّم بورشتهِ تلك أيّ مساعدة لمحتَاج ..

ثالثُ أبدى استعدادهُ لجمعِ تبرعاتٍ للمرأة لكنّه عاد في اليوم التالي يخبرني بخيبَة أمله في رفض جميع من أبلغهم بالتبرّع ولو بريَال واحد ثمّ عقب أنّ أحد مَنْ طلبَ منهُم ردّ قائلاً : ( كيف نتبرع ونحن ما محصلين ناكل تمرة ببيتنا) بينمَا يملكُ قائلُ العبارة السابقَة سيّارة بورش تتخطى قيمتها الثلاثينَ ألفاً !

أحزنني كثيراً ردود بعض من قرَؤوا المقال وهم يقولُون أنّ الشحاتة انتقلت لكتّاب المقالات وحقيقة ً شعرتُ بالإشفاق الشديد على أننا غير قادرين على فهم أنّ الكتَابة أيضاً قد تكونُ جزءاً من العمل الخيريّ ، وأنّ الكتابَة لا خيرَ فيها إن لم تكن وسيلَة للأخذ بهمُوم المجتمع ..

نحنُ نكتبُ أيها الأصدقاء لا لتستقبل حساباتنا البنكيَة تبرعات أحد ، ولا لأن يخرج ريال من جيبكُم ليدخلَ في جيبنا ، نحنُ نكتب عن فقرَاء يعيشون بعيداً عن بيوتكم الاسمنتيّة الضخمة .. ربما على بعد أمتار أو كيلُو أو أميال .. لكنهم موجودون بيننا ، يتنفسُون نفس هوائكم وإن لم يملكُوا مكيفاتٍ مركزيّة ولا سيارات رياضيّة كما تملكُون .. ينامُون تحت تشينكو أو يتكدسُون في غرفة واحدة ، وهم شئتم أن تخفُوا وجودهم موجودون ، ونعم .. منسيُون لا تطالهم "تبرعاتكم العظيمة" التي رسمتم خيالهَا في الهواء .. نحنُ نملكُ أقلاماً خلقت لتمثّل أولئك الذينَ لا يجيدونَ كتابة حياتهم المسحُوقة على الورق ..

نعم من حقنا أن نكتبَ للعمل الخيريّ وننتصرُ للعمل الخيريّ ، ولنساءٍ مهمّشات تحت خط الفقر ، وسنكتبُ لأننا من جسدِ هذا المجتمع .. نتحدثُ عنه لا عن شعُوب في المرّيخ

امرأتي المجهُولة أبلغتني باكيَة قبل يومين أنّ صاحب البيتِ أبلغها بإقلاعهِ عنْ فكرَة البيع رغم موافقتهِ المسبقَة وحقيقَة ً كنت أفكر قبل أن أعرف بهذا أن صاحب البيت لو باعهَا بيتهُ بذلك المبلغ فهوَ قدّم لها خدمة انسانيّة أعظم من خدمَة أي انسانٍ آخر بإمكانهِ المساعدة .. لكنْ الحياة دائماً "تلهُو بنا وتسخَر" !

لا أحبّ أن أفرد لكم أرقاماً في العمل الخيريّ في الدول الأخرى حتّى لا يقولَ قائلٌ: لهم أوضاعهم ولنا أوضاعنا .. مالياً واجتماعياً إلخ .. لكنيْ سأكتفيْ بعرض رسالة وصلتني من عُمر .. شاب عُماني درَس في كندَا ويعملُ حالياً في عُمان .. يتحدّث عن تجربتهِ الشخصيّة التي شهدها في العمل الخيريّ بكندا .. يقولُ عمر في رسالتهِ ..

( حينَ جئتُ إلى كندا قرأت مرة في إحدى الصحف أن الحكومة سجلت عمل 99.2% من الكنَديين في العمل الخيري في الصيف وحقيقة لم أصدق ذلك الرقم إلا حين أتاح لي الزمن فعلا العيش بين هذا المجتمع ومراقبة سلوكهِ ..

في كندا يتم تعويد الطفل على العمل التطوعي في الصيف ، ولذلك ينشأ الطفل منذ صغره وهو مبرمج على هذا العمل كل صيف .. لديهم مؤسسات لإدارة العمل الخيري وشركات ضخمة لاستيعاب المتطوعين.

في جامعتي ورغم أنها جامعة حكومية إلا أن أغلب المنشآت التي تبنى في الجامعة يتم بناؤها بتمويل مالي من شركات كبرى تخصص جزءا من ريع أرباحها للعمل الخيري

في كندا عشرات المتبرعين لتمويل دراسات الدكتوراه والماجستير مجانا للطلاب وتمويل مختبرات أبحاث ودراسات ، مثلا رجل عجوز وزوجته.. أو رجال أعمال يقدمون هذه التبرعات لآلاف الطلبة المستفيدين) ويختِمُ عمر حديثهُ بالقولِ ( لقد أحزنني فعلا أنه على كثر عدد رجال الاعمال والمستثمرين في عمان لا يوجد سوى اسم أو اسمين في الساحة فقط من الاثرياء ممن يقومون بطرح بعثات للطلاب المحتاجين ولم أسمع من قبل عن رجل أعمال عماني خصص جزءا من أرباحه لتمويل بحوث علميّة أو دراسات في الوقتِ الذي استغربت فيه من جريدة اقتصادية أجنبية ابرزت مسحا للتطور الاقتصادي في دول الشرق الأوسط أظهر أن عُمان تنمو اقتصاديا بنسبة 89% سنويا وأن هنالك 350 مليونيرا في عُمان ... هل تصدقين ذلك؟ )

انتهَت رسَالة عمر.. بعدَ رسالةِ عُمر تصادفَ أن شقيقيْ الطالب الجامعي الذي يستأجر غرفة ً في إحدَى بيوت الخوض أخبرني أنّ صاحبَ البيت قالَ لهم أنّ امرأة ً مطلقة كانت تقيم في تلك الغرفَة مع 4 من أطفالها! تخيّلوا .. امرأة تعيشُ مع أطفالها .. تطبخ ويأكلون وينامون في غرفَة واحدة مساحتها 3في 4 متر ! هذه المرأة أينَ هيَ من انتصَارنا لحقوق المرأة العُمانيّة؟ وأين هي من مساعدة شقيقاتها نساء الأعمال العُمانيّات "الثريّات"؟

لماذا لم يُخلق حتى اليوم تجمع من محامية أو اثنتين أو ثلاث أو عشر ممن يتخرجنَ سنوياً وفكرنَ في أن يخصصن جزءاً من أنشطتهنّ للعمل المجانيّ لنساء فقيرات يجهلن كيفَ يطالبنَ بحقوقهنّ؟

أو مهندسين معماريين أو مدنيين من أصحاب شركات البناء ومقاوليها يخصصونَ جزءاً من العمل الخيري لتصميم خرائط أو متابعَة بناء أملاك لأسر فقيرة تؤويهم ولو تحت سقف كرفَانة !

أمرّ معَ أمي على مزرعَة كبيرة تتعدّى مساحتها كما تظهرُ الألف متر بمئات النخيل .. تشيرُ أمي بإصبعها إليهِ وتقول لي: اسم المزرعة (بستان ديت كفن) أستفهم عن سببِ تسمية المزرعَة بهذا الاسم فتقولُ لي أنّ صاحب هذه المزرعَة الذي توفي قبلَ 30 عاماً نذر هذا البستان ليتم "طنيُ" نخيلهِ والتبرع بريعهَا لشراء الأكفان للناس .. وصرف ما يتبقَى منه للفقراء ..

اليوم .. أينَ نحنُ من ثقافة "الوقف الخيري" للتركة .. نقبض في كثير من الأحيان أوقافاً من هنا وهناك .. لأناسٍ رمّوا في التراب لكنّهم خالدُون بيدهم الطيبَة .. هؤلاء هم أجدادنا .. أميُون .. لكنهُم امتلكُوا الوعي فعلاً للأخذ بيدِ المجتمع.. ليتَ أبناءهم وأحفادهم بشهاداتهِم العلميّة ولغاتهم ودراساتهم يفعلُون مثلهم .. وليتَ حكومتنَا كما فتحتِ الباب أمام أبنائها ليستثمروا في أرضها ويرفعُوا رصيدها اقتصادياً ليتها تفتح الباب واسعاً للاستثمار في العمل الخيريّ والخروج من بوتقَة الجمعيّة الخيريّة الواحدة إلى عشرات الجمعيات التي تشتدُ المنافسَة بينها لمستفيدٍ واحدٍ هوَ المجتمع ..

لا أريدُ أن أتطرّف في آرائي وأطالب الجميع بأن يصبحَ "سوبر" في العمل الخيريّ ولا لا أريدُ أن أكتب بعاطفيّة لأستدرَ شفقَة أحد .. ونعَم ، أعرف كم يرزح شعبنا تحت طائلة الديُون وارتفاع الأسعار واللهاث خلفَ تدبير لقمَة العيش اليوميّة .. لكنْ إن لم ألتفت أنا ولم تلتفت أنتَ ولم يلتفتوا هم لفقرائنا المنكسرينَ بهمّ العَوز والفقر ، فمن يلتفتُ إليهم؟ وإن لم أكتب عن فقرَاء مجتمعي فعمّن أكتب؟ أشعلوا النور جميعاً يا أصدقاء .. لنبصر العمل الخيريّ في بلادنا وينكسَر ظلامُ هؤلاء المنسيين تحتَ شبح الفقر !

تعليقات

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  2. من خلال تجربتي في العمل الخيري بولاية البريمي ، ثقافة المجتمع لدينا تكاد تكون معدومة فيما يتعلق بالعمل الخيري ، تصوري في احد الملتقيات وبحضور 500 فرد ، تم توزيع استمارات لمن لديهم الرغبة للتطوع للاعمال الخيرية ، كانت النتيجة بخيبة جدا ، شخصان فقط من خمسائة من ابدوا استعداهم في المشاركة والمساهمة في الاعمال الخيرية ،
    واكشفت من خلال هذا العمل أن الجميع يدعي الحاجة والفقر حتى الميسور ماديا ربما خوفا من الحسد :)
    ودمتي بخير ،،،،
    عادل عبدالله

    ردحذف
  3. الكاتبة الشابة : عائـشة السيفية..

    وصلت إلى درجة من الأحباط بحث انني أصبحت لا أتمالك نفسي وأنا أسمع واشاهد حالات البؤس في هذا الوطن..
    سيدتي:
    سأقوم بإيصال رسالتك هذه والتي قبلها إلى احدى منظرات ندوةالمرأة العمانية
    سألتقي بها في الجنة..
    لا مكان للعمل الخيري سوى حالات واسماء تتكرر
    لا تكافل اجتماعي بيننا
    على الاسر المعدومة أن تنتظر معونة مؤسسة الشيخ سعود الخيرية وبطاقات رصيد من قافلة النورس..

    حتى الرجل الطاعن في السن الذي كان يخترق ليل حارتي
    هو وسائق سيارته الكبيرة ليسلم الأسر الفقيرة بضع ريالات اختفى
    أذكر انه عندما كانوا يسألونه عن اسمه ..وظيفته..من يكون : لم يكن يجيبهم!
    ومن باب الفضول قمت بتسجيل رقم سيارته الفارهة
    وطلبت من أحد اصدقائي أن يمدني بتفاصيل هذا الرجل
    لكن لا اثر لسيارته
    عدت وسجلت رقم سيارته مجددا
    لكن احدا لم يجد له أثرا!!
    هل ارسلته السماء؟!
    شكرا جزيلا عائشة..

    ردحذف
  4. للأسف إذا تـم عرض إحصائيـات للعمـل الخيري في عمان فأظنُّ أنها سوفَ تكـونُ مخيِّبـةً ومخزيـة ..!!

    أحـزنني مـا ورد في مقـال خاصّةً قـول أحدهم " أنّه حتّى في الكـتابـة شحاتـة"
    أيُّ تخلُّف هذا .؟!
    واخينـا الآخر صاحب البورش ويقول " ما محصل تمرة في بيتنـا" جاحد النّعمـة!!

    في الحقيقـة لم استغرب مـن الإحصائيّة التي تقول أنّ 350 مليونيراً في عمـان .. بل أتوقّع أنّ الرقم هو ضعف ما هـو عليه
    ولكـن أينَ هـم ..؟!
    للأسف يختفـونَ عندمـا يسمـعون قصـة عمل خيري ..
    بالصدفة الأمس كـنت في المدرسـة ورأيت علب كثيرة من المناديل الورقيّـة .. فأسمـع المدير يقـول بأنّ هذهِ العُلب تبرَّع بهـا " بـهـوان " لكي يكون في كل صف علبة على الأقل .. ففرحـت ولكـن تسآءلت .. أليس هُنـاك إلّا رجل مليـونير واحد يقوم بهذهِ الأعمـال ..؟! أليس هُنـاك رُجلٌ مليونيـر مثله يقوم بتوزيع تبرّعاته وصيانـة المدارس والمساجد ..؟!

    للأسف ثقـافـة غريبـة تسـودُ مجتمعـنـا ..!! وهي المـال والمادّة
    عـمـومـاً .. نسألُ الله المغْفِرةَ للجمـيع ..!!

    ومقـالاتُكِ دومـاً مميَّزة أختي

    دمـتي

    ردحذف
  5. السلام عليكم


    CAES@squ.edu.om


    مودة؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

قلْ لي أنت تعمل في الديوَان.. أقل لك كم جنَيت؟!

جارنَا أبو أحمَد .. الذي أخبرتكُم عنهُ ذات مرَّة .. الرّجل الصادق الصدوق الذي نذرَ نفسهُ ومالهُ في خدمَة الناس .. كانَ كلّما أخرج صدقة ً أو زكاة ً للناس .. جاءهُ أناسٌ أثرياء آخرون يطالبُون بنصيبهم من الزّكاة .. وذلك لقولهم أنّ أبا أحمد يوزّع معونات يصرفها الديوان لهؤلاء الفقراء .. يأتون طارقين الباب مطالبين بحقّهم قائلين: نريد نصيبنا من فلوس الديوان .. ورغم أنّ أبا أحمَد لم يتلقَ في حياتهِ فلساً لا من ديوَان السلطان ولا ديوَان هارون الرشيد .. إذ بنى نفسه بنفسه .. فامتهنّ كل المهن البسيطة التي لا تخطر على البال .. بدأ عصامياً وانتهى .. لا أقول ثرياً وإنما ميسور الحال .. أذكرُ أنّ امرأةً أعرفها وهي من قبيلة البوسعيد .. وهي من العوائل التي تستلم نهاية الشّهر راتباً شهرياً بثلاثَة أصفار لا لشيءٍ سوَى أنها تقرب لفلان العلانيّ الذي يشغل منصب مدير دائرة الصحون والملاعق في الديوان الفلاني أو البلاط العلاني وهي أيضاً "تصير ابنة عم ولد زوجة خال الوزير الفلاني" ذهبت تشتكي مرةً من أنّ أبا أحمد لابد أنه يتلقى مبالغ أكثر منها من الديوان فلا هو ابن سفير ولا ابن أخت زوجة الوزير ولا هو من أص