التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عن ندوَة المرأة.. وهذيانات "حريميّة" جداً !

لم تتم إجازَة المقال للنشربالجريدَة
.
.
عائشَة السيفيّ
أراجعُ مع رئيسيْ في العملِ بعضَ الحساباتِ فيدخلُ مهندسٌ من دائرَة أخرى ليقدّم ورقَة لرئيسي قائلاً : خذ ، هذا قرار جديد صادر مطلوب توقيعك .. أطالعُ القرار بفضول فيقدّمه ُ رئيسي في العملِ لي فأقرأ في القرار ..أقر أنا الزوج( ..... ) بعدم ممانعتي لخروجِ زوجتي ( ....)من البيت في الساعة (..) وذلك يوم ( ..) متوجهة ً إلى (.... ) مع عودتها في الساعة (.... ) فيما انفجرَ المهندس ضاحكاً بالقول : هذا القرار من إفرازات ندوة المرأة !يغادر المهندس فيدخل آخر ويقرأ القرار "المفتعَل" ضاحكاً ويقول : هذا بو تستاهلنه ، الدخول والخروج من البيت بتصرِيح .. عب نحن الرجال من يسوي لنا مؤتمرات؟ حينَ عدتُ إلى طاولتيْ سألني زميلي في المكتب المجاور: عائشَة ، يعني بشو طلعتن من هالمؤتمر؟ ، ظللتُ طويلاً أفكر ثمّ أجبت : يا ود الحلال لا تستعجل ، القادمُ أجمل !
(***)
بعد انقضَاءِ الندوَةِ بأيام اتصل بي زميلٌ صحفي ليسألني ما رأيي في ندوة المرأة وهل أدّت دورها المعوّل عليه؟ فأقولُ لهُ : والله ما المسؤولُ بأعلم من السائل ! بعدَ مقالي الذي كتبتُ فيه عن صديقاتي المجهُولات بعث لي أحدُ الكتّاب العمانيين قائلاً : ( مقالك جميل يا عائشة لكن قولك في المقالِ أنّ الندوة تعقدُ على جانبٍ عال من المستوَى والحرفيّة .. هذا عليهِ كلام! ) .. قلت له : (لماذا؟ هل تريدني أن أشتم بها وهي بعدُ لم تبدأ؟ ) فردّ قائلاً : ( لم يطلب منكِ أحدٌ أن تشتميها لكن أحداً أيضاً لم يطلب منكِ أن تتملقيها ! ) ..
(***)
مضَى أسبوع وأسبوعان وآخران غيره بعدَ الندوَة .. وأنا أفكّر .. ما الذي قدمتهُ لي الندوَة كفتاة عمانيّة؟ ما الذي استفدتُ أنا منهُ كمواطنة عمانيّة بعيداً عن كل المسميَات الثقافية التي قد تحضر معي.. ما الذي من الممكنِ أن تغيرهُ هذه الندوة في حياتيْ أنا كفتاة عمانيّة تعيش على هذه الأرض كأيّ امرأة أخرى هي إيمان أو فاطمة أو علياء !وما الذيْ خرجتْ منهُ نساؤنا المدعوّات للندوة .. بملابسهن المكويّة النظيفة وعباءاتهنّ المزركشة .. وحقائبهن غالية الثمن .. وبأناقتهنّ التي تشدُ المشاهد وهوَ يطالعهنّ في شاشة التلفزيون التي تنقلُ تفاصيل الندوة أولاً بأول.. من حضر من النساءِ العمانياتِ للندوةِ! ومن غاب أو غُيِّبَ عنها؟

حسناً .. ظالمٌ جداً القول أن الندوة لم تخرج بتوصيات جيّدة جدا..ومن الظلمِ بمكان أن نحكم بفشل الندوة من نجاحها .. لأن نجاحها يقاسُ على المدى البعيد .. وأي نعَم ، الحَاجة موجودَة لهكذا ندوات .. وهي كأوّل ندوة تعدّ بداية موفّقة لاستصدار قوانين وحقوق جديدة تخصّ المرأة ودورها في المجتمعِ سياسياً واقتصاديا إلخ..

لا أودّ أن أكون متطرفَة في آرائي .. مستعجلَة في أحكاميْ .. وهجوميّة .. لكننيْ حزينَة .. حزينَة لأنّ ليس باستطاعتي أن أقدّم لنسائنا العمانيّات المهمشات أكثر من كلمة في جريدَة أو مدونة .. وحزينة أكثر لأن المرأة نسيَتِ المرأة.. ولأن الندوة أقيمت بنسائها المدعوّات "بالبطاقات" فقط !
حزينَة .. لأنّ "وطني حزينٌ أكثر مما يجب" .. ونساؤهُ كذلك ..
ثمة كلام ينبغي أن يقال.. لعلهُ هذيان .. لعلهُ أدخنة مجنونَة صعدت في الهواءِ واختفت.. هنا هذيانُ امرأةٍ عن ندوَة المرأة ..

(***)
يحدثنيْ أخي القاطن في إحدى بيوت الخوض المستأجرة التي يقصدها طلابُ الجامعة عن المرأة القاطنة جوارهُم .. التي كثيراً ما يسمعُ صراخها وزوجها ينهالُ بالضرب عليها .. ترى هل عرفتْ تلك المرأة بأنّ ثمة ندوة في الجوار تقام لتكريس حقوق المرأةِ العمانيّة؟ ترى لو عرفت هل كانتْ وقفت وسألت: أيها المجتمعون؟ أينَ حقوقي أنا؟
ليت الندوَة خرجتْ ولو استناداً على أرشيف قضايا العنف في المحاكم بقراراتٍ تخدم المرأة العمانيّة المعنفة.. مثلاً خط ٌ للتبليغ عن حالاتِ العنفِ والاعتداء الجسدي والجنسي .. خطٌ ساخنٌ يستطيعُ من خلاله أي فردٍ أن يؤدي دورهُ في حمايةِ امرأة مستضعفة يعتدي عليها زوجها أو أخوها أو أيّ شخصٍ آخر ..سألتُ قبل أن أكتبَ هذا المقال الكثيرين إن كانَ ثمة وجود لمثل هذا الخط فنفى الاغلبية..
فإن كان هذا الخط موجوداً .. ألا يستحق أن يروّج له في الشوارع والمحلات والواجهات التجاريّة؟إن كانت هؤلاء النساء المُعتدى على حقوقهنّ مجبرات على السكوت أو عاجزاتٍ عن كسر خوفهنّ فلماذا لا نترك للآخرين المجهولين فرصَة التبليغ عن حالاتهنّ الانسانيّة دونَ أن يعرفَ أحدٌ بهويّة المبلّغ؟
ولماذا لم تكلّف أي من نساء المجتمع البارزات نفسها بتكوين جمعيّة حقوقيّة للدفاعِ عنهنّ مجاناً؟ مجموعة محاميّات أو قانونيّات مثلاً ! أو تشكيل لجان توعيَة للنسَاء اللاتي يجهلنَ حقوقهنّ في ضمان معاملة كريمَة لهنّ..
(***)
قبلَ عامٍ من الآن.. لم يكنْ حديث النساء الشاغل في مدينتنا سوى عن المرأة العجوز التيْ استنكرتها جاراتها صباحاً وحين ذهبن إلى بيتها وجدن العجوزَ غارقة في دمائها بسبب اقتحام أحدهم لمنزلها واغتصابهَا .. العجوز العمياء تعدّت التسعين من العمر.. حملتها جاراتها بجسدها المليء بآثار العنف والكدمات التي أحدثها ذلك الحيوان البشري وغطينَ آثار الدماء وحملنها للمستشفى ليخبرنَ الأطباء أنها سقطت ودونَ أن يكلفَ الأطباء نفسهم بتفحصِ صدق تلك النساء من كذبهنّ منحوها سقايَة وانتهَى الأمر ..
أذهب مع أمي لزيارة إحدى قريباتنا فأسمع امرأة تقول لأخرى: سمعتِ ما حدث للعجوزِ فلانة؟ فتجيبُ الأخرى: نعم سمعت بس تراها ما أول مرة تصير لها!امرأة في التسعين من العمر .. لا ابن لها ولا ولد.. سوى أخٍ كان يسمحُ لها بالنوم ليلا في بيتهِ إلا أن تبوّلها اللا إراديّ جعلهُ يرفض استقبالها حتى لترفِ قضاء الليل في حمايةِ بيتهِ ..من يحميْ هذه المرأة؟ ومن يؤمن لها حياة كريمة في مشيبها؟
لماذا لا تؤجد ملاجئ لمثل هذهِ النساء الوحيدات.. كنتُ سألتُ قبل ذلكَ إن كانَ ثمة وجود لها فسمعتُ أن ثمّة ملجأ لكبار السنّ لكنهُ غير معلن حتى لا يشجّع الأبناء على عقوق آبائهم وأن استقبال نزلائه يتم بقرار وزاريّ شخصي ..والسؤال.. هل سيفكّر ابنٌ على وضعِ أبيه في ملجأ إن لم يكن عاقاً بالفعل؟ ، فلماذا لا نضمنُ لهم على الأقل أدنى مستويات العيش الكريم في آخر سنين عمرهم؟
لماذا ننكل بهم تحت رحمة ابنٍ عاق!وهذهِ المرأة المقطوعة من لها؟ ومن يتكلّم باسمها؟ هل ترى فكّرت أي من النساءِ الجميلات المتأنقاتِ وهن يحضرنَ تلك الندوة ويناقشنَ وضع المرأة اجتماعياً أن حالاتٍ كثيرة كهذه المرأة موجودة في مجتمعنا تحتاجُ أصواتهنّ ومساعدتهنّ؟
(***)
بعد الندوةِ بأيّام اتصلتْ بي معلمَة وهي تكادُ تبكي محتجة على قرارٍ وزاري صادر بإلغاء إجازة مرافق مريض وبدلا منها تحديد 5 أيام كإجازة طارئة كحدٍ أقصى..المعلمَة التي يعاني اثنان من أطفالها من فقر الدم الحادّ ودعتني بسؤالٍ متعبٍ جدا وهي تقول: "أولادنا يا عائشة شو نسوي بهم؟ كيف تطالبني وزارة التربية والتعليم أن أخلص في عملي وأذهب للمدرسة وأدرّس طالباتي حصّة ولا أروع .. ولدي طفل صغير يرقدُ في المستشفى يتلوّى ألماً؟"
كنتُ أفكرُ أن القرار لم يخرج إلا لأن كثيرين أساؤوا استخدامَ إجازة مرافق مريض ، لكن يا جماعة.. امرأة عاملة لديها ثلاث أو 4 أطفال.. ألا تعتقدونَ أن 5 أيام إجازة طارئة هو قرارٌ مجحف لكل أمٍ لا يمرُ العام دونَ أن يمرض أطفالها مرتين أو ثلاث في السنة ..
أليسَ هذا محاربَة لأمومَة المرأة العاملة؟ ترى ما الذي استفادت منهُ عشرات الأمهات المعلمات من ندوة المرأة التيْ خرجَ القرار بعد انتهائِها بأيام؟ما الذي قدمتهُ ندوة المرأة للأم العمانية العاملَة التي لا تملكُ ساعَة رضاعة يوميّة كالتي تملكها نظيراتها الخليجيّات وأقربها البحرينيّة مثلاً؟
(***)
قطعَ علي كتابة هذا المقال اتصالٌ من صحفيّ .. سألني هل أنتِ مشغولة؟ قلتُ له أكتب ردهات عن ندوَة المرأة! فقالَ لي: لديك تحفّظات؟ .. قلت له نعم.. فقال لي: يا ستي لا تكتبي .. أنت أكبر مستفيدَة.. كل 17 أكتوبر من كلّ عام سيقيمون أمسية شعريّة وسيدعونك لإحيائها وستربحينَ من خلفها نقوداً ! ما الذي تريدينهُ أكثر من ذلك؟
(***)
جميلةٌ تلك الندوة .. ظهرتْ فيها نساؤنا العمانيّات مبتهجات.. سعيدات بالنقاشات فيها.. ظهرت الطاولاتُ أنيقة ومهندمَة والأضواء هادئة والديكور جميلٌ للغاية.. كانَ كل شيءٍ جميلاً جداً ومشجعاً على التقاط الصور ونقلها في التلفزيُون .. لكنّ فاطمَة التي تحمل بطاقة شخصيّة غير مختلفة عن المدعوّات وتحمل جواز سفر عمانيّ ككل المشاركاتِ في الندوة ..
كانت لا تزالُ تتعرضُ للضرب من زوجهَا.. والعجوز التيْ اغتُصِبت .. عادت إلى بيتها الطينيّ بينما مغتصبها يسيرُ ربما أمام البيت يومياً دون أن يعرف أحدٌ أنه من اعتدى عليها.. والمعلمَة تلك واصلت طريقها إلى مدرستها وطفلها الصغير راقدٌ في المستشفى .. والندوَة انتهتْ وعادت المدعوّات كلٌ إلى حياتها.. حضرَ كلّ شيءٍ في تلك الندوة.. وغابتِ المرأة العمانيّة التي لا يعرفها أحد .. تلك المخفية في حواري القرى .. وأزقّة المدن.. تلك التي لا تملكُ عباءة مكويّة لتظهر بها أمام عدساتِ الكاميرَا !

تعليقات

  1. اهات في ردهاتك
    يبدوا لي اننا نعيش في مجتمع كرسته العولمه لبناء ممالك متفرقه كل واحد فينا لا يشعر بنزف الاخرين
    نحن جميعا نصنع ماسينا و نطبل عليها
    مجتمعنا يأبى ان ينخرط في العمل الاجتماعي الذي يحفظ لنا حقوقنا
    مجتمعنا ينتظر من الحكومه ان تصنع لنا كل شي .... و نحن فقط نراقب
    للمرأة حكاية و لن ينقذها من براثن المتسلطين سوى اختها المرأة العامله في القانون

    متابعين دوما

    دام مسعاكم للخير

    alshuaili.blogspot.com

    ردحذف
  2. عائشه

    مقالك اصابني بالاكتئاب

    سمعت ما بزيد عن خمسين قصه عنف ضد المراه ف الاسبوع المنصرم

    نحتاج الى ان نفكر برويه لبغض الوقت

    العلاج يبدا منا كنساء انا و انت و الاخريات

    نعم . لن يشعر رجل بما يتجرعن من مراره كما سنشعر بها نحن

    بالفعل اتمنى ان يكون القادم افضل

    كم اتمنى ذلك

    ردحذف
  3. استغربتُ من عدمِ وجودِ مقالكِ اليوم
    وعندمـا قرأته هُنـا طبعـاً عرفتُ سبب عدم الموافقـة على نشره وخاصّةً في هذا اليوم ..


    والله أنتنّ النسـاء ينطبق عليكنَّ مثل " لا يعجبكن العجب ولا الصيام في رجب" - وعُذراً هُنـا -

    عـمـومـاً النّدوة كان هدفهـا سطحي وشكلي .. وهذا كان معروف منـذُ البِدايـة
    أمّا نتائجُهـا فإن ظهرت فسوف تكون على المدى البعيد فلا داعي للعَجلة ..

    ردحذف
  4. وهنا هل نستطيع القول أن الندوة لم يتم الإعداد لها بشكل جيد
    أم أن المواضيع التي طرقت سطحية في أغلبها بعيد عن الجروح الحقيقية التي ذكرتيها
    للمرة الأولى يروق لي مقال لك مع أني أميل لشعرك أكثر مما قسم الله
    دمت بنقاء الكتابة

    ردحذف
  5. لا شيء يا صديقتي..
    فقط حزينة كالوطن..

    ردحذف
  6. أبكتني العجوز يا عائشة ! أشعر أن قلبي سينفطر لأجلها !
    لا شيء يؤلم قلبي قدر ما يؤلمه منظر إمرئ بلغ من الكبر عتيا ، يمضي الليل وحيدا والنهار معزولا في زاوية بلا ضوء !
    وهي عمياء أيضا !
    إلهي ما أقسى قلوب بعض البشر ! وما أشد وقع الأذى حين ياتي متلبسا ألم الغربة بعيدا عن قلب قريب !

    أي أخ ذاك الذي ترك أخته وحيدة بلا ونيس ولا جليس في بيت طيني وهي عمياء؟!

    وأي ذئب ذاك الذي فعل إجرامه ومضى ؟!!

    ربي رحماك .

    شكرا عائشة ، من الوجع نحن نقتات الحب

    ردحذف
  7. ( فقال لي: يا ستي لا تكتبي .. أنت أكبر مستفيدَة)
    إذا من سيكتب؟!
    كباتن الأعمدة في صحف الوطن :الكابتن محمّد والكاتب المستجد العقاري: الكلباني؟!
    وسيتكفل مايسترو الاعلام بإستضافة متعهدات الندوة في برنامجه الذي يخيف اشباح الليل في بيتنا!

    قالوا لنا أغلقوا المدوّنات..لا تنتقدوا رموز الوطن ..قدسوها..أنتم تسيئون للوطن
    تشتمون الوطن!
    قالوا لنا: التدوين فوضى.

    علينا ان نتجهز لمادة دراسية ومقرر جامعي يحمل اسم:
    المرأة في عمان..
    مثاليون حتى في التنظير..

    سلام يا وطن الندوات
    وطن اللجان..
    وطن الفقراء..

    --شكرا عائشة-

    ردحذف
  8. جميل يا ستي

    ولكن .. تبقى ولكن !!

    فعلا حريمية جدا

    ردحذف
  9. ما يغيظني اكثر من ذلك.. صوت ذلك المذيع
    عندما يقول "أمة تصنع المعجزات"
    ثم يستشهد بمنتخب كرة القدم و بطل رفع الاثقال

    فعلا .. أخي موسى البلوشي

    وطن الندوات
    وطن اللجان..
    وطن الفقراء..
    ووطن لانحصل فيه على حقوقنا الا بأوامر سامية..

    أطال الله عمرك يا سلطاننا

    ردحذف
  10. يا إلهي
    كامرأة .. أحزنني ما قرأت هنا أكثر

    أحزنني جداً كعمانية...

    ردحذف
  11. سنظل نطبل عن حقوق المرأة.......

    ردحذف
  12. و الكثير الكثير (من البلاوي المخفية )عزيزتي ..


    ( ربما) نكون متسرعين فالنتريث يا عائشة ..

    ردحذف
  13. ننتظر الاحتفال القادم للندوه لنرى ما ستأتي بها من توصيات معتمده على بعض النقاط الى ذكرها المقال

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق