التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عن الفقر .. بطريقَة عُمانيّة جداً (1)

لا أملكُ إلا أن أتضامَن مع الاخوَة المصريين في مطالباتهِم المشروعة بإزالَة حسني مبارك عنْ سدّة الحكم ..

لا ألُوم هذا الشّعب ، لأنّ هذا الرجل حوّل خلال ثلاثَة عقود أو يزيد من حكمهِ حوّل الشعب المصريّ إلى صيّادين للمال .. يتبعُونه أينمَا حلّ .. وبعدما كانَ المصريّ يُحسب حسابهُ وتُدرك قيمَته قبلَ أربعينَ عاماً ، أصبحَ بلا قيمَة لأنّه مهان حتّى في بلدهِ ..

وبعدَ أن كانتْ مصر قبلَة العِلم من كلّ مكان .. أصبحتْ قبلَة كل من يفكّر في الحصول على شهادَة جاهزَة مدفُوعة القيمَة مسبقاً !

وأصبح المصريّ محلّ سخريّة في الأوطان العربيّة والأجنبيّة ضاربينَ به الأمثال في جشعهِ .. وأصبحُ كلّ من زارَ مصر يقولُ .. مصر جميلَة لولا شعبها ..

مبَارك نجح بذكاء غرِيب في إنشاء شبكَة أخطبوطيّة لا تقلّ تأثيراً عن أخطبوط بول .. فزجّ بالمثقفين في السجُون .. وحشرَ زبانيتهُ في كلّ مكان .. وجعلَ من نفسهِ رمزاً للديكتاتوريّة الدبلوماسيّة .. لأنّه جوّع شعبهُ .. ظهرَ أمامَ العالم وهوَ يطعمهم ومن تحتِ الطاولَة يمصّ كل جنيه منهُم ..

تذهبُ إلى كلّ بلد فتجدُ المصريّ هجر بلادهُ وامتهنَ أيّ مهنَة هارباً من شبح الفقر الذي يخيّم على شعبهِ .. يكدّ ويكدحُ متحملاً إهانَة الناس .. فلا قيمَة لشعبٍ لا قيمَة لهُ عند حكُومته.. يهتفُ المصريّ بصوتٍ مبحُوح : يحيَا مبارك .. ويعود لمنزلهِ ليكيل اللعنات لمبَارك .. يحلفُ باسمِ الرئيس أنّ الدنيا بخير .. وكلّما رأى كم نبذتهُ الدنيَا حلفَ بالله الخلاصَ من مبَارك ..

المصريُون المثقفُون .. الذي يقرأ عامل المترُو لنجيب محفُوظ تماماً كما يفعلُ المهندس والطَبيب .. ويتناولونَ الأحاديث السياسيّة والثقافيّة لأنها خبزُهم في تفريغ الهمُوم اليوميّة .. شعبٌ مصَابٌ بداءٍ اسمهُ مبَارك .. ومخدّر بمورفِين اسمهُ مبَارك .. وإذا مَاتَ حملَ نعشهُ إلى أقرب مقبرَة والسّلام ختَام ..

رئيس مُقدّس هو وأولادهُ وحاشيتهُ .. ينسبُ لهُم من الفضلِ ما ليسَ لهم .. حتّى الشعر أصبحُوا فيهِ .. والكرَة أصبحُوا فيهَا .. ولو كانَ بيعُ الفلافل يجلبُ الصيت والسمعَة لدخلُوا في صنَاعة الفلافل ! كلّ واحدٍ منهم يتعاملُ كأنّه الرئيس .. فصهرُ الرئيس رئيس ، وابنُ الرئيس رئيس .. وأخ الرئيس رئيس وزوجَة الرئيس رئيس .. وزوجَة ابن الرئيس رئيس .. وووو إلخ ..

شعبٌ نسَاه حاكمهُ فكيفَ تتذكرهُ الشعُوب الأخرى .. شعبٌ سرقَته حكُومته فكيف لا يسرقُ الشعوبَ الأخرى .. شعبٌ استعبدهُ حاكمهُ فكيفَ لا يستعبِدهُ العَالم؟! شعبٌ يتسوّل حاكمهُ حكومات الشعُوب الأخرى فكيفَ لا يتسوّل شعبهُ الشعُوب الأخرى؟

***

أتذكّر تلك الرسالة التيْ كانَ يتداولهَا العُمانيُون باستخفاف في آخر زيارَة لمبارك إلى عُمان .. وقدْ أخرج الطلاب من مدارسهِم لاستقبالهِ .. والرسالة تقول: " آلاف من العُمانيين يخرجُون للشوارع في استقبَال البقرَة الضاحكَة" في إشارَة إلى الرئيس مبَارك ..

كلّما رأيتُ حالَ المصريين قلتُ الحمدلله .. أقولُ الحمدلله وأنا أدعُو الله ألا يحلّ علينا يومٌ كما حلّ عليهِم ذلك اليوم الأسود الذي وصلَ فيه مبارك لسدّة الحكم وتعلّق عليهَا منذ ذلك اليوم بيديهِ ورجليهِ وأسنانهِ الطبيعيّة والصنَاعيّة وكل مَا أوتي من عزمٍ تملكهُ سنُونه العجُوز التي تتخطّى الثمانين عاماً..

هلْ سنصبحُ يوماً كما أصبح المصريُون ؟! نحنُ نمشيْ في طريقٍ موازٍ لهُم .. ولكنْ بنكهَة عُمانيّة وبيئة عُمانيّة .. وفقر عُماني بصنَاعة وإنتَاج عُمانيّ 100% وما أحلَى المنتج العمانيّ (ولو كانَ اسمهُ الفقر) .. الذي طالمَا كانَ اختيارنا الأوّل !

للحديثِ بقيّة . .

اقرأ أيضاً

عن الفقرِ .. بطريقَة عمانيّة جداً (2)

تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله،

    مع إحترامي الشديد لصاحبة المقال و المقال ذاته.

    و لكن هل تقارنين بين جلالة السلطان و الرئيس حسني مبارك؟ مع إحترامي له طبعا!

    هل تقارنين إنجازات السلطنه منذ 1970 منذ بوابة مسقط التي تغلق عند المغرب و لا يسمح بخروج او دخول أحد مهما كانت الظروف بواقعنا الحالي ؟
    و انجازات الجمهورية المصريه العزيزه ؟

    أحزنني هذا المقال و خاصة أنه جاء من كاتبة أكن لها أنواع الإحترام و أكن لمواضيعها الكثير من الإعجاب.


    دمتب بود (تحت ظل السلطنه الغاليه)

    ردحذف
  2. .. فزجّ بالمثقفين في السجُون .. """""وحشر"""""زبانيتهُ في كلّ مكان .. وجعلَ من نفسهِ رمزاً للديكتاتوريّة الدبلوماسيّة
    ============
    أنا ايش يخصني في الموضوع؟
    وبعدين خفي شوية.. لأنه هالحده تذكرني بواحد من الشباب الأصدقاء الفرقاء يتمشى حوالين هالموضوع ...  

    ردحذف
  3. كل ذو عقل يترحم لحال مصر .. وما ألت لها ...

    قبل مبارك ..
    كانت دور الموضة تتسابق ان تعرض اخر صيحاتها في مصر قبل باريس ..

    كانت معاهد الابحاث تخرج شباب بعقول متفتحه لا رؤوس تملائها الشيشة والمعسل ..

    كانت واصبحت ...

    اهات لا ترجع ما فات ...

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي