التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الإعلانُ العُمانيّ .. وقشرَة الموز !/ردُهات


عائشَة السيفيّ

ufuq4ever@yahoo.com

بعدَ أيَّام يفتتحُ معرضُ الإعلان في معرَض عُمان الدوليّ .. وأنتَ تقُود السيّارة إلى عملكَ وتعُود مجدداً لابدّ أن تصادفَ مرة ً أو مرتينِ على الأقلّ .. وصوتُ المذيع الأجشّ يعلنُ عن هذا المعرضِ ، خاتماً: الإعلان.. نافذتنَا إلى العَالم!

وأوّل ما يخطرُ في ذهنِ أيٍ منا .. هل يعدّ الإعلانُ –عُمانياً- نافذَتنا إلى العالم حقاً؟

سأقولُ لكمْ أنّي لستُ مستمعةً جيدةً للإذاعاتِ المحليّة لدينا في الراديُو .. لكنّ أياً منكم يستطيع خلال مسافَة قيادتهِ اليوميّة أن يحفظ الإعلانات التيْ تتمّ إذاعتها .. وأن يلقي النكَات عليها وهوَ بينَ أصدقائهِ ..

إعلانَات غايَة في الهزَالة .. متكررة الفكرَة .. تكونُ في الأغلب حوَاراً بين شخصين .. وحتّى الحوَار نفسه يفتقد لأسس العقلانيّة في التروِيج للمنتج .. إليكُم إحدَى الإعلانات التي قدّمتها إحدى شركات الاتصالات ..

صوت (1): تصدق اليوم طلعت بطاقة الانترنت الفلاني والهاتف الفلاني

صوت(2): مستحيل !! أنا اليوم كنت معك صباح وما كان عندك كل هالشي

صوت(1): أنا طلعت كل هالمميزات بزيارة وحدة لصالة العرض الفلانية ، إلخ! إلخ! إلخ!

صوت(2) (زاعقاً بطريقة مخيفَة) :مستحيل!! تتصفح الانترنت وتتحدث مع أصدقائك خلال دقائق .. أنا لازم بكرة أروح أقرب صالة عرض وأشترك معهم

***

أذكرُ أنّنا في أيَّام المدرسَة كنّا نقدّم اسكتشَات صغيرَة للغايَة أثناء الإذاعة المدرسيّة وأذكر أنّ الاسكتش كانَ يسيرُ على هذا النّحو: طالبٌ يمشي .. وآخر يأكل موز ويرمي قشرَة الموزِ أمام الأول فسيقط .. فيأتي آخر يشاهد المنظر ويذهب لنصيحة آكل المَوز .. ويقتنع آكل الموز ويعتذر من الأوّل .. وانتهَى الاسكتش !

هكذَا بالضّبط هي إعلاناتنا .. الإذاعيّة منها والتلفزيُونيَّة ..

حتّى على مستوَى الخلفيّات والتأثيرات الموسيقيَّة التيْ تبثّ مع الإعلان .. تأثيرات متكرّرة .. وأصوَات متكرّرة بل ومتكلفَة ..

حينَ يبثّ الإعلان بصوتِ فتاة .. تطالعنَا فتاة تمطّ الكلمات مطاً بطريقة متكلفَة للغايَة .. تنفّر المستمع أكثر مما تجذبه .. يتساءلُ المرء وهو يستمعُ إليها: هل تدركُ هذه الفتاة وهي تقودُ السيارة وتستمعُ كالآلاف منّا لصوتها ، تدركُ كم تتكلّف الدلع؟! وهل يدركُ عملاءُ الإعلان كم هوَ غير احترافيٍ إعلانهم الذي دفعُوا له أموالهم للترويج لمنتجِهم؟

***

صوت(1): أهلين يا أم خميس .. علامك كذا اليوم فرحانة ومستانسة

صوت(2): مستانسة عشان اليوم اشتركت بتأمين الحرمة الذكيّة

صوت(1): وشو هو تأمين الحرمة الذكيّة

صوت(2) : .......

صوت(1): يا سلاااااام عيل أنا بكرة بعد بروح أشترك ..

***

يعجبُ المرءُ وهوَ كلّما تخطّى دواراً أو دخلَ سكة ً طالعَ وكالَة إعلان .. أن تظلّ صناعة الإعلان لدينَا بهذا المستوَى المليان غبَار .. وألا يدركُ هؤلاء ما يحتاجُونه من أدواتٍ لصناعة إعلان مسمُوع يجذب المستمعَ تماماً كما يجذب المشاهدَ إن بثّ الإعلان ورقياً ومرئياً؟

***

تخبرنيْ صديقتيْ أنّ طفلها يبدأ في القفز مباشرةً حينَ يستمعُ إلى إعلانٍ لإحدى منتجات اللحوم العمانيّة لمجموعة أطفال يغنُون للترويج للمنتج مقتبسين لحن الإعلان الغنائي من مقطع لرسوم كرتون متحركَة مشهُورة .. فأبتسم أنا كذلك وأقول لها: أنا أيضاً أبدأ في الغناء معهُم ..

فرغم أن فكرَة الإعلان ليست جديدَة لكنّها على الأقل لا تشعرُ المستمع بالضجر .. وهي لا تتكئُ على حوارات فجة جداً وهشَة المضمون .. وأصوات متكلفَة للغاية .. إنّها فقط تقدّم ما يسلّي المستمع بطريقَة غير مفروضَة ..

ورغمَ بساطة الإعلان إلا أنّك على الأقل تستمتعُ بهِ وأنت تستمع إلى جوقَة الأطفال بمخارج حروفهم المضحكة وهمْ يغنّون ..

***

صوت(1): أوه فقدت فرصتي في الفوز

صوت(2) وهو يقرأ ما كتبَ في بطاقةِ السحب: حظاً أوفر في المرة القادمة!! ما هذا الهراء؟

صوت(3): فتاة كبيرَة تتقمص بطريقَة مثيرة للسخرية صوت فتاة صغيرة: إهئ إهئ فقدت السحب .. فقدتُ السحب

ثمّ صوت انفجَار كبير ، يتلوه صوتٌ متحمس للغاية يروج لإحدى إعلاناتِ السيارات التي تقدم الجوائز الرمضانية لكل عملائها دون الحاجة للدخول في سحب واحتكَار الفوز على عينة صغيرة

***

مضَى زمنٌ بعيدٌ منذ أيَّام كنتُ أصعدُ حافلة المدرسَة ، وأستمع كما الجميع في الحافلة إلى صوتِ الإذاعة.. وأعود إلى المنزل لأشاهد أولئك الراقصينَ في التلفزيُون العماني وهم يروجون بطريقة لا علاقَة لها بالمنتج لنوعٍ من الأنوَاع الشيبس في عُمان ..

وبينمَا كنتُ أستمتعُ بمتابعة الفَوازير لتقطعَها فجأةً فترة إعلانات .. وكنتُ أشعرُ بالضيق الشديد وأنا أنتظر عودة الفوازير بفارغ الصبر بينما تتوالى الإعلانات متشابهَة الفكرة والمضمون دونَ أن تحرّك فيَّ ساكناً.. إعلانات أصباغ، إعلانات عجلات سيارات، إعلانات بلاط إلخ..

غيرَ أنني اليَوم كلّما فتحتُ قنواتٍ عربيّة وأنا أتابع مسلسلي المفضّل .. لا تزعجني فترَة الإعلانات لأنّك تشعرُ فعلاً بحجم المستوى الذي وصل إليه الإعلان العربيّ وكيف استطاع تطويرَ نفسهِ في السنوَات الأخيرة ..

تبهركَ الصورة .. الموسيقا .. فكرَة الإعلان نفسها .. وكيف يتقمّص الكومبارس المشاركُون في الإعلان أدوارهُم في الإعلان ..

***

اليَوم بعدَ مرورِ حوالي عشر سنواتٍ وأنا أشاهدُ وأستمعُ لذلك الإعلان الذي يروّج لإحدى البنوك المحليّة .. لا أزال كلّما شاهدتُ الإعلان أستمتع .. فوضوح الصُورة .. والكومبارس يترنُمون بلحنٍ معيّن للترويج للبنك .. لا يزال ذلك الإعلان أكثر فعاليّة من عشرات الإعلاناتِ التي بثّت بعدهُ بسنواتٍ .. ليسَ لشيءٍ سوَى لأنّ أحداً لا يفرضُ عليكَ صوتاً ولا حواراً ولا فكرةً هشة ً للغايَة لا تثيرُ أكثر من ضحكِ العميل ..

***

وأنا أقودُ السيّارة .. وأستمعُ للإعلاناتِ .. أبتسم وأنا أتذكّر الطالبَ الذي يرمي قشرَة الموز .. وبعدَ ثانيتين يقتنعُ بسذاجة بخطئهِ ويعُود لالتقاطها واعداً بألا يعيدَ رميهَا مجدداً .. أتمنّى أن تأتي قشرةُ الموزِ هذهِ يوماً و"تزحلط" كلّ الإعلاناتِ المكرورة التيْ نسمعها كلّ يومٍ .. دونَ أن نشعرَ بالأسف لسقوطِ أحدٍ بهَا .. ودونَ أن يأتي أحدٌ لالتقاطها كلما زحلقتْ إعلاناً كالذي نستمعُ له كلّ يوم .. فمتَى تبصرُ قشرَة الموزِ الموعودَة النُور؟!

تعليقات

  1. مساءكـ
    مقال جميل وطرح اجمل الأخت عائشة ، أتفق معك تماما في هذا الموضوع ، إلا أننا لا ننكر جدلا وجود بعض الارهاصات لا علان ترويجي حديث يعرض في شاشاتنا يشابة ذلك المعروض في القنوات الاخرى ، كل ما في الامر نحتاج إلى إعادة (عصر) للعقول التي تعمل في هذا القطاع لا غير ، وستعود قشرة الموز !!

    ردحذف
  2. شكلك مرة متابعة اعلانات الاذاعات خخخ

    انا اعلان واحد بس اذكـره اللي هو لـ عملية الليزك ..

    حوار بين دكتورة ومريضة بس النكتة العبارة الاخيـرة ا
    نها قامت بأكثر من 45 الف عملية ناجحة

    تو لحقت تسوي كل هالعمليات كم عمرها عيـل؟ ومن كم سنة بدت تعمل العمليات؟!!

    ردحذف
  3. عَوْدًا حـميْـدًا يَـا عـائِشَة !
    عَودَةٌ بِمقالٍ جدًا رائع !

    ولكن للأسفِ هُنا يحْتاجُ هذا المقَالُ إلى عَينٍ تقرأهُ من عيونِ المسؤولينَ الذينَ يتربّعونَ على عرشِ الإعلام العُماني الباهت !
    فلو تطورَ الإعلامُ فبلا شكٍ سيتطورُ الإعلانُ والصناعة الإعلانيةُ في البلادِ

    ودّي

    ردحذف
  4. عائشة...
    أتفق معك وأختلف..
    كل الاشياء مترابطة.. مستحيل تجدي إعلان متقدم يقدمه إعلام متخلف.. والعكس صحيح
    مستحيل تجدي بلد فيه التعليم ممتاز والإقتصاد ضعيف.. مستحيل تجدي بلد فيه ثقافة حقيقية واستبداد سياسي..
    الإعلان مثل كل شيء معنا.. بدون طعم ولا لون ولا رائحة..

    ردحذف
  5. جميلٌ جميلْ !

    طرحٌ مهمٌّ للغايةِ !

    عندما أشاهد الإعلان العُمانيّ للأسفِ أحسُّ بالجفافِ في النبض .. ولا أريد أن يستمر الإعلان حتى النهاية كي لا أتقيّء أسفاً !

    بارك الله فيكِ وسدد خُطاكِ

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق