التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عن "بلدنـَا الحلوة" !/ردُهات


عائشَة السيفيّ

ufuq4ever@yahoo.com

سألنيْ زميلي الأوروبي في العمل : عن رأيي في وادي شَعب؟ .. قالها بالانجليزية فطلبتُ منه أن يكرر الاسم مجدداً .. وحين أعاده، كنتُ أتساءل إن كنتُ قد سمعتُ بهذا الوادي من قبل أم لا ! زوجتهُ قدمت من أوروبا في إجازة قصِيرة .. بعد بضع زياراتٍ قصيرة .. وكلما أتت إلى عُمان تبدأ في التجوال ولا تعود لمسقط إلا إلى المطار .. الوادي الذي سألني عنه زميلي.. لم أعرف حتّى أين موقعه في السلطنة! وحين استعنتُ بصديق الجميع جُوجل .. اكتشفتُ أن هنالك كومة وديَان بهذا الاسم في مناطق مختلفَة من الوطن العربيّ .. وشعرتُ بالخجل الشديد وأنا أجيبُ زميلي قائلة ً .. أنني للأسف لم أزره .. فأعقب قائلاً : أن أصدقاء زوجته نصحوها بالذّهاب إليهِ .. فهوَ جميلٌ للغاية .. وأنا ظللتُ أفكّر .. أينَ سمعتُ بهذا الوادي من قبل؟

زميلي هذا ذهبَ عدة َ مراتٍ للجبل الأخضر برفقة زوجتهِ أحياناً أو مع أصدقائهِ .. يقولُ أنهُ تسلقَ الكثير من جبال عُمان .. وهوَ معتادٌ كل اسبوع على أن يحمل دراجته برفقة أصدقائه والقيادة بالسيارة إلى معلم طبيعي معيّن .. ثم التجوال هنالك بالدراجة ..

لا يعرفُ زميلي هذا أنني رغم أني من نزوَى والجبل الأخضر تابعٌ جغرافياً لنزوَى .. إلا أنني لم أذهب إليهِ يوماً .. ومن المؤسفِ جداً أيضاً أنني لم أدخل قلعَة نزوَى التي تقع على بعد رميَة حجرٍ من بيتي منذ ما يقرب على العشر أعوام ..

ولكنّ أغرب ما في الأمر حينَ بدأ زميلي يحدثنَا عن أنّه يعتبر عُمان أجمل الأماكن في العالم التي جرّب فيها تجربة الغوص .. فهو يذهبُ كلّ جمعةٍ للغوص مع مجموعة من الأصدقاء .. بالقربِ من جزر الديمانيّات ..

بدأ يحدّثني عن السلاحف الجميلة التي يقترب منها تحت الماء .. تمضي سابحة ً وخلفها سربٌ من صغار السلاحف تتبعهَا .. عن الحيتان الصغيرة والدلافين .. وكيفَ يمضي جمعتهُ مستمتعاً بالطبيعَة البحريّة العُمانيّة الجميلة ..

منذ أيّام قدمت زوجتهُ إلى عُمان .. وفي الوقتِ الذي كانَ زميلي يمضي ساعاتِ دوامهِ كانت زوجتهُ تخرجُ فجر كلّ يومٍ منذ قدمت لعمان .. لتمارس الغوص أيضاً .. وحين التقيتها بدأت تحدثنيْ كيفَ كانت تشاكس السلاحف تحت الماء .. وتخبرني عن السلحفاة الضخمَة جداً التي صادفتها وعن ذلك القرشِ وذلك الأخطبوط ..

ولأربعة أيامٍ كانت تذهب للغوص بين جزر الديمانيّات وفي منطقَة أسمتها "الفحل" لا أعرف أين موقعها تحديداً ..

سألتها : هل صادفتِ عُمانيين في مجموعات الغوص التي يسيّرها مركز الغوص الذي تشتركين به؟ فأجابت : أوه لا ! لم أصادف بعد ..

قلتُ: لعلهُ رمضَان والعمانيُون منشغلُون بالصيام..

فتوجهت بالسؤال لزوجها بالنظر لطول إقامته في عُمان: فأجاب أنه صادف بعض العُمانيين ولكنّ ذلك أمر نادرٌ جداً فأغلب الذين يتوجّهون للغوص هنالك هم الأجانب..

تمتمتُ قائلة ً: أوه .. لعلهم لا يجيدُون الغوص .. فأجاب زميلي وابتسامة عريضَة في وجهه: أنّ المركز المسؤول عن تسيير رحلات الغوص هذهِ يقدّم دورات تعليم في الغوص فهمْ أساساً لا يسمحون لأحد بالغوص إلا ولديهِ شهادة تثبتُ ذلك.. ثم أردف: لقد تعلّمتُ الغوص في عُمان .. فسألتهُ : من أين عرفت بهذا المركز؟ فأجاب: من بعض أصدقائي الأوروبيين الذين زاروا عُمان مسبقاً ..

سألتُ زوجتهُ: هل بقي مكانٌ لم تذهبا إليه بعد؟ فأجابت: أممم نعم صلالة ..

قلتُ لها : الأجواء الخريفية ليست مختلفة عما لديكم في بريطانيا فأجابت: أوه لا .. نخطط للذهاب في نهاية الخريف .. ربما بعد شهرٍ من الآن ..

ثمّ نظرت إلى زوجها وقالت: تعرف؟ يجب أن نذهب هنالك للتخييم .. سمعتُ أن ظفار ممتازة للتخييم .. خاصة في الجبال..

انتهى الحديث بيننا وأنا أشعر بالخجل الشديد .. الخجل نفسه الذي شعرتُ به وأنا أستمعُ لطبيب أسنانيْ –الأوروبيّ أيضاً- وهوَ يسألنيْ إن كانَت هنالك مطاعم سريعَة أخرى غير البيتزا هت في نزوَى؟ فأجبته .. نعم هنالك مطعم آخر .. فأردف قائلاً : أنه يذهبُ كل شهرٍ إلى نزوَى بالسيارة ثم يوَاصل الصعُود إلى الجبل الأخضر عبر قيادَة دراجتهِ ..

الأمرُ كذلك ليس بعيداً عن الأنشطة الثقافية التي تقيمها في الأغلب السفارات الأجنبيّة .. وآخرها ما قرأته في صحيفة أجنبية عن إقامة معرض تشكيلي للوحات عالميّة لأشهر رسامي أوروبا مسمين رساماً هولندياً شهيراً .. وحين ذهبتُ إلى المعرض لم أجد أي عُمانيٍ هنالك سوَى عُمانيٍ لمحتهُ متأبطاً يدَ زوجتهِ الشقراء –غير العُمانية بالتأكيد- ..

فعالياتٌ كهذهِ لا يتم الإعلان عنها في الصحافة المحليّة العربية إلا نادراً وفي الأغلب نسمع عن الفعالية عبر التغطية اللاحقة لإقامة الفعاليات .. بينما تستطيعُ وأن تقود سيارتك في طرق مدينَة السلطان قابوس والخوير والقرم أن تلمح إعلانات باللغة الانجليزية لفعاليات ثقافية .. ولا أعرف لماذا لا تجد هذه الفعاليات طريقها للإعلان باللغة العربية أم أن الفعاليات الثقافية في السلطنة التي تقيمها السفارات الأجنبيّة لا تستهدف إلا رعاياها ولا تستهدفنا كمواطنين .. وفي أغلب الأحيان فإننا نجد مدعوي هذه الفعاليات المقامة من العُمانيين الهوامير أصحاب المشاريع الضخمة ممن لديهم علاقات وثيقة بهذه السفارات ..

ورغم أن فعالياتنا الفنيّة والموسيقية المقامة من مؤسسات عربيّة تجد حضُوراً جيداً سواءً في النادي الثقافي والجمعية العمانية للكتاب والأدباء .. ليسَ للحد الذي تدخلُ فيه الفعاليّة فتشعر أنك في موقعٍ آخر جغرافي بالعالم غير مسقَط بالتأكيد ..

تقام الفعاليات الفنية .. والأمسيات الموسيقية في أرقَى صالاتِ العَرض فتكتظ بالجمهُور الأجنبي .. وتقامُ المزايَداتُ على اللوحَات .. فتجدُ السوَاد الأعظم –غيرَ العُمانيّ- هو الغَالب .. وتشعرُ بخيبَة الأملِ والجمهُور العُمانيّ لا حسّ لهُ ولا خبر ..

بلدنَا حلوَة .. وكم محزنٌ أن يعرفهَا الأخر أكثر مما نعرف .. خطأ ٌ منْ هذا؟!

تعليقات

  1. تقريبا الموضوع بيحصل فى كل الدول
    بيبقى جنبنا الاماكن الجميله ولا نهتم بها موضوع جميل
    كل سنه وانتى طيبه

    ردحذف
  2. الوادي اسمه وادي شاب ب طيوي قرب صور وقريات
    انا معك ف تطوير السياحه الداخليه وبناء البنيه الاساسيه لذالك
    وبالاخص المرافق لسياحه وممرات لقيادت الدراجات

    اما ب النسبه للاوربيين فرواتبهم عادتاء عاليه وهم محميين برواتب تقاعديه قويه تدفعهم الي الانفاق ببزخ ف هذ المجال
    ناهيك عن ثقافتهم فهم من الصغر متربيين علي حب الاستطلاع و الاستكشاف (يجب ان نربي اجيالنا علي هذ الحب مثل البدو)
    الغوص رياضه وهوايه ممتعه بس شويه مكلفه
    عادات وتقاليد المجتمع العماني في بعض المجلات كا الغوص للنساء
    السياحه حب وعشق يدفع صاحبه الي الاستكشاف والبذل

    ردحذف
  3. مصادفة جميلة ان اصل لهذه المدونة الجميلة، دون سابق معرفة بها ولا بصاحبتها!! ولا اجامل بان اغلب المواضيع عجبتني كثيرا ومنها هذا الموضوع عن بلدتنا الحلوة.
    ما ذكرتيه اختي الفاضلة يحدث معي كثيرا، فلدي زملاء عمل من مختلف الجنسيات الاوروبية والاسيوية والامريكية والافريقية كذلك وأجزم بأنهم جميعا يعرفون عمان أكثر مني !!!
    حتى ان بعضهم شرح لي عن انواع الثعابين في بدية ورمال ال وهيبة لم اسمع عنها من قبل بالرغم من ان بلدتي فيها الانواع والاشكال المختلفة منها ولاكن لانعرف إلا (الغول ، المشعراني ، البس) وحسب روايات الشياب بان البس من الجن!!! فما يجوز يقتل@@
    المهم عمان مليئة بالاماكن الخلابة التي بالفعل تستحق الزيارة والاهتمام من الجميع (الحكومة والمواطنين) ولا أؤيد الاخ الذي قال بان الرواتب هي الحجة في جهلنا عن بلدنا، فهل نحتاج الى مدخول كبير لمعرفة انواع الثعابين والاعشاب والاماكن
    معظم الشوارع مسفلته وبالكورولا ممكن تؤدي الغرض
    بس نحن بحاجة الى اعادة صياغة نمط حياتنا واستغلال الوقت في كل ما هو مفيد ... سلامي للجميع
    جمال

    ردحذف
  4. هل كنتِ بحاجة إلى (زميل أوروبي) لتعرفي أن وديان عمان جميلة؟ كم مرة كررتِ كلمة (زميلي) في المقال؟ أظن أنه لو كان المتكلم عماني لما أصغيتِ له بكل هذا الاهتمام ونقلتِ كلامه بالتفصيل ..للأسف نحن نعاني من احتقار أنفسنا وإكبار غيرنا خاصة (الأوروبيين) .. وصرنا نعيش في زمن أصبح فيه للعمانية (زميل أوروبي) .أتمنى أن تقومي بحساب عدد المرات التي قلتِ فيها (زميلي) في المقال .. يكفي مرة واحدة توضح المعنى.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي