التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وتقدّرونَ فتضحكُ الأقدَار ..

هل يا ترَى كانَ أبو العلاء المعرّي يعرفُ أنّ آلافَ الألوف من أحفادِ الجزيرة العربيّة سيرددُون بعدَ ألفِ عامٍ من رحيلهِ بيتهُ الشعريّ القائل:

تقضُون والفلك المسيّر دائرٌ .. وتقدّرونَ فتضحك الأقدارُ

استرجعتُ هذا البيتَ كثيراً مؤخراً .. كانَ حاضراً أمامي حينَ رحيل زين "الهاربين" على مقولَة أحدهم .. ثمّ حسني مبَارك .. ثمّ الرحيل القريب جداً للمعتوه القذافي.. قذفهُ الله إلى أعمق مزابل التاريخ ..

حينَ خرجَ سيف الاسلام القذافي حامل شهَادة "الدختوراه" في أوّل خطابٍ له .. كنتُ أسأل ما صفتهُ السياسيّة للخرُوج؟

وببسَاطة كان الجوَاب: لا صفَة سيَاسيّة له .. هذا الرجل الذي لم تتوقف يدهُ أن تشيرَ إلى الكاميرا باصبعهِ السَبابة في إشارات الوعيد والتهديد التي بثّها لم يكن يمتلك أيّ صفة سياسيّة في ليبيا ليهدّد الشعب سوَى أنّه "نجل الزعيم" ..

الاسم:سيف الاسلام بن معمّر القذافي.. الوظيفة: سيف الاسلام بن معمّر القذافي.. الصلاحيّات: سيف الاسلام بن معمّر القذافي ..

لقد شعرتُ حينها بكميّة من السخريّة في أنّ بلداننا العربيّة أصبحت "مزرعَة" يمتلكها الحاكم .. والمزرعَة وفق هذا المبدأ هي جزءٌ من ممتلكات الحاكم وعائلته بما فيه الشعب القاطن في المزرعَة .. وهيَ إرثٌ مسلّم بهِ للحاكم .. لا فرق إن حملت الدولة لقب مملكة أو جمهُوريّة..

مزارعنَا العربيّة تنتمي للرئيس وحاشيتهِ وزوجته وأبنائهِ وزوجاتهم وأصهَاره والقائمَة تطُول ..

.

وتقدّرون فتضحكُ الأقدارُ ..

تذكّرتُ هذا البيت حينَ سمعتُ بوفَاة راجحَة بنت عبدالأمير ..

لقد صدم جميعنا .. ربّما لأنها كانت المرّة الاولى التي يمُوت فيها وزيرٌ وهو على كرسيهِ .. والذي بالتأكيد لم تتوقعهُ الوزيرة نفسها..

لا أودّ أن أخوضَ في مساوئ الوزيرة فقد رحلت وهي تحملُ أعمالها التي ثمّة ربٌ يتكفل بها الآن.. لكنّ رحيلها بالتأكيد هو عبرة لأصحاب الكراسي الحاليين .. الله الله في أنفسكم .. الله الله في أعمالكم ..

وتقدّرون فتضحك الأقدار..

حينَ بدأ إضرَاب المعلّمين .. كتبتُ أنّني لا أتوقع نتيجَة ً أكثَر من أن يتمّ فصلهم أو خصم رواتبهم والتحقيق معهم على أقلّ التوقعات لأنّ وزارة "السليمي" وأقول مرةً أخرى وزارة"السليمي" لأنّ وزاراتنا لا تزال جزءاً لا يتجزء من سياسات الوزير .. تتغيّر بتغيره .. وتصلح بصلاحه وتفسد بفساده .. ولأننا نفتقد تلك السلطة المرجعيّة التي يرجع إليها جميع الوزراء في نظام إدارتهم .. فالوزَارة للوزير وكفى ..

لم يتوقّع أحدٌ أنّ إضرَاب المعلمين سيزيلُ وزيراً ووكيلته من خارطة تلك الوزارَة ॥ وإنْ كنّا نعتب على جلالته أشدّ العتب منْ أنّه رفع بلاء الجردانيّة عن المعلمين ليسقطه على ظهرِ وزارة القوى العاملة التيْ خرجت بكلّ صلفٍ لتتهدد وتتوعد المعلمين ناسيَة أنها خرجت من مظلّتهم يوماً لكننا بالتأكيد نثمّن لهُ رمي "السليمي" في صندوق تقاعد الوزراء .. لينضم إلى قائمة "مستشاري الدولة" .. فهنالك مكانهُ بالتأكيد .. وزير بلا صلاحيّات .. ولا سلطَة .. وكنتُ للأمانة قد كتبتُ للسليمي رسَالة ً "مفلفلة" لأنّي بتّ أخشى منهُ على وزارة التربية والتعليم التي لم يبقِ منها لا تربيَة ولا تعليماً.. رحل الرجل والجميعُ يهللُ لرحيله .. فما أتعسهُ من شعورٌ ما يحملهُ الرجلُ الآن وهوَ يعرفُ أنهُ رحلَ غير مأسوفٍ عليهِ محتفَىً برحيلهِ ..

فإذن كانتْ تلك أجمل هديّة للمعلم يتلقّاها في عيدهِ .. عيد المعلم 22 فبراير ..

وتقدّرون فتضحكُ الأقدارُ॥

خرجتِ المراسيم السلطانيّة وأصابتنا مجدداً بمغص " إحباط" فسياسات تدوير الكراسي لا تزال مستمرة والأسماء حاضرة مع تغيير المسمّى الوزَاري ॥॥ لماذا؟ هل هذا ضرب لنداءات الشعب في عرض حائط الصمت؟ أم هو حشر ملهاة في فم الشعب رغماً عنه؟

فقط رسالة لهؤلاء الذينَ يظنُون أنهم مؤبدون على كرَاسيهم ومناصبهم ॥ هؤلاء المستمرون في عنجهيتهم وصلفهم ॥ هؤلاء الظالمون الذينَ سلطُوا جرذانهم ليأكلوا من كعكَة الحكُومة ،هؤلاء الذينَ يظنُون أن الشباب اليوم عبر المنتديات والفيس بوك وتويتر غير قادرٍ على أن يرميهم بين مائة كلبٍ وكلب ॥ أقولُ لهم : تقضُون والفلك المسيّر دائرٌ .. وتقدّرونَ فتضحك الأقدارُ

تعليقات

  1. متى يستقيم الظل والعود اعوج--- إنا لله وإنا اليه راجعون
    عزيزتي عائشة إنا بنتي سراء كانت بجانبي وانا اقرأ ما ماسطرته اناملك بأحرف من نور وترد علي لانني ذكرت لها كل شيى عنك منها انك متزوجة فقالت اكيد زوجها يفتخر فيها فهي فعلا أمرأة سيكون لها شأن اسأل الله ان يحفظك .. وللعلم ان سراء عمرها 9 سنوات وهى تتطلع الى المستقبل .. نعم .. وتقدّرون فتضحك الاقدار
    أحمد الزدجالي

    ردحذف
  2. لــــــــــــــو يشكون للحظه من الزمن فيما يفعلون..لــــــــربما وعوا قليلا...
    دامت عمان بخير www.fttoosh.blogspot.com

    ردحذف
  3. أنت تريد والله يفعل ما يريد نعم عليهم أن الله على كل شي قدير ، وعليهم أن ينظروا أن هذه الحياة لايبقى على حال لها شأن ومن سره زمن ساءته أزمان .

    ردحذف
  4. كيفما تكونوا يؤمر عليكم

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق