التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دُمى البلاستِيك ..



عندمَا كنّا أطفالاً وسمعنَا قصصَ الدّجل والشعوذَة ، تخيّلنا أصحابهَا بأشكالٍ مخيفَة .. أنوفٌ معقوفة ، شعرٌ منكوشٌ رماديّ .. عصَا تتحوّل إلى مكنسةٍ طائرَة .. شامَة قبيحة تعلُو أنوف الدّجالات .. وحينَ كبرنا اكتشفنَا أنّ الدّجل يأتي على شكلِ هؤلاء النّساء المقلّمات من أطراف شعرهنّ حتى أصابع القدمَين..

الدّجل اليوم يأتي على صفَاتٍ كالتي في الصّور .. النساءُ البلاستيك اللواتيْ أصبحنَ يروّجن لحلاقة الوجه بالموس كما يفعل الرّجال بلحاهم .. في هذا الزّمن الأهبل أصبحتْ هذهِ موضَة ..
الدّجل في تقنيّات الكونتور التي لم تقف عند الوجه بل أخمص القدمين .. الأرجل تُنحت بالمكياج ، والصّدور تنفخ بالكونتور .. كلّ شيء بالإمكان تزييفه.. حتّى حملنا المسطرَة لا من أجلِ استخدامهَا في الرّسم الهندسيّ بل لمساواة الكونتور.. والأشرطة اللاصقة التي استخدمتِ الآنَ لتضبيط خطّ الكحل للعينَين

لنصبحَ جميلاتٍ أقنعتنا الدّجالات بحشرِ شفاهنا في عنقِ زحاجة ونفخهَا حتّى تتورّم .. البراطِم المتورّمة الآن أصبحت صرعَة ..
المشدّات العجيبة التيْ صممت لتكبير المؤخرَة بشكلٍ مقرف ومسفّ سوّقت على أنّها مثيرة و"سكسي"

البوارِيك العجيبَة ولون الشّعر الرّمادي الذيْ كانتْ جدّاتنا يخفينهِ بالحنّاء سوّق على أنّه صرعَة .. وهكذا دوالَيك انطلَت على الفتيَات حمَلات الدّجل هذهِ..

حسناً يا عزيزتي.. دعيني أقول لك انك أكثر من كونتور.. أنت أكبر من شفاه متورّمة ومؤخرة مزمومة ..

إذا كنتِ تعتقدين أن هذا سيحببكِ إلى زوجك أكثر فأنت مخطئة أو أن هذا سيجلبُ لك حبيباً أو عريساً تتقاسمين معه حياتكِ فأنت أيضاً مخطئة ..

الرّجل يحبّ عقلكِ الجميل وقلبك .. الرّجلُ يحبّك بماكياجٍ كاملٍ أو دونه .. ربّما يروقهُ ذلك وهوَ ينظرُ إليك خلفَ الشاشة أو يتعرّف إليك في البدء لكنّه لن يحبّك كوجهٍ جميل ما لم يُلامسهُ داخلكِ ويشغفَ قلبَه ..

من الجيّد أن يكتمل جمالُ الداخلِ مع جمال الخَارج لكنّ جمالَ الخارج لا يُمكن .. لا يمكِنُ أن يعوّض جمال الداخلِ إذا فقِد ..

الرّجلُ إذا أحبّك فسيحبّك وأنت شابة وجميلة أو وأنت تستقبلينَ تجاعيدكِ في سير الحياة الطبيعيّة

إنّه يحبّك في أضعف حالاتِك .. في اللحظة التي يخرجُ فيها طفلهُ منك .. اللحظة التي تكونين فيها بشعرٍ منكوش .. بعينينِ ذابلتين .. بوجهٍ شاحب .. بلا كونتور أو اكستنشن أو أظافر مقلّمة .. كلّ ذلك لن ينقص من حبّه لك ..

إنّه لن يتوقّف عن حبّك وأنت تستيقظين صباحاً بوجهٍ متورّم .. لن يتوقّف عن حبّك وأنت تغادرينَ المطبخَ برائحةٍ لا تحبّينها أو تدخلينَ البيت متعرّقةً بعد ساعةٍ في النادي الرياضيّ

الجمالُ الخارجيّ مهمّ ليكملَ جمالكِ الداخليّ ولكنّه إذا ما أصبح همّك انشغلتِ به عن جمالِ روحك وعقلكِ فالاتّزان هو سنّة الخلق وَإذا ما طغى جانبٌ على آخر فقدتِ توازُنك ..

بالنّسبةِ لهذهِ المشعوِذات وتاجِراتِ الوَهم أنتِ لست أكثر من رقمٍ يرفع أرصدتهنّ لدى تجّار الإعلانَات والمنتجَات وأنتِ لستِ سوى دُولار يملأنَ به جيوبهنّ ببيعكِ منتجاتِهنّ وخطوط مكياجهنّ وموضتهنّ .. لقد تكاثَرن حتّى تشابهنَ علينا وما عُدنا نفرّق .. 

أنتِ موهومةٌ حقاً إنِ اعتقدتِ أنّ الجمَال يأتي بمعاييرَ قياسيّة .. لقد أحببنا جوليَا روبرتس باعوِجاجِ سنِّها الأماميّة..

ديمي مور بشفافِها الدقيقَة وعيونهَا الضيّقة ، ليبوبيتا نيونجو بسوَادها الفاحِم وصلعَتها اللامِعة ..

بثينَة الرّئيسي بشامتهَا التي تحتلّ جزءاً كبيراً من عنقها

وأنتِ موهومةٌ إن اعتقدت أنّ من الصوَاب أن تكوني نسخةً منهنّ لأنّ هذَا العالمُ الافتراضيّ هو مصدرُ دخلهنّ .. إنّ عليهنّ أن يتنافسنَ على تصديرِ الجمال الخارجيّ فهو مصدرُ عيشهنّ .. عليهنّ أن يبدونَ هكذا: جَميلات، مقلّمات، منتعشَات ليحصلنَ على متابعاتٍ أكثر .. وسيواصلنَ ذلكَ ما دمنَ يجدنَ جمهوراً عريضاً يعتقدُ أنّ البراطمَ الكبيرة، الرّموش الكبيرَة، المؤخرَات والصّدور الكبيرة هوَ جوهرُ الجمال.. هذهِ هي تجارَة الوهمِ والتّسطيح التيْ حوّلتنا إلى دُمى منَ البلاستِيك..

تعليقات

  1. إن ما يشاهد اليوم من إنشغال ربات البيوت في ما لا طائل له دليل على الوهم الذي انتشر بينهن، فكثير من النساء يمكثن الساعات في هذه الصالونات ولكنهن يتأففن من الجلوس مع أبنائهن لمتابعة دروسه أو حثه على القراءة والمطالعة، بل حولن بيوتهن إلى إعلانات لهذه المنتجات فالهاتف مليء بالموضة وصيحاتها، والتلفاز قنواته تنشر الإعلانات لهذه المنتجات، لقد بلغ الاستخفاف ببعض القنةلت التلفزيونية أن تضع دعايات لتكبير الصدور والمؤخرات والقضيب لدى الرجال والقرآن الكريم يتلى في ذات الوقت، إلى متى سنكون أسواق للدجالين وأصحاب الكروش التي لا تمتلئ

    ردحذف
  2. أزعجني تعظيم الرجل في مقالك أكثر من أي شيء آخر.

    ردحذف
  3. بالفعل والاعلانات معظمها كذب ولا تناسب كل النساء

    ردحذف
  4. لا يختلف اثنان على روعة قلمك استاذة عائشة وحسك المرهف.. ولكن عندي ملاحظة واحدة في عبارة الزمن الأهبل.. فمصداقا لقول رسول الله" لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر" ومن الممكن أن تستبدليها ( الوضع أو الحال) أو غيرها من الصفات التي تؤدي إلى نفس المعنى.. وفقك الله

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من و...

هلْ أنفقَ "قابُوس بن سعِيد" 64 مليُون دولار على منظمَاتٍ بريطانيّة؟

"قابُوس بن سعِيد يكرّم هيئة حقوق الانسان البريطاني 21 مليون دولار ومساعدَة للمنظمة المالية البريطانية 43 مليون دولار" هكذا وصلتنيْ رسالة تناقلهَا الناسُ مؤخراً عبر أجهزة البلاك بيري وبرنامج الوتسأب ومواقع التواصل الاجتماعي .. تناقلَ الناسُ الخبر "المُصَاغ بركاكة لغويّة" بحالة من الغليان حول تبرع السلطان قابوس لمنظمات بريطانية بـ64 مليون دولار. وصلتنيْ الرسالة من أشخاصٍ مختلفين ولم يستطع أيٌ منهم أن يجيبني على سؤالي حولَ مصدر الخبر .. كان جميعهم يتناقل الخبر دون أن يكلّف نفسه بالعودة إلى المصدر .. بحثتُ عبر الانترنت عن أيّ موقع أو تقرير يتحدث عن الهبةِ السلطانيّة "السخيّة" ولم أستطع الوصول إلى أيّ موقع إخباري أو رسميّ يتحدث عن التبرع. وحينَ حاولتُ البحث عن المؤسستين البريطانيتين المذكورتين أعلاهُ لم أجد لهما ذكراً على أخبار الانترنت إطلاقاً سوى مواضيع طرحها أعضاء منتديات وضعوا الخبر هذا في منتدياتهم وأشاروا إلى المؤسستين بهذا الاسم. حينهَا قرّرتُ أن أصلَ بنفسي إلى مصادر تؤكدُ لي –على الأقل- صحّة المعلومة من عدمها. حاولتُ البحثَ باللغتين عن مواقع ل...

السيّد نائب رَئيسِ مجلسِ الوزراء ... الخُبز أم الكَعك؟

السيّد نائبُ رئيس الوزراء ... الخُبز أم الكعك؟ نسخَة من الرّسالة إلى وزيرَي التجارَة والصنّاعة والمَكتبِ السّلطاني. صاحب السموّ السيّد فهد بن محمُود نائبَ رئيسِ الوزراء.. تحيّة طيبة وبعد: دعني قبلَ أن أبدَأ رسالتيْ أن أحكي لكَ قصّة ماري انطوانيت .. آخر ملوك فرنسَا .. ففيمَا كانت الثورَة الفرنسية تشتعلُ والجماهيرُ الفرنسيّة الغاضبَة تحيط بقصر فرسَاي لتخترقه كانَت الجماهيرُ تصرخُ: نريدُ الخبز ، نريدُ الخبز! شاهدَت ماري انطوَانيت الجماهير يصرخُون من شرفَة قصرهَا وسألتْ كبيرَ خدمها: لماذا يريدُ الناسُ خبزاً؟ فأجابها: لأنهم لا يستطيعُون شراءه أيها الملكة! فردّت عليه بقمّة اللامبالاة والجهل: "إذا لم يجدوا خبزاً لماذا لا يشترونَ الكعك"! .. لقد كانتْ ماري انطوانيت تجهَلُ أنّ الكَعك أغلى من الخُبز فإن كانُوا عدمُوا الخبز فقد عدمُوا الكعكَ قبلهُ.. ظلّت هذه القصّة لأكثر من ثلاث قرونٍ من الزّمان حتّى اليوم مدارَ ضرب الأمثال في انفصَال المسؤُول عن واقعِ النّاس ومعيشتهم.. لأنّها كانت تتكررُ في أزمنة وأمكنة مختلفة. أتساءَل فقط سيّدي الكريم إن كنتَ تعرفُ كيفَ يعيشُ المواط...