التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اسمِي عائشَة .. وهذهِ حكايَتي ! (4)

اقرَأ أولاً:

اسميْ عائشة وهذهِ حكايتيْ (1)

اسميْ عائشة وهذهِ حكايتيْ (2)

اسميْ عائشة وهذهِ حكايتيْ (3)


اسمِيْ عائشَة .. في هذا الشّهر من العَامِ وُلدت .. وخلال اثني وعشرينَ عاماً مما عشتهُ من حياتيْ اختلفَ كلّ شيء ..

كانَ كلّ عامٍ يأتي بتحوّلاته الجذريّة في القنَاعَات والأفكَار ..الهوَايات وفي كلّ شيءٍ .. كلّ شيءٍ كانَ يتغيّر حولي كلّ عام ! إلا اسمَ "عائشَة" بقيَ ثابتاً على مكانهِ لا يتغيّر .. حلمتُ بأن تتغيّر أسماؤنَا كلّ عام .. عام 1988م ولدتُ واسميْ عائشَة .. وعام 1990 كانَ اسمي سارَة وعَام 1992م كانَ اسمي بدريّة .. وعام 2000 أقرّر أن يعُود اسميْ لعائشَة .. وعَام 2010م أن أكونَ سارَة !

لم يحدثْ ذلك .. حلمتُ أن أخلعَ الأسمَاءَ عنّي كمَا أخلعُ كلّ يومٍ عن كتفي وأستبدلهُ بمخدّة ناعمةٍ ..

حلمتُ بذلك أكثر مما حلمتُ بأيّ شيءٍ آخر .. لكنّ ذلك لم يحدث .. وها أنا عائشَة ! ولدتُ قبلَ اثني وعشرينَ عاماً واسمي عائشَة .. وها أنذا بعدَ اثني وعشرين عاماً لا زَال اسميْ عائشَة .. وددتُ أن أستبدلهُ لمرةٍ واحدَة .. واحدَة فقط ! لأكُون سارَة ولو ليومٍ واحد .. غير أنّ ذلكَ لم يحدث .. وظلّ اسميْ يتبعنيْ كظلّي .. لا فكَاك منهُ كلّما تركتُه صباحاً عادَ إليّ في المسَاء .. وكلّما ألقيتهُ عن كاهليْ مساءً.. استقبلنيْ مع الصبَاح استقبَال الفاتحِين .. ياليْ من عائشةٍ مسكُونةٍ باسمهَا حدّ المَوت ..

****

اسميْ عائشَة .. أغرمتُ بعشراتِ الأشيَاء .. وكرهتُ عشراتِ الأشياءِ في المقابل .. وكسَائر الفتياتِ حلمتُ بأن أكونَ طبيبَة ومهندسَة ً ومخرجة ً وطيّارة .. غيرَ أنّهُ لم يخطر بباليْ أن أقعَ يوماً في غرَام الموسيقَا .. وأن أسعَى بكلّ هوسٍ لأحقّق ما أريد .. حتّى وإن اضطرنيْ الأمرُ لإجبَار من حَوليْ على تقبّل فكرَة رغبتيْ في تعلّم الموسيقَا ..

في الصفّ الرابعِ الابتدائيّ بدأنا في تلقّي درُوس الموسيقَا .. كانَ اسمُ معلّمتي القادِمَة من صعِيد مصرَ "تقنياً" كاسميْ .. لكنّها كانتْ تكتبهُ "عِيشة محمُود" ومن الواضحِ جداً أنها كانتْ على سلامٍ تامٍ مع اسمهَا "المشوَّهِ" –خلافيْ- .

في تلكَ الأيَّام كنتُ أنعَم بنجُوميَّة طالبَة المدرسَة التيْ بدأتْ لتوِّهَا تغُزو الإذاعَة المدرسيَّة .. بصوتهَا الجهوريّ .. وبحمَاسها .. وكنتُ الأولَى على صفُوف مرحلَتيْ الدرَاسيَّة إضافةً إلى كونيْ الطالبة المتميَّزة .. كلّ ذلك دفعَ تلكَ المعلّمة لتفضّلنيْ على البقيَّة ..

كانَ ذلكَ أمراً معتاداً لعلّ كثيراً منكُم عايشهُ .. إذ كانتِ الطالبات المتفوقَات المتميّزات في مراحل الابتدَائيّ ينعمنَ بمعاملةٍ خاصّة من قبل طاقم التدريسِ خلافَ البقيَّة .. لذلك فقدِ استفدتُ من ذلكَ أنا أيضاً في سبيلِ تثبيتِ أقداميْ في فريق الموسيقَا بالمدرسَة ..

ورغمَ أنّ الموسيقَا لم تكنْ تستهويْ الطالبات المتفوّقات عادةً .. إلا أنّها اجتذبتنيْ جداً .. ولذا فقد أقدمتُ على تعلّم المقَاطع الموسيقيَّة بتركيزٍ فيْ حصّة الموسيقا الأسبوعيّة ..

وكَانَ أوّل ما علّمتنا إيَّاهُ الأبلَة "عيشَة" كمَا كانَ يحلُو لنا منادَاتها .. هوَ السلام السلطَانيّ ..

وخلالَ الشّهر الأوّل حاولتَ "عيشَة" أن تعلّم "عائشَة" كيفيَّة عزف السلام السلطَاني على آلة الأورج.. التيْ كانتْ تعدّ الأصعب من بين الآلات الموسيقيَّة المستخدمَة فيْ الطَابور الصباحيّ .. مضَى الشّهر الأول .. فالثاني فالثالث .. وعائشَة لم تمسكْ من مقاطع السلام السلطَاني سوَى المقطعِ الأوّل .. ( يا ربّنا احفَظ لنَا ) .. وكَنّا نتعلَّمُ عزفَ المقاطعَ بالنطقِ على هذا النّحو .. ( تااا .. تاتتا تتا تتا ) .. كنتُ أشعرُ بالحنقِ الشديد من فكرَة أنّ جميع الطالباتِ اللاتيْ كنّ معيْ أقلّ مستوَى علمياً منّي لكنّهن كنّ يتفوقنَ علي بأشواطٍ موسيقياً ..

حينمَا يئسَتْ عيشَة من قدرتيْ على تعلّم عزفِ موسيقا السّلام السلطَانيّ .. انتقلتْ بيْ إلى آلة "الكسيلوفوُن" وهيَ آلَة تقُوم على النقر لا العَزف.. تتكوَّن من قطع خشبيَّة مترَاصّة بشكلٍ متوَاز .. وفيهَا نتُوءاتٌ معدنيَّة يُطرق عليهَا بخشبيتين رفيعتَين محدّبتين في النهَاية .. وحينَ تطرقهَا يصدرُ صوتٌ رقيقٌ يصدرهُ المعدنُ بحيثُ يعملُ الخشبُ على التخفيف من حدَّةِ تردّداتهِ ..

استهوَتنيْ فكرَة هذهِ الآلَة وما أنْ رأيتهَا للمرّة الأولى حتّى صرختُ فرحَةً "أبلة عيشة أنا بامسك على هالآلة وبسوي فيها العجايب".. وطفقتُ أحَاولُ الدخولَ في جوِّها إلا أنني كنتُ أفشلُ في كلّ مرةٍ في الإمساك بالترَاتب الزمنيّ في النقرِ مع ارتفَاع وانخفَاض وتيرَة الموسيقَا فيْ السلام السلطانيّ .. كانَ عليَّ أن أنجحَ في التركِيز على نقَاط ارتفَاع وانخفَاض رتم عزفِ عَازفة الأورج والسّير معهَا على نفس الإيقاع .. إلا أنني كنتُ في كلّ مرة أضيّعها وأدخلُ في إيقاعاتٍ أخرَى .. أو أفوّت الإيقاع الزمنيّ المناسب .. أتأخر عنها بثوَانٍ أو أتقدّمها بثوَانٍ.. وللعلمِ فقدْ كانتْ الأبلَة عيشة صبورةً للغايَةِ معيْ .. وكنتُ أتسلّق مستخدمةً تفوّقي الدراسيّ في الموادّ الأخرَى على أكتافِ الطالباتِ الأكفئ منيْ موسيقياً لتعليميْ بعضَ ما عجزتُ عن تعلّمهِ واستنفادِ صبر معلّمتي المسكِينة التيْ غفرتْ لي كسرِي لعصَا الكسيلوفُون في إحدَى لحظَات عصبيتي التيْ انهلتُ فيها أثناء نقري على الآلة بقوّة فانكسرَت إلى قطعتَين .. ظلّت القطعَة الأولَى بيدِيْ بينمَا طَارتِ الأخرَى لترتطِمَ بالجدارِ الذيْ كانَ أماميْ من حدّة النقر ..

حينمَا شعرتُ بعجزيْ عن الانسجامُ مع "الكسيلوفُون" .. طلبتُ من "الأبلَة عيشَة" أن تنقلنيْ لأكثَر آلات الموسيقَا بسَاطة ً من الآلات المتوفّرة وهيَ "الطبل" .. كانتْ صديقتيْ –والتيْ اسمهَا بالمناسبة عائشَة أيضاً- تضربُ على الطبل .. وقد بدأنا في نفس التوقيت لكنّها اختارتْ منذ البدَاية العمَلَ على الطبلِ .. بينمَا انتقلتُ أنا من الأورج إلى الكسيلوفُون ثمّ إلى الطّبل .. وحينمَا بدأت تعلّم الدق على الطبلِ كانتْ عائشَة التيْ هي صديقتيْ قد أجَادت الدق على الطبلِ وأصبحتْ ضمنَ طاقم العزف فيْ الطابُور الصباحيّ متوليّة ً الطبل .. استغرقنيْ الطبلُ أمداً طويلاً حتّى استطعتُ معرفَة أصولهِ "الأساسيّة جداً" بعدَ أنْ استنفدتُ طاقَة الأبلة "عيشة" التيْ عهدتنيْ إلى صديقتيْ عائشَة لتعلّمنيْ الدقّ عليهِ .. وهكذا بدأت التوسّل للأبلة عيشَة بأن تعطينيْ الفرصَة للدق على الطبل في الطَابور الصباحيّ وعلى مضضٍ وافقتْ .. كانَ الطبلُ يوضعُ بشكلٍ عمُوديّ على كرسيّ بحيثُ يكُون جَانبَاه قابلين للنقرِ عليهِ فكنتُ أنا –عائشَة- على الميسرَة وكانتْ عائشَة الأخرَى على الميمَنة .. كل منا متقلّدة عصَاها الضخم لتهويْ بهِ على صفحَة الطبل البيضَاء ..

الحقيقَة أنّ الجميع –أو على الأقلّ الأبلة عيشة وطاقم العَزف-كانَ يحرصُ علَى أنّ كلّ الآلات الموسيقيّة تعزف على نفسِ التنَاغم إلا أنني كنتُ أفسدُ دائماً التنَاغم الذي يُعزفُ بهِ الطَابور الصباحيّ .. في بعضِ الأحيان كانَ العزف يحتاجُ تجاوباً خفيفاً من الطبل عنْ طريق النقرِ عليهِ بخفّة إلا أنني كنتُ أهوِي عليهِ كأنّ بينيْ وبينهُ انتقاماً شخصياً .. وفي أحيانٍ كثيرةٍ كنتُ أتقدّم في الضربِ على الطبل قبلَ الموعد المحدّد أو أتأخّر في أحيانٍ أخرى .. وفي بعضِ الأحيانِ كنتُ أضيّع الفترة الزمنيّة التيْ تلي الضربَة الأولَى للضربَة الثانيَة فالثالثة ، وفيْ أحيانٍ ثانيةٍ أسرحُ فأنسَى الضربَ على الطبلِ في نقطةٍ ما من العَزف .. غيرَ أنّ أغلبَ ما كانتْ تشتكيهِ منّي الأبلَة "عيشَة" وما تشتكِيهِ منّي "عائشَة" الأخرَى أنني كنتُ أهويْ بقوةٍ على الطبل وكأننيْ أسدّد ضربَة ً لكرَة الجولف ..كنتُ أفتقدُ تلك اللمسة الخفيّة التي يتعاملُ بها الموسيقي مع آلتهِ.. أن يعاملهَا ككيانٍ يتنفس .. لذا كثيراً ما كنتُ أنهالُ على الطبلِ بضربةٍ قويةٍ فيميلُ صوبَ عائشَة الأخرى التيْ تفرّ مبتعدةً عن الطبل خوفَ أن يسقطَ تجاهها.. لعلّيْ كنتُ أشعرُ بحمَاسةٍ مفرطةٍ لفكرَة أنّي ضمنَ الطاقمِ الذيْ يحرّك ذلك الحشدَ الكبير الذيْ يردّد " يا ربّنا احفظ لنَا جا لا لا لا السلطَان" .. أحرّكه بنقري على الطبلِ المحتفي بهذا المهرجَان الموسيقيّ المتجدّد كلّ صباح .. إلى أنْ جاءَ ذلك اليَوم الذيْ أفرطتُ فيهِ في ضربِ الطبلِ وأنا أنشدُ مع الحشُود "فليدم مؤيداً ، عاهـ(ـداً) ممـ(د)داً" .. التفتتِ الوجُوه لتشاهدَ تلك الفتاة "ضئيلة الجِسم" وهيَ تمسكُ بعصَاها الضخمِ مسددةً إيّاها نحوَ الطبل.. وهيَ تنشدُ بحمَاسٍ موازٍ لحمَاسها وهيَ تنهَال "ضرباً وركلاً" على ذلكَ الطبلِ المسكِين ..

توجّهتْ صوبيَ العيُون بينمَا كنتُ غارقة ً فيْ عالمي الخاص .. أغنّي بفرحٍ .. مبتهجة ً بالكلمَات والألحَان .. وكأنيْ كنتُ أعزفُ جوقتيْ الغنائيّة الخاصّة .. كانَ الجميعُ ينظرُ إليّ بدهشةٍ وأنا أدق الطبل في إيقاعٍ مختلفٍ عن الإيقاع الذي كانتْ تقدّمهُ عائشَة على ميمنتيْ .. كانَ مختلفاً عن إيقاعِ الكسيلوفُون .. وإيقَاع الأورج .. وأنا؟!

أنا لمْ أكنْ أكترثُ على الإطلاق بأيّ شيءٍ .. حلمتُ أثناءَها بالكثير من الأشيَاء .. حلمتُ بأنْ أرى البحرَ الذيْ كنتُ حتّى ذلك العمرِ لم أرهُ قطّ .. حلمتُ أنّ اسميْ سَارة .. وأنّ الأبلة "عيشَة" كانتْ تنادينيْ بهِ .. حلمتُ بأننيْ أشهرُ "طبّالةٍ" في عُمان .. أضربُ على الطبلِ وألبسُ "الدشداشة العُمانيّة التقليديّة الخضرَاء والحمرَاء" تماماً كعازفاتِ الأوركسترا السلطَانيّة آنذاك اللواتيْ كنّ يظهرنَ يومياً على قناة عُمان الأرضيّة كلّ يومٍ بعد أخبَار العاشرَة وكنتُ أحدّق إليهنّ بانجذابٍ لا للاستماعِ للموسيقَا بقدرِ النظرِ إلى وجهِ كلّ واحدةٍ منهنّ وهي تعزف والتفكير .. يا ترَى بماذا تفكِّرُ هذهِ المرأةُ الآن؟

حلمتُ بالكثير من الأحلامِ التيْ لم تدمْ سوَى لـ4 دقَائق هيَ مدَّةُ السلام السلطانيّ وما أنِ انتهَى حتّى سمعتُ مدِيرة المدرسَة تنادينيْ بحدّة وتنادِيْ "الأبلة عيشَة" .. وما أن اقتربتْ كلانا منهَا حتّى قالتْ ليْ بحدّة: "أشوفش بعد اليُوم تمسكيْ الطبلة" ثمّ أشاحتْ بنظرهَا عنّيْ موجهةً كلامهَا "للأبلة عيشة" .. قالتْ لها بجملة نصف عربيّة نصف انقليزيّة بالنظر إلى أنّ المديرة كانتْ في الأصل معلّمة لغةٍ انقليزيةٍ .. قالتْ لها: "أبلة عيشة.. make sure .. هالبنت ما أريد أشوفها مرّة ثانية من ضمن البنات اللي بالموسيقا".. ثمّ غادرتْ بعيداً لتستمعَ للإذاعَة المدرسيّة .. توجّهتْ إليّ أبلة عيشة ملقية ً بسياطِ لومهَا عليّ " شفتي ازاي جبتي لي الكلام؟! أهو أنا من النهردة مش هخليك تعتبي برجلك ناحية الكرو بتاع الموسيقا ، وابقي قابليني بعديها" ..

غادرتْ الأبلة عيشة أيضاً .. تاركةً خلفها الكثير من الدمُوع التيْ ذرفتُها وأنا أبكيْ .. الأحلام الكثيرة التيْ لم تتسعْ لها الأربعُ دقائق التيْ عزفَ خلالها السلام السلطانيّ رحلتْ مع مغادرَة مديرة المدرسَة .. والسيناريُوهات الجميلة التيْ رسمتُها ذابتْ وسطَ دمُوعيْ ..

ركضتُ سريعاً إلى صفي .. والدمُوع تسابقنيْ .. وأنا أفكّر لو أنّ اسميْ كانَ سارَة وليسَ عائشَة ؟! هلْ كانَ كلّ ذلك حدث؟ ولو كانَ اسميْ سارَة هلْ كنتُ دخلتُ بقوةٍ إلى عالمِ الموسيقا الصغير الذيْ كنتُ أحلمُ بتسَيُّدهِ ..

منذُ ذلكَ اليَوم لم ألمسْ آلة ً موسيقيَّة ..ولمْ أتحدّث إلى الأبلة عيشة على الإطلاق .. كنتُ أتجنّبها في الممرّات وساحاتِ المدرسَة .. وعائشَة التيْ كانتْ تجلسُ بجانبيْ حملتُ حقيبتيْ وبدّلت مقعديْ بمقعدٍ في مكانٍ آخر من الصفّ الدراسيّ.. حتّى لا أتذكّر كلّ يومٍ وأنا أجلس قبالتها .. كم أنا أحبّ الموسيقَا .. وكمْ هي الموسيقا لا تحبّنيْ ..

أحببت الموسيقا –فيْ ذلك السنّ- كما لمْ أحبّ شيئاً آخر .. أحلاميْ المنكسرَة قطعتين كمَا انكسرتْ عصا الكسيلفُون لم تعُدْ مجدداً.. ولم أفكّر في العَودة إليهَا مطلقاً ..

واليَوم كلّما رأيتُ عازفات الأوركسترَا السلطانيَّة بالدشداشة العُمانيّة التقليديّة التيْ يرتدِينها وبألوَانها الفاقعَة تساءلتُ: هلْ كنتُ أحلمُ فعلاً أن أكونَ منهنّ؟ لا .. ليسَ واسميْ عائشَة .. ربّما لوْ كانَ اسميْ سارَة أو أيّ اسمٍ آخر .. لظلّت أحلاميْ طريَّةً كما هيَ .. أحلمُ بالإمساك بأيّ آلة واللعبِ معهَا لا عليهَا كأيّ صديقتينِ حميمتَين ..

حلمتُ بالموسيقا واسميْ عائشَة .. وانتَهى ذلك الحُلم .. ربّما لو كانَ اسميْ سارة .. نعم سَارة لكنتُ لا زلتُ أحلمُ بالموسيقا بنفسِ ذلكَ الشغفِ الذيْ حلمتُ بهِ وأنا في الصفّ الرابع الابتدائيّ .. إنّها تلكَ الأحلامُ الصغيرَة التيْ تغادرُ سريعاً تماماً كما أتتْ سريعاً .. تغادرُ الأحلامُ سريعاً وتبقَى الأسمَاء كمَا هيَ .. عائشة التيْ حلمتْ قبلَ 12 عاماً هيَ نفسهَا عائشَة اليَوم .. تغيّرت الأحلام وبقيَ اسمُ عائشَة .. دونَ أن يتغيَّر .. ما الذيْ تبقّى من أحلامي القدِيمة؟! لا أعرف لعلهَا غادرتْ جميعهَا ولعلّ بعضهَا بقي .. يذكّرنيْ بأنّ اسميْ عائشة .. وأنني لم أعد أحبّ الموسيقا كما فعلتُ يوماً !

وكلّما مررتُ على صفحةٍ في جريدَة أو على على معهدٍ لتعلّم الموسيقا في أرجاء مسقط .. نظرتُ إليهِ ببرودٍ وأنا أفكِّر هل بإمكانيْ بعدَ كلّ هذه الأعوام أن أعودَ إلى مقاعدِ درَاسة الموسيقا وأمسكَ بآلةٍ موسيقيَّة وأحسنَ تعلّمها؟!

لا لا .. لا أريدُ أن أفكّر .. لا أريد .. أشعرُ بغصّة .. غصّة لمْ ترحلْ منذ 12 عاماً وبقي طعمهَا على حنجرتيْ غضاً لم يشِخْ !

اقرأ أيضاً:

اسميْ عائشة وهذهِ حكايتيْ ! (5)

تعليقات

  1. رائعة يا عائشة .. أتمنى لك التوفيق والنجاح ..

    انت مثال للبنت المثابرة ..

    ردحذف
  2. I dont Know what 2 say..dear Aysha ..Asha or dear Sara..:p

    move on and get over it..
    and keep in mind there is an advantage that you got to taste little bit of the dream

    an am so happy that you never succeded in music or maybe changed your name to sara
    coz we will never know
    aysh alsifi
    ,

    ردحذف
  3. Well I thought you graduated from SQU in 2008? so how come you are 22 years od?

    ردحذف
  4. المرصد
    أولاً أحياناً نقسو في الرد عليك
    ولكن أنت مثال للكفاح
    بس نتمنى أن لا تنجرفي مع تيار . . .

    ثانيا من كذ سنة وأنا أقراء كتاباتك
    أما آن الآون أن تتعدي سن22 سنة

    ردحذف
  5. ممممم .. طبق منعش!
    ذكرياتك التي حان الاعتراف بها. لا يمكن لأحد أن يعرف ذاته أبدا إلا بعد مرور حيوات كثيرة وأرواح زمنية عديدة ولربما ستحتاجين لكتابة أو تحرير سيرة أخرى تغيرين فيها مفهومك حول اسمك أو مفهوم الالتصاق باسمك (مهما كان) !
    أحب ذكريات الطفولة .. لأنها تعيدني إلى زمن يقتله الأطفال اليوم بسذاجتهم المدنية باسم التطور! زمن البساطة وزمن الحقيقة.. زمن أحمد الله دوما أنني عشته وأكلت منه.
    أنا عرفتك عائشة.. وتربيت معك في المدرسة وأنت عائشة وتنافسنا وعائشة أنت غير عائشة يعقوب .. واشتقت لك وأنت عائشة .. وغبت عنك وغبت عني وأنت عائشة ..وعدت إليك بشغف الذكريات بعد انتهاء الثانوية وأنت عائشة .. وشاهدتك تطيرين في الجامعة في أول سنة لنا واسمك مازال عائشة .. وكرهتك وأنت عائشة .. وغبت عن كل شيء أطاله وأنت عائشة .. وشاهدتك أخيرا تتزوجين وأنت عائشة :)

    ليس بهذا السوء يا عائشة .. ولن أفكر حتى في مناداتك بسارة أبدا !

    ستظين عائشة صديقة الطفولة :)

    ردحذف
  6. شي رائع يا عايشه والله يوفقج

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي