التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كلّما فتحتُ أثيرَ إذاعاتنَا المحليّة !




عائشَة السيفيّ
ufuq4ever@yahoo.com

1/ قرأتُ لأحدِ آبائنا من الكتّاب العمانيين القدَماء هذا المقطعَ من مقالٍ طويل:
" فإنّ من علاماتِ فقرِ المجتمع وإفلاسهِ فكرياً هو الحديث الذي لا طائلَ لهُ ولا منفعَة فيه دنياً ولا آخرة ، وإنّ من علامات فقرِ المجتمعِ استوَاء الصغير والكبير في التفكير فلا يفاضلُ الكبير على الصغيرِ لا بحفاصةِ المنطقِ ولا بواسعِ الحكمَة فكلاهمَا سواءٌ في مرتبَةِ الجهل"

لا أدريْ إن فهمَ أيٌ منكُم العبارةَ أعلاه . . لكنْ صدقاً كلّما فتحتُ أيّ إذاعةٍ من أثير إذاعاتنا المحليّة
شعرتُ بالأسفِ لمستوَى الضحالة الفكريّة التي يمرّ بها المتصلونَ والمذيعُون على السوَاء !
وأدركتُ تماماً كم تنطبقُ عليهم صناعة الغباءِ التيْ ذكرتها في مقالٍ سابقٍ تكرسُ لها إذاعاتنا المحليّة "مشكُورة"

2/ اتصالات "هايفة" . . فتيَات "يتأوهنَ" عبر الأثير وكأنهنّ في محادثة غراميّة ولسن على الهوَاء! يتمسّحن بالمذيع كأنّه "البوي فريند" . . ومذيعَة كلمَا بعثَ لها أحد المستمعينَ إهداءً ردّت بنبرَة متصنّعة الأنوثة : فدِيتك يا أبو علي الفلانيّ . . فديتك يا قيس الفلانيّ
ودخلتْ في دوّامة "تفديَّة" لا تنتهيْ !

3/ كلّما فتحتُ أثير إذاعاتنا المحليّة ! وجدتُ أناساً يتصلونَ لتفريغ الهمُوم اليوميّة غير ممانعين في الدخول في أحاديث سخيفَة جداً لابدّ أنهم يدركُون حجم سخفها مع المذيع الحاصلِ على شهادَة السخف الدوليّة !

4/ كلّما فتحتُ أثيرَ إذاعاتنا المحليّة . . عجبتُ من استوَاء الصغير والكبير في "مصوخيّة" الحديث! يتّصل رجل من الواضح من صوتهِ أربعينيّته في السن . . ويبدأ في كيل التخاريف على الهوَاء . . ويسمّونها في العرف الإذاعي "مداخلَة" وقيلَ في مسندٍ آخر "إهداء" !

وتتصلُ بعدها فتاةٌ لا تكادُ تتخطّى الإعداديّة لتهديْ "الغالي" الذي يسمعها تلك اللحظَة . . الأغنيَة الفلانيّة ! ثم تهديها لرحّوم ووفوي وشوشة وندّوش وعلاوِي وشموسَة وأسومة وتعدّد بنات الصفّ والحلّة كلها !

5/ ساعتَان على الهوَاء والمذيع يتلقّى الاتصالات من المستمعين ليفتُوه في موضوع الزوَاج فقد أعلنها على الهواء . . برغبتهِ في الخطبَة . . يرن الهاتفُ فيعلن المذيع: والحين نستقبل الاتصال من عريسنا القادم . .
- والحين بناخذ اتصال من العريس أبو حمد . . أهلين بعريسنا!
- ها شـ يريد يقول العريس لي بخصوص الزواج !

6/ يعقّب المذيع وكأنّه سيذهب غداً ليزفّ الفتاة التي لم يتقرر حتّى اللحظة من تكُون !
- مشكلة لما السوق ما يفتح 24 ساعة وانت محتاج تروح تتسوق عشان العرس . . الواحد يتمنى لحظتها أنه الدكاكين تكون مفتوحة 24 ساعة عشان يخلص جهاز العرس . .

تتصلُ متصلة وتسلم على المذيع وكأنها لم تلتقهِ منذ عامين . . تقول له: عرفتني. فيقول : لا . . مين العروس المتصلة؟
فترد : أفا ما عرفتني . . طيب حزّر .. ما ميّزت نبرة صوتي !؟
ونستمعُ حينها إلى حوار تعارفي يتضح في النهايةِ أن اسم صاحبتهِ: شـ . . .!

7/ يستقبلُ المذيع اتصالاً جديداً من متّصلة يتضح من صوتها أنها لا تزال مراهقَة !
تقول للمذيع: ناوي تعرس؟
فيرد المذيع: ايه والله ناوين. .
فترد عليه بقمة الوقاحة وقلّة الأدب: شو رايك تعرس بي أنا؟
فلا يملك المذيع سوى أن يقول : أوهو !! قويّة !

8/ لمدّة ساعَةٍ تستقبلُ المذيعَة اتصالاتِ المستمعين لكي "يغنوا على الخطّ" . . تستقبلُ الاتصالَ وراء الأخير لكي يغنّي المستمع و"يهزهز" طبقاتِ صوتهِ عبر الأثِير ! ومنْ "هشاشة" البرنامج يشعرُ الواحدُ منّا بأنه "سيزوع" قدّامه في تلكَ اللحظَةِ ! لماذا؟ لأنّ هنالكَ كرنفَال "نشاز غنائيّ" مدّتهُ سَاعة !

9/ أصبحَ الشبابُ -لانتشار "موضة السخافة الإذاعيّة" - يتناقلون بلوتوثوهاتٍ لهذه الاتصالات ملقينَ النكات على هؤلاء المتصلينَ الذينَ أصبحوا محط استهزاء وسخريَة . .
يعرفُ كثيرُون أسماءهم المستعارة التيْ يتصلُون بها ويتساءل البعض كيف لا تزال الإذاعَة تسمحُ باستقبال اتصالاتهم المسيئة لجديّة برامجها . . ويعمد البعض لإرسال إشارات حول استئجار الإذاعاتِ لهؤلاء المتصلين. .

.
10/ سيقولُ قائلٌ: الناس مهمُومة . . تريد أن تفرّغ وإن لم يرقكِ ما تسمعين فأغلقي الإذاعة . . وسأقولُ أنا ما قالهُ ذلكَ الكَاتب:

" فإنّ من علاماتِ فقرِ المجتمع وإفلاسهِ فكرياً هو الحديث الذي لا طائلَ لهُ ولا منفعَة فيها دنياً ولا آخرة ، وإنّ من علامات فقرِ المجتمعِ استوَاء الصغير والكبير في التفكير فلا يفاضلُ الكبير على الصغيرِ لا بحفاصةِ المنطقِ ولا بواسعِ الحكمَة فكلاهمَا سواءٌ في مرتبَةِ الجهل""

وإنْ صحّ ما قيلَ أعلاهُ فلا أقولُ سوَى: قاتلَ اللهُ الفقر . . قاتلَ اللهُ الهموم اليومية التيْ ينسحقُ تحتهَا هذا الشّعب . . قاتلَ اللهُ الإفلاس الفكريّ !

تعليقات

  1. مو وازنك يا عزيزتي
    (تمرضي فوادك بالإذاعه )
    على ما توصلي يكون مزاجك تعكر ؟!!
    هذا غير (مرضان الأخطاء الإملائية بالنسبة للفقرات بعوين يقولوا ثقافية )
    وبنشاز الموسيقى بتصرخ بين الفينة والأخرى تقول (ديسكو)؟؟!!
    أتذكر مرة وحدة أثنين يناقشوا (سلام لعمانيين / المناشدة )
    وأعوذ بالله مع ساعتين يمكن تقول كيف حالك
    شو لعلوم
    من صوبكم ...........
    بعيد الشر لو يناقشوا مقدمة ابن خلدون لأخذت وقت أقل ؟!!!
    بالفعل في فقر فكري وإنحطاط لا يطاق
    ربي يستر على قدام ...
    يا أختي نصيحة مني ( أستحدي شريط (غاوي)...)
    ودادي

    ردحذف
  2. "عواش" لا تتسرعي في الكتابة وقبل أن تنشري المقال، أو الموضوع في "المدونة" أو "الجريدة" / تفحصيه/ حرفًا حرفًا، وراجعي أفكارهُ وعبارتهُ جيداًـ فلديكِ مواضيع "متميزة"، واخرى "عبقرية" وأخرى "الله يسامح عليها".
    البرامج التي تتحدثي عنها يُطلق عليها "برامج ترفيهية" وتسمى في العُرف الإعلامي "برامج إسفاف"، يتم تنفيذها لشريحة من الناس لا يمكن تهميشهم من المجتمع، وتوجد برامج عبر أثير الإذاعة جميلة ورائعة ومتميزة مثل تلك المواضيع والمقالات التي تكتبينها بين الحين والأخر، أو عبقرية مثل قصائدكِ التي تشبه عقداً من اللؤلؤ والمرجان .

    "عواش" خلي المذيعة "تفدي" ألي تريدهُ، وأهتمي بالمجتمع الذي في حاجة كبيرة لــ "تفديه إنتي" بشعرك، ومقالاتك، ومواضيعك المتميزة .

    أبو أديب

    ردحذف
  3. صدقتي في كثير مما ذكرته ..

    بس لو المذيع جديـ ومافاضي لها السخافات ماعتقد حد من المتصلين بيتجرأ يتسخف

    ..

    الله يعيننا ويستر علينا وعليهم

    ردحذف
  4. دااافي البوح26 مايو 2010 في 5:18 م

    (( كلّما فتحت أثير إذاعاتنا المحليه ))

    موضوع متميز وجرئ وشفاف ,, يتكلم عن واقع علني ومكشوف قلَّ فيه أحترام الذات ..
    لا أخفيك وأنا أتصفح موضوعك أعلاه وبين فقره وفقره لا أشعر إلا وأنا أصفق تصفيقاً حااار وكأنني في مجمع رياضي يحتضن مباراه مهمه !!!

    فليت شعري لو كنت رئيس تحرير لجريدة الوطن لجعلة موضوعك في المقدمه ولا يعلوه شئ ..

    أختي الكريمه ..
    أزف لكِ إعجاب ممزوج بكل احترام تقدير ..




    تقبليـــــني ..

    ردحذف
  5. مبارك الوهيبي26 مايو 2010 في 6:08 م

    شكرا أخت عائشه ....البيت إذا أساساته خربانه كيف تريدينه يقوم؟؟؟!!!

    ردحذف
  6. عائشَة ..!

    مقال رائع .!

    وَوَاْقعٌ ملْمُـوسٌ .!

    ردحذف
  7. مررت كعادتي على كثير من الصحف العالمية في هذا الوقت بالذات وهذه المدونة من ضمن من اتوقف عندها احيانا/ ما قاله ابو اديب (خطأ! وهذا ليس مكانا للنقاش )او يمكن يكون ابو اديب من موظفي الاذاعة او له مصلحة!على كل فيه برامج في امريكا سمعتها في الليل يتصلون السكارى فيها ياابوديب !قريبة من هذه البرامج ولكن المجتمع هناك ياابوديب يختلف عن مجتمعنا الخليجي المتجانس والذي قد يكون من عائلة واحدة/بليزززز خلك صاحي شوي!وارتق/ لعل وعسى/ على كل البرامج السخيفة تكثر وتشتهر اذا كان غالبية المجتمع سخفاء/ويسرفوا في القول الباهت دون الوان/في أحد البرامج الخليجية غازلت المذيعة احد المتصلين واعتقد تعرفه/ وبعد انتهاء البرامج
    فصلت من العمل! السؤال من قال المقطع في بداية المقال وفي أي سنه لان العمانين عباقرةالخليج وخاصة الرعيل الاول

    ردحذف
  8. اتمنى لكي دوام التوفيق والنجاح ومن تقدم الى تقدم في معالجة مثل هذا الخلل ..... موفقة

    ردحذف
  9. إذا خمِصت العقول .. ولا وجود لخبز المعرفة وسفرة القراءة .. النتيجة كما خرجَ بها مقالك الرائع !


    شكراً عائشتنا

    أخوكِ حُسام

    ردحذف
  10. إلى الأمام أختي العزيزه ... لتغيير واقع فرض علنا إقليميا

    ردحذف
  11. حسن العميري7 يونيو 2010 في 11:43 ص

    بقدر روعة المقال ، يأسف المرء وهو يستمع لأمثال هذه البرامج أن تجد من الدعم من قبل أصحاب القرار الشيء الكثير في حين لا تحظى بذلك برامج تنفع الإنسان في الدنيا والآخرة ..

    ردحذف
  12. عائشة،،،
    أصبتِ كبد الحقيقة الذي غفل عنه الكثيرون ،،
    مآساة ما يحدث،، ومآساة هذا السكوت الرهيب منا،،

    ومأساة أكبر هذا << التفاعل المخزي >> من مستمعين لا يحملون في جعبتهم الا ثقافة الفقاعة،،،

    لا أدري أي سخافة يحملها (بعض )هولاء المستمعون والمذيعون على حد سواء،،،

    للاسف هذه هي نتيجة الخواء الثقافي والفكري الذي يعيشه الكثيرون من أبناء الوطن العربي وخصوصا هنا
    في الخليج،،
    لا مجال للتعليق أكثر ،، فالدمعة تنسكب مع كل كلمة أكتبها،،،

    ( م. عائشة السيفي) واصلي في سبر اغوار واقعنا،،،

    وعسى ان نستفيق ( نحن) من غفلتنا ،،

    سالم،،


     

    ردحذف
  13. كنت أذهب للعمل مع صديقي العزيز وكنا متوافقين في أن الاستماع إلى الإذاعة المحلية "يزوّع" لكن رأيي الشخصي كان أنني بحاجة لمعرفة مايدور في مجتمعي وسوالف الناس، لكن رغم هذا كان لايطيق فيمد يده ويطفئ المذياع.
    رأيي الشخصي أن هذه الظاهرة أتت مع العولمة عن طريق الفضائيات فاهتماماتنا تصاغ الى حد بعيد من بعيد عبر الفضائيات والشباب يشعر بحاجة ماسة لأن يكون مشابها لغيره من شباب العالم to be current في كل شيء بداية بالمظهر وانتهاءبالقيم والعياذ بالله.
    لي ملاحظة في كلام الحكيم الذي نقلت عنه أظن هذه الكلمة "حفاصة" في غير محلها وظني أن الصحيح "حصافة"

    خالد الشعيلي

    ردحذف
  14. لا تشتكـي مـن جـور الايـام للنـاس
    وادفن همومك في ثرى الصمت كله

    اسـرار عمـرك خلهـا تحـت الانفـاس
    لا صــار هــرّاج القـفـا فـاطـنـن لـــه

    ردحذف
  15. انت رائعة في ماتكتبين ياعائشة
    الى الامام

    ردحذف
  16. سلطان الشامسي evolution43@hotmail.com28 يونيو 2010 في 11:11 ص

    صح لسانك, الله يوفقك فكل خطوة.

    ردحذف
  17. حمد البسامي6 يوليو 2010 في 3:06 م

    عائشة
    ثبتك الله على هذا النهج .. استمري رغم التيارات المعاكسة واثبتي لهم انك انت ممن يحملون لواء القلم يهمك ما يدور في هذا الوطن المتعثر في ثقافته وفكره..

    من القلب شكرا لانك تجعلين منا (بني آدمين) نقرأ شيئا راقيا

    حمد

    ردحذف
  18. كتابتك رائعه ... استمري... واتمنى ان تجد كلماتك آذانا صاغيه من أصحاب الرؤوس الكبيره ...

    عائشة ...

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

قلْ لي أنت تعمل في الديوَان.. أقل لك كم جنَيت؟!

جارنَا أبو أحمَد .. الذي أخبرتكُم عنهُ ذات مرَّة .. الرّجل الصادق الصدوق الذي نذرَ نفسهُ ومالهُ في خدمَة الناس .. كانَ كلّما أخرج صدقة ً أو زكاة ً للناس .. جاءهُ أناسٌ أثرياء آخرون يطالبُون بنصيبهم من الزّكاة .. وذلك لقولهم أنّ أبا أحمد يوزّع معونات يصرفها الديوان لهؤلاء الفقراء .. يأتون طارقين الباب مطالبين بحقّهم قائلين: نريد نصيبنا من فلوس الديوان .. ورغم أنّ أبا أحمَد لم يتلقَ في حياتهِ فلساً لا من ديوَان السلطان ولا ديوَان هارون الرشيد .. إذ بنى نفسه بنفسه .. فامتهنّ كل المهن البسيطة التي لا تخطر على البال .. بدأ عصامياً وانتهى .. لا أقول ثرياً وإنما ميسور الحال .. أذكرُ أنّ امرأةً أعرفها وهي من قبيلة البوسعيد .. وهي من العوائل التي تستلم نهاية الشّهر راتباً شهرياً بثلاثَة أصفار لا لشيءٍ سوَى أنها تقرب لفلان العلانيّ الذي يشغل منصب مدير دائرة الصحون والملاعق في الديوان الفلاني أو البلاط العلاني وهي أيضاً "تصير ابنة عم ولد زوجة خال الوزير الفلاني" ذهبت تشتكي مرةً من أنّ أبا أحمد لابد أنه يتلقى مبالغ أكثر منها من الديوان فلا هو ابن سفير ولا ابن أخت زوجة الوزير ولا هو من أص