التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عُمان . . دائماً بخير!

تصَادمتْ سيّارتَان في طريق الخُوض المؤدّي إلى الجامعَة ، فسَارعَ فاعلُ خيرٍ للاتّصال بأقربِ مركز شرطَة وحينَ رفعتْ سمّاعة المركَز ، تحدّث فاعلُ الخير قائلاً: حدث تصادمٌ بينَ سيّارتين بالقربِ من منزلِ فلان الفلانيّ .. مسمياً أحد الهوامير الكبَار الذين تصطفُ بيُوتهم الشاهقة على الشَارع وتكتبُ عبارة "طريق خاص" على بعد كيلُومتر عن بواباتهم الفولاذيّة . .

فردّ الشرطيّ من المركزِ على فاعلِ الخيرِ ذلكَ: "نحن ما نعرف فلان الفلانيّ ، نحن نعرف "السيّد" فلان الفلانيّ" موبخاً فاعلَ الخير ذلك على إسقاطه غير المتعمد لألقاب التضخيم التي ينبغيْ أن يصدّر بها أسماء رجالات حكوماتنا حتّى حين المسارعة بعمل الخَير في التبليغ عن الحَادث. .

بالرغمِ أنّ الهامور المذكور لا يملك لقب سيّد وإنما "صاحب المعالي الوزير". . يللا .. سقط لقبٌ وبقيت ألقاب !

نصيحَة مستقبليَّة أيّها المواطن:

فيما لو حدثَ أن رغبتَ في التبليغ عن حادثِ لسيارتين فعليكَ أن تتوخى الحذر وتتأكد جيداً من جملة الألقاب التي يملكها الهامُور الذي وقعَ بقرب قصرهِ الحادث فقد يأتيكَ بدلَ كلمَة: "نشكركَ على التبليغ يا أخي المواطن" . . سيأتيك ردّ: إياك ثم إياك فقد ارتكبت خطأ فادحاً يعاقبكَ عليه رجالاتُ مالك بن سليمان المعمريّ. .

لا أدريْ لم أسقطتْ ندوَة التوعيَة المروريّة أهميَّة مراعاة بروتوكولات الدولة في التبليغ عن حوادث السير . . ولذا أنوِّهُ بدوريْ بأن يتمّ اعتبار اقتراحي هذا في الندوةِ المروريّة القادمَة

***

فيْ إحدى قاعات التصارِيح فيْ إحدَى المجمّعات السكنيّة للطالباتِ بجامعة السلطانِ قابُوس. . حيثُ اكتظتِ القاعةُ بالطالباتِ وأقاربهنّ المصرحينَ لهم . . حملتْ تلك الطالبَة ُ التصريحَ لكيْ يوقّعهُ قريبها. . أخرجَ قريبها قلمهُ الأحمَر ووقّع على خانةِ التوقيعِ . . وما أنْ سلّمت الطالبةُ التصريح للمشرفة المناوبةِ في القاعةِ لاعتمادِ التصريحِ وختمهِ . . حتى ارتعدتِ المشرفةُ صارخةً: لا يحقّ لأيِ شخصٍ التوقيع بالقلم الأحمَر إلا السلطان . . ممزقة ً الورقة على مرأى من الجَميع . .

فإنْ صحَّ ذلك : فأقولُ . . قاتلَ اللهُ البروتوكولات الغريبَة التيْ يدخلُ فيها هذا البلد يوماً بعد يَوم ! وسامحَ اللهُ من سنَّ علينا بأن "نسمعَ فنطِيع" !

.

.

فيْ آخرِ امتحَانِ قيادةٍ رسبتُ فيهِ . . وفي طريقِ عودتيْ كانتِ المدربة ُ تتذمرُ من طريقَة المعاملةِ التيْ يعاملُ بها الفاحصُونَ المدربِين. . وللأمانةِ فقدْ لمحتُ بنفسيْ كميَّة الإهاناتِ التيْ يغدقها أفرادُ الشرطَة الفاحصين للمدربينَ أثناء اختباراتِ القيادة للمتدربِين . .

قالتْ لي مكسُورةً بعدَ أن صرخَ في وجههَا الفاحصُ وهيَ تسألهُ بعد كم سيارة دوري؟ (متساءلة ً عنْ عدد الممتحنين الذينَ يسبقوننيْ كمتدربَة لديها في الاختبار) فما كانَ من الفاحصِ سوَى أن صرَخ بها: "لا تسأليني ، تجلسي مكانك تنتظري! تروحي تشربي قهوة ولا تروحي لي مطعم ما شي . . وإذا جا دورك وما حصلتك ومتدربتك موجودات باكتبك غياب" . .

انكمشت مدربّتي على نفسهَا وعادتْ أدراجها أمام نظرَات الجميع. . قالتْ ليْ: هذيلا ما دواهم غير نخبر عليهم الحكومة! تأدبهم. . سكتت قليلاً ثم عقّبت بلهجة بريئة للغاية كمن لا يعرفُ شيئاً: الحكومة مسوية مكان يسويوا فيه شكاويهم الناس على الشرطة وتاخذ بحقوقهم ف ذاك المكان. . مكان في الانترنت اسمه. . ( انتظرت فترَة لتتذكر) وهي تنطقُ: سبلة . . . سبلة . . . قلتُ لها: سبلة عُمان. . فردَّت: نعم نعم هوَ. . هذا يسجّلون فيه الشكاوى على الشرطة والحكُومة تلبي الشكَاوى . . هل سمعتِ بهذا المكَان؟

فرددتُ عليها وعينايَ على الطريق: نعم ، سمعتُ بهِ !

قالتْ لي: والله الدنيا بخير والحكومة صارت تسمع شكاوي الناس

حدَّقتُ إلى مدرّبتيْ طويلاً وقلتُ: نعم الدنيَا بخير. . ثمّ فكرتُ: منذُ متَى لم تكُن عُمان بخير؟

لا توجَد بطالة وإنّما ربعُ الشَعبِ باحثين عن عمَل. . والرّبع الآخرِ حاصلُونَ على عملٍ براتبِ 120ريَال . . والربعُ الآخر توفاهُ الله في حادثِ سير ، وأمّا الربع الأخير: فهمْ أطفالٌ ينتظرُون أن يكبروا . . فإمّا ينتهيْ بهم الحال باحثين عن عمل. . وإمّا يحصلُون على عملٍ راتبِ ب120ريَال . . وإمّا يتوفّاهم الله في حادثِ سَير . .

والحمدلله . . هلْ قال أحدٌ أنّ عمان لم تكُن يوماً بخير؟

***

أشفقُ كلّ يومٍ على أطفالي الذينَ لم يروا النُور بعد . . العَيش في وطنيْ الجميل الذيْ تخنقهُ أيادٍ هيَ -للأسفِ- من أبناءِ البلدِ ومنْ أناسهَا !

وطني الغارق وسطَ المحسوبيَّة واحتكَار الثروَات ، وتوسّع الفروق المعيشيّة ، وتطَاول أصحاب الألقاب على أبناءِ البلدِ وانحدَار مستوَى الذوقِ العَامِ ، وانتشَار الجرائم الأخلاقيَّة . .

أشفقُ على أطفَالي وأخافُ عليهِم . . وأخافُ أن يستمرّ الوضعُ بعدَ عشرينَ عاماً أو خمسينَ عاماً وبلادي تغرقُ وتغرقُ وتغرقُ . . ثمَّ يأتينيْ أحدهُم ليطمأننيْ قائلاً: أنّ الدنيَا لا تزَالُ بخير ! فإنْ أتَى ذلكَ اليَوم . .حملتُ شهادتيْ العلميَّة وأطفاليْ . .وهاجرتُ تاركة ً الخيرَ لأهلِ الخير !


تعليقات

  1. كعادتي هذا وقت التجول مع الصحف العالمية والعربية والاصدقاء المتناثرين في بقاع الكوكب العجوز لاقف اخيرا واحيانا امام هذا المدونة التي لا تقل جنونا عما الاقيه او اداعبه بعيني / انه الحلم الذي لا يصدق وقوعه الانسان عندما تشرق الشمس! لو تعلمين كيف اخذت الرخصة الامريكية لضحكتي وخلال اسبوع ولكن
    هي ساعتين او اقل من ذلك ! المقال يحت اللحم عن العظم ولكن لابد من ذلك لكي نرى الطريق !

    ردحذف
  2. رائع جدا هذا الكلام.
    كبارات الدولة (الهوامير) رُسِمُوا لنا وكأنهم ملائكة مُنزلِين فلا يمك المساس بشخوصهم المنزهة عن الخطأ.
    والله تعبنا من هذه التبعية المذلة وكأننا أغنامٌ تقاد للذبح.

    ردحذف
  3. كلام في الصميم ...
    وتسأولي هو ماذا نفعل؟
    بدلا من ان نقول ونقول ونكتب ونكتب ماذا نفعل؟
    أنت ماذا ستفعلين اليوم ولو شيئا بسيطا لأجل استمرار الخير في وطن الخير؟
    لا تقولي سأكتب !!!
    انا ابحث عن فعل ، عمل ، Action !
    الشرطي الذي رد انه لا يعرف فلان هذا مسكين جهله جعله يرد بمثل ذلك الرد !
    ومدربة السياقة مسكينة ايضا كأغلب المدربين مستواهم التعليمي متواضع وثقافتهم لا يسعون إلى تطويرها .. الشرطي الفاحص مسكين هو الآخر لا يعلم !!

    الجهل يا أختي هو سبب كل هذا فهل يمكنك ان تتبرعي بيوم او بساعة في الإسبوع لتقديم دورة تدريبية في اتيكيت التعامل الحضاري وكيف تحصل تطور ثقافتك ووو مجانا لأبناء هذا الشعب الجاهل !!

    دام تألقك وأدام الله عليك ابتسامتك الساحرة :)

    ردحذف
  4. المقال جدا قوي... سأنشره في صفحتي في ال facebook

    ردحذف
  5. بالله عليك إلى أين ستهاجرين ؟
    إلى الغرب ( حال المسلمين هناك كذلك في تدهور )؟!
    أصبح الشخص يخشى السفر فقط لمجرد أنه مسلم ؟!
    والهروب ليس من شيمكِ أختي بل من طباع الجبناء
    لنحاول تغير الواقع فإن إستطعنا فلنا الشرف وإن خسرنا فلنا شرف المحاولة ؟!
    بلادي وإن جارت عليّ عزيزة ............
    وأنا أعلم تماما بأن قطعة أرض على بوادي نزوى تحت اللهيب المحرق أجمل في ناظريك من البساتين الغناء في بلد آخر ... فقط لنبدأ ولنقول شيئا وإذا ما جاء أطفالنا لنسلمهم زمام المسير وليواصلوا المحاوله .
    مودتي
    مريم

    ردحذف
  6. دائما رائعة

    يا عائيشة


    واعذرني لعدم ذكر اي من القابك :)

    ردحذف
  7. عائشة: جميل
    تدوينتك هذه أدمتني قبل أن تدمعني.

    شكرا عائشة
    واتمنى أن لا يخرج غدا احد كتاب الأعمدة ليهاجمك
    ويهاجم من يحبون هذا الوطن أكثر منه..

    شكرا عائشة


    موسى البلوشي

    ردحذف
  8. كتاب الاعمدة

    ااااخ والله منهم

    كلهم سواء
    من تاجر العقارات الى صاحب اقتراح اكبر قلعة في العالم

    فلتهنأ عمان بهم دائما
    وعاش فلان الفلاني :)

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

قلْ لي أنت تعمل في الديوَان.. أقل لك كم جنَيت؟!

جارنَا أبو أحمَد .. الذي أخبرتكُم عنهُ ذات مرَّة .. الرّجل الصادق الصدوق الذي نذرَ نفسهُ ومالهُ في خدمَة الناس .. كانَ كلّما أخرج صدقة ً أو زكاة ً للناس .. جاءهُ أناسٌ أثرياء آخرون يطالبُون بنصيبهم من الزّكاة .. وذلك لقولهم أنّ أبا أحمد يوزّع معونات يصرفها الديوان لهؤلاء الفقراء .. يأتون طارقين الباب مطالبين بحقّهم قائلين: نريد نصيبنا من فلوس الديوان .. ورغم أنّ أبا أحمَد لم يتلقَ في حياتهِ فلساً لا من ديوَان السلطان ولا ديوَان هارون الرشيد .. إذ بنى نفسه بنفسه .. فامتهنّ كل المهن البسيطة التي لا تخطر على البال .. بدأ عصامياً وانتهى .. لا أقول ثرياً وإنما ميسور الحال .. أذكرُ أنّ امرأةً أعرفها وهي من قبيلة البوسعيد .. وهي من العوائل التي تستلم نهاية الشّهر راتباً شهرياً بثلاثَة أصفار لا لشيءٍ سوَى أنها تقرب لفلان العلانيّ الذي يشغل منصب مدير دائرة الصحون والملاعق في الديوان الفلاني أو البلاط العلاني وهي أيضاً "تصير ابنة عم ولد زوجة خال الوزير الفلاني" ذهبت تشتكي مرةً من أنّ أبا أحمد لابد أنه يتلقى مبالغ أكثر منها من الديوان فلا هو ابن سفير ولا ابن أخت زوجة الوزير ولا هو من أص