التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أينَ شاكيرا وجابرييل ماركيز العرب

ما الذي يمكن أن يجمع ما بين مطربة وراقصة إغراء شبابية مثل المغنية شاكيرا والروائي العالمي جابرييل جارسيا ماركيز، بإستثناء أنهما كولومبيان؟ ربما من الصعب التفكير بقواسم مشتركة بينهما. صحيح أن شاكيرا تتميز بهز الوسط والرقص الديناميكي على المسرح، ويتميز ماركيز بأنه قد هز الوسط الثقافي والروائي العالمي برواياته المذهلة عن أميركا اللاتينية واساطيرها في القرنين التاسع عشر والعشرين، ولكنهما بالفعل يمثلان رمزان متناقضان لثقافة ورقية روائية جادة، وثقافة- إن جاز التعبير- راقصة وحيوية وترفيهية.


القاسم المشترك أن الإثنان لديهما حس عال بالمسؤولية الإنسانية تجاه الفقر والجهل والأمراض التي تتفشي في أميركا اللاتينية وهذا ما جعل جابرييل ماركيز يوافق على أن يكون رئيسا فخريا لجمعية "آلاس" التي تدعمها المطربة شاكيرا وتهدف إلى القضاء على الفقر وعلى ظاهرة عمالة الأطفال والأمية في أميركا اللاتينية والتي قدمت أكثر من 45 مليون دولار دعما لمشاريعها في أميركا اللاتينية في العام الماضي.
الفارق الثقافي الكبير بين شاكيرا وماركيز لم يمنع أبدا تعاونهما في سبيل قضية ذات طابع إنساني وتساهم في تحسين نوعية الملايين من الناس، فقد وصفت شاكيرا ماركيز بأنه "كاتبنا الكبير فضلا عن أنه كان دوما مثالا للأخلاق والنبل والالتزام حيال أميركا اللاتينية» أما ماركيز فهو لم يبد علنا إعجابه بسجايا شاكيرا الفنية ولكنه أعلن أنه متحمس جدا للمساهمة في هذا الجهد.
في العالم العربي فقر ومرض وجهل ربما أكثر من أميركا اللاتينية، باستثناء دول الخليج طبعا. وفي العالم العربي ربما لا يوجد مثقف ورقي صاحب مكانة كبيرة مثل ماركيز ولكن هناك العشرات من اشباه شاكيرا من الراقصات والمطربات اللواتي يتمايلن على شاشات الفضائيات يوميا ويشاهدهن ملايين العرب من المحيط إلى الخليج. هؤلاء الراقصات/المطربات/ الممثلات لا يقمن بأي جهد يذكر في قضايا إنسانية وجمع التبرعات بالرغم من أن السطحية الثقافية الطاغية في العالم العربي جعلت منهم رموزا للفن.
في برنامج مرتبك ومصطنع بعنوان "العراب" يستضيف أحد "أهم" مقدمي البرامج اللبنانيين شخصيتين من "الوسط الفني" أسبوعيا، والمحاولة البائسة التي يقوم بها مقدم البرنامج هي أن يسأل الشخصيات اسئلة ذات طابع ذكي وفي كل الحالات تكون النتيجة فشلا مدقعا نتيجة الضحالة الثقافية الهائلة لهذه الشخصيات. لو كان هناك رغبة لدى "رموز الفن العربي" في إستثمار الشعبية الجارفة التي يتمتعون بها في المجتمع العربي في جمع التبرعات والدعم لقضايا إنسانية لكان ذلك ممكنا من خلال محاولات صامتة لا يدعي فيها أحد أنه مثقف، وهناك الكثير من الوسائل الممكنة لجعل هذه الشعبية مفيدة في تحسين حياة الكثير من الناس الفقراء الذين يعانون يوميا من شظف العيش.
الشهرة السريعة التي تسببت بها الفضائيات والسينما لبعض أصحاب المزايا الجسدية من الرجال والنساء العرب حملت معها مبالغ كبيرة من المال والتي يمكن أن تكون مفيدة في تقديم الدعم الكافي للفقراء في حال إمتلك هؤلاء "الفنانين" الرغبة والحرص الإنساني الذي نشاهده لدى الكثير من الشخصيات المشاهير في الغرب وفي آسيا وأميركا اللاتينية.

كتبَه: باتر محمد علي وردم

تعليقات

  1. اذن وصلتك حُمى البلوغين العُمانية.. أهلاً وسهلاً بكِ :)

    شكراً لإرسال الوصلة لي..

    ردحذف
  2. هم إنسانيون أكثر منا..

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هلْ أنفقَ "قابُوس بن سعِيد" 64 مليُون دولار على منظمَاتٍ بريطانيّة؟

"قابُوس بن سعِيد يكرّم هيئة حقوق الانسان البريطاني 21 مليون دولار ومساعدَة للمنظمة المالية البريطانية 43 مليون دولار" هكذا وصلتنيْ رسالة تناقلهَا الناسُ مؤخراً عبر أجهزة البلاك بيري وبرنامج الوتسأب ومواقع التواصل الاجتماعي .. تناقلَ الناسُ الخبر "المُصَاغ بركاكة لغويّة" بحالة من الغليان حول تبرع السلطان قابوس لمنظمات بريطانية بـ64 مليون دولار. وصلتنيْ الرسالة من أشخاصٍ مختلفين ولم يستطع أيٌ منهم أن يجيبني على سؤالي حولَ مصدر الخبر .. كان جميعهم يتناقل الخبر دون أن يكلّف نفسه بالعودة إلى المصدر .. بحثتُ عبر الانترنت عن أيّ موقع أو تقرير يتحدث عن الهبةِ السلطانيّة "السخيّة" ولم أستطع الوصول إلى أيّ موقع إخباري أو رسميّ يتحدث عن التبرع. وحينَ حاولتُ البحث عن المؤسستين البريطانيتين المذكورتين أعلاهُ لم أجد لهما ذكراً على أخبار الانترنت إطلاقاً سوى مواضيع طرحها أعضاء منتديات وضعوا الخبر هذا في منتدياتهم وأشاروا إلى المؤسستين بهذا الاسم. حينهَا قرّرتُ أن أصلَ بنفسي إلى مصادر تؤكدُ لي –على الأقل- صحّة المعلومة من عدمها. حاولتُ البحثَ باللغتين عن مواقع ل...

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من و...

السيّد نائب رَئيسِ مجلسِ الوزراء ... الخُبز أم الكَعك؟

السيّد نائبُ رئيس الوزراء ... الخُبز أم الكعك؟ نسخَة من الرّسالة إلى وزيرَي التجارَة والصنّاعة والمَكتبِ السّلطاني. صاحب السموّ السيّد فهد بن محمُود نائبَ رئيسِ الوزراء.. تحيّة طيبة وبعد: دعني قبلَ أن أبدَأ رسالتيْ أن أحكي لكَ قصّة ماري انطوانيت .. آخر ملوك فرنسَا .. ففيمَا كانت الثورَة الفرنسية تشتعلُ والجماهيرُ الفرنسيّة الغاضبَة تحيط بقصر فرسَاي لتخترقه كانَت الجماهيرُ تصرخُ: نريدُ الخبز ، نريدُ الخبز! شاهدَت ماري انطوَانيت الجماهير يصرخُون من شرفَة قصرهَا وسألتْ كبيرَ خدمها: لماذا يريدُ الناسُ خبزاً؟ فأجابها: لأنهم لا يستطيعُون شراءه أيها الملكة! فردّت عليه بقمّة اللامبالاة والجهل: "إذا لم يجدوا خبزاً لماذا لا يشترونَ الكعك"! .. لقد كانتْ ماري انطوانيت تجهَلُ أنّ الكَعك أغلى من الخُبز فإن كانُوا عدمُوا الخبز فقد عدمُوا الكعكَ قبلهُ.. ظلّت هذه القصّة لأكثر من ثلاث قرونٍ من الزّمان حتّى اليوم مدارَ ضرب الأمثال في انفصَال المسؤُول عن واقعِ النّاس ومعيشتهم.. لأنّها كانت تتكررُ في أزمنة وأمكنة مختلفة. أتساءَل فقط سيّدي الكريم إن كنتَ تعرفُ كيفَ يعيشُ المواط...