التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نعم .. نحبّ الله وإن اختلفت طرقنا !

اليَوم .. تلقيتُ رسالة غريبة من إحدَى زميلاتي في الجَامعة .. هنئتنيْ فيها بشهر رمضان ثمّ طلبت مني أن أخبر إحدى صديقاتيْ (سمّتها اسماً) بأنّ رمضان شهر يضاعفُ فيها الأجر كما يضاعفُ فيه العقاب ودعتني إلى أن أرشدهَا للبسِ الحجاب ، مضمّنة الرسالة من الوعيد ما لا يضمّنه خطيب يوم الجُمعة ..

كنتُ أقرأ الرسالة وآسفُ بشدّة إلى أنّ هذا الأسلُوب هوَ أسلوب فتاة جامعيّة ، نفترضُ أنهَا تعلّمت من دراسَتها العليا ما يغنيها عن لغَة الوعيد هذهِ .. ولا أدري لماذا تمّ حشري في الموضوع هنا ..

لطالمَا اشتكتْ لي صديقتي تلك عن تعرّض الكثير من الفتيات لها بسبب أنها غيرُ محجّبة .. أطلعتني كثيراً على مضايقاتهنّ عبرَ رسائل يبعثنها من أرقامٍ مجهولة ومن ثمّ امتدّت المضايقات لتصلَ لبريدها الالكترونيّ برسائل محمّلة بلغَة مشحونة أقرب ما تكُون للشتائم .. وانتهَى بها الأمرُ إلى أنّ أحدهم سرقَ بريدها ليوزّع على كلّ أعضاء بريدها رسالة تعلنُ أنّ هذه الفتاة من ضمن من أشارَ لهم الحديث "نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ لا يدخلنَ الجنّة ولا يجدنَ ريحها"

انتهَى مسلسلُ الرعب الذي تعيشهُ تلك الفتاة .. برأيكم ، هل ستتحجّب هذه الفتاة في نهايتهِ؟

صديقتي هذهِ غير محجّبة .. لكننّي مشيتُ معها وصاحبتهَا ووجدتُها من أجمل الفتيات أخلاقاً والتزاماً ورقياً في التعامل .. وهي وإن كانتْ –غير محجّبة- إلا أنّها لا تتعمّد الإغراء وارتداء الملابس المكشوفة ، ترتدي الملابس البسيطة والفضفاضة ، ولا تضع الماكياج .. تمشي بوقارٍ شديد وتلقي التحيّة علينا من بعيد ..

كثيراً ما علّقت في بعضِ الأيّام .. بأنّ شيلتي جميلة ، أوْ أنها أحبّت لون هذه الشيلة .. فأعلّق ضاحكة : تجربيها !؟ فتجرّبها فأبتسم قائلة بنفسِ لهجتها : ولك تقبريني شو طالعة طيري العقل بالشيلة !

فيتورّد خدّاها بالحمرة الجميلة وتبتسم ..

أحزنُ كثيراً حينَ تريني ما تتعرّض لهُ من عنصريّة باسمِ الدين ، وأشعرُ بالخجل أنّ هؤلاء يتحدّثون باسم الدين والدعوة ، والدعوَة الحقيقية بريئة ٌ منهم .. وأتساءلُ كيفَ خرجَ هؤلاء بمفاهيم "منحرفَة" عن طريقة الدعوَة ومفاهيم المعصيَة وكيفَ يتوحّد هؤلاء جميعاً في هذا الأسلوب "السوقيّ" للدعوة الذي لا يعرفُ سوى لغَة التهديد بالنار للعاصي ، وجهنّم للفتاة السافرَة إلخ !

متى نحسنُ استخدام الوجه الحقيقي للإسلام والدّعوة ؟

قبلَ عامٍ واحد .. كنتُ وصديقتي في إحدى سكنات الجامعة نذاكرُ في إحدى الممرّات حين تصاعدت جلبَة من غرفَة التلفزيون بتلك الوحدة السكنيّة .. وإليكم ما حدَث ..

بينما كانت الفتياتُ يشاهدنَ مسلسلَ "باب الحارة" دخلتْ عليهنّ فتاتان فجأة .. توجّهتا رأساً إلى التلفزيون فأقفلتاه ثمّ بدأتا بقراءة القرآن بصوتٍ عالٍ خالٍ من الترتيل أشبه ما يكون بالصّراخ !

حدَثت مشادّات كبيرة بين الطرفين وجلبة إلخ .. ولا أدري كيفَ انتهت المشكلة ..

لكنني لاحقاً كنتُ ألمح فتياتٍ كثيرات بمجرّد أن تمرّ الفتاتان .. يرفعنَ صوت الأغاني بهواتفهنّ ، وحتّى الفتيات اللاتي لا يفعلنَ فإنهنَ يتجنبنَ الحديث إليهما !

حدثَ هذا لأنّ جميعَ الفتيات بما فيهنّ الملتزمات وكثيرٌ منهنّ يتابعنَ باب الحارة استأن من الطريقَة السيئة التي استخدمتها الفتاتان باسمِ الدّعوة .. وطريقَة معكوسة للغاية من أجل الهداية ..

نحنُ بحقٍ بحاجة إلى نتعلّم فنّ الدعوة بالابتسامة ، بالكلمة الطيبة ، بالفعل الحقيقيّ بعيداً عن الشعارات المعتادة للدعوة .. أن نجعلَ من أنفسنا أدوات دعوة دونَ كلمات جهنّم والنار والعاصي والكافر !

اليَوم ثمّة قطيعَة حقيقية بينَ المتدنين وخلافهم .. والسبب أن طريقة الحوار غائبة بينهم .. الموضوعية غير موجُودة مطلقاً ..

اعتدتُ كثيراً أن أدخلَ مدوّنة شابٍ خليجيّ درس مدّة طويلة في الولايات المتّحدة يدّعي الإلحاد ، وتعرفُون؟ كانَ هذا الشابُ يتّخذ من مواقفَ متعصبين كهؤلاء مرّت بهِ للإساءَة للإسلام الجميل .. الإسلام الطيّب .. الإسلام السّمح

هذا الشّاب من كثر ما مرّ به من مواقف مماثلة كهذهِ التي ذكرتُ أعلاهُ سخّر قلمهُ ولغته الجميلة ودراستهُ العميقة في تهميش أيّ دين والسّبب ؟ هؤلاء الذين يتخذون من أنفسهم متحدثين باسم الدين ولا أحد يسيءُ له سواهم ..

قبلَ يوم .. تلقيتُ رسالة من أحدهم ، وهوَ شابٌ ناشطٌ منتدياتياً ومتعلم ، ينصحني بالهداية والبعد عن المعصية لأنهُ حين تصفّح مدوّنتي وجدها بعيدة ً عن الله .. وأنه لم يجد بها شيئاً مهماً ..

لا أخفيكُم أنّ أسلوب هذا الشابّ كان لطيفاً وربّما لم يكن متعنّتاً كما مرّت بهِ صديقتي .. إلا أنّني حزنتُ إلى تعريف هذا الشابّ لما هوَ مهمّ ولما هوَ غير مهمّ ..

تصفحت مدونتك وقرأت ما حوته وبحثت فيها عن شيء مهم فلم أجده .. مدونتك
بها أغاني وبها أشعار جميلة وبها قصص أليمة ولكن لم أجد الله فيها .. بل
هي بعيدة عنه .. ربما أكون مخطئاً ولكنني أجد الله أمر لا بد منه فالمسلم
مصيره في الدنيا والآخرة مرتبط بما فعل باسلامه .. وعندما وقفت على أغنية
Back to Black
فاتك أنها بالفعل حياة مظلمة لبعدها عن الباري
أية حياة هذه التي تقوم على الوهم بالمخدرات والمسكرات فتوصف بالروعة
كونها نطقت بقصيدة أو كلمات تتكلم عن معاناتها

ديننا الاسلامي لا يخلو من مصائب كتلك ولكن ما يأمر به له سمو وصفاء
ونقاء وطهارة وعفة لها راحة في النفس .. فكم من هؤلاد المغنين بالرغم من
شهرتهم عاشوا حياة المجون وعدم الاستقرار النفسي والعائلي .. الفيس برسلي
كان يتعاطى المسكرات والمخدرات كي ينام وحياتهم من الداخل مفككة ..

لن أطيل عليك ..سخري جزء من اطلاعك المعرفي للدين واوصيك بالقرآن واكتبي
بما استشفيت منه واسألي وناجي ربك بما يجيش في فؤادك .. قولي له ربي
أحبك .. أو ربي علمني كيف أحبك وخذ بناصيتي إليك

من الممكنِ يا أخي أن نكتبَ عن ألفيس بريسلي ونحبّ الله .. ومن الممكن أنْ أعشقَ قصيدَة وأحبّ الله كذلك ..

من الممكن أن أترجم روايَة لجابرييل جارسيا ماركيز وأحبّ الله .. ومن الممكن أنْ أتكلّم عن اليابان والتكنولوجيا التي وصلت إليها وأحبّ الله ..

ليسَ شرطاً حينَ أودّ أن أبدي رفضي للكحول والمخدّرات أنْ أكتبَ أنّ الله نهى عنها وتوعّد شاربها بنارٍ تحرقه خالداً مخلّدا ..أليستْ هذه اللغة التي يستخدمها مليون موقعٍ الكترونيّ في الشبكة؟

أليسَ من الممكن أن أستخدم لغة ً أخرى بعيدة ً عن الكلمات المكرورة التيْ أصبح الشباب يأنف منها بل ويأخذها على محمل السخريّة ؟

لستُ فقيهة ، ولا مفتية ، ولا أدعي من اطلاعي في الدين أكثر من إطلاعي على القرآن وبضع كتبٍ أخرى لابن هشام وسيد قطب وبعض فتاوى الخليليّ ..

لكننيْ أعرفُ أن الدين جميل ، وأنهُ يدعو للتي هي أقوم ، وأنّنا في هذه الحياة دعاة ٌ جميعاً .. كلاً بطريقتهِ الخاصّة ..

يا أخي .. نحنُ نصلّي ونصوم ، ونقرأ القرآن ، ونقرأ لنيرودا .. ولجابرييل جارسيا ماركيز .. نقرأ شيفرة دافنشي لدان براون .. نخرجُ للتسوّق ، ونجتمعُ مع الصديقات ونثرثر كثيراً .. ونشارك في حملات التوعية ضد التدخين وفي حملات تنظيف المساجد ونذهبُ إلى السينما .. ونحبّ الله لأنهُ هو منبعُ كلّ ما نفعله ..

وندخل اليُوتيوب ، وتويتر والفيس بوك ونتبادل الكاركاتيورات مع الأصدقاء هنالك بمختلفِ أطيافهم .. وتوجّهاتهم الدينيّة .. وندخل الماسنجر .. ونضع مقاطعَ من قصيدَة من حكَم سقراط الشاذّ جنسياً ومقاطع من أوسكار وايلد الذي ومات مخموراً ومع ذلك فلهُ من النتاج الأدبيّ الجميل ..

وسقراط نفسهُ أثّر كثيراً على مفكرين عرب إسلاميين ولهُ من المبادئ والحكم الرائعة ما تتوافق مع الدين الإسلاميّ في كثيرٍ من الأمور

وسأقولُ لك شيئا .. لا أحد كاملٌ في هذه الحياة .. ولو كنّا نبتعدُ عن كلّ شخصٍ وذلك لأنهُ قام بهذا العمل السيء أو ذاك لظللنا متحجّرين في ثقافاتنا .. ولم نكن لنأخذ من التكنولوجيا شيئاً لأنّ صناعها كانوا عصاة ً ولواطيين ومخمورين ..

هل تعرف سامويل مورس؟ سامويل مورس هو من اخترع التلجراف الذي تتبادل بهِ الدول البرقيات وتتبادل به الحكومات والمخابرات الرسائل المهمّة ..

سامويل مورس هذا كان قبلَ أن يدخل مختبره يتناول قنينة كاملة من البيرة ثمّ يبدأ في العمل على جهازه الذي خرج بهِ إلى العالم وهو التلجراف .. ودعوني أقول شيئاً .. لو كنّا نحاسبُ سامويل مورس فلماذا أخذنا منه هذه التكنولوجيا؟ هل يجيز الاسلام الأخذ بالتكنولوجيا من سكّير وعاصٍ كسامويل مورس؟

وتعرف ليوناردو دافنشي؟ قد تظنّ أنه رسّام وستقول أنّ الإسلام يحرّم الفنّ وأنّه مضيعة للوقت لكن دعني أقولُ لكَ شيئاً .. كان دافنشي من أبرع المهندسين المعماريين الذي عرفتهم البشريّة .. وقد وضع الكثير من القواعد في فنّ الهندسة المعماريّة .. واستحدثَ من المحاور ما لم يسبقهُ إليه مهندسٌ معماريّ وقد أصبحت تصاميمه الهندسيَة لاحقاً أساساً لعوالم جديدة في الهندسة المعماريّة ليست في أوروبا فحسب بل في العالم الإسلاميّ .. دعني أقول لك شيئاً .. لقد كان دافنشي لواطياً .. وكان يقود مقاومة سريّة لمنح اللواطيين حقوقاً مدنيّة في مجتمعه .. هل سيعني أن هذا الرجل الغارق في هذه الحياة الـ (.....) أننا لن نتعامل معه؟ لن نترجم أعماله؟ لن نأخذ بالجيّد منها؟

ألن نكتبَ عن دافنشي لأنه لواطيّ؟ ولن نكتب عن لورنس العرب لأنه كان متحرّشا بالأطفال؟ ما علاقة حياة الشخص نفسه بنتاجهِ العلميّ أو الأدبيّ؟ ما علاقة حياة ايمي واينهاوس المظلمَة بنتاجها الأدبيّ وقصائدها؟

أن تحبّ الله ليسَ في أن تكتبَ عن الدين فقط ، وعن القرآن .. وليسَ أن تمسك آية وتفسّرها أو تحلّلها ..

أن تحبّ الله لا يعني أن تجوبَ البيوت داعياً الشباب متوعّدا إيّاه بالمصير الأليم لمن يسمع الأغاني ومن يشاهد الأفلام؟ لا ..

أنا أحبّ الله وأقرأ القرآن وعلاقتي بهِ خاصة ٌ جداً لا يعرفها كلانا .. وهذا لا يمنعني أن أقرأ الأدب الأميركي وغيره وأترجمه ..

ربّما كان سيكُون أجمل لو قلت لي .. (تعرفين يا أختي؟ لقد أعجبت كثيراً بموضوعك الفلاني في المدونة وأقترح عليك أن تكتبي عن كذا وكذا؟ ، قرأتُ ما كتبتِ عن اليابان ومنَ الجيّد أن تكتبي مقالاً عن دعم الاسلام للاختراع العلميّ ) .. كنت سأجدهُ ألطف منك لو قلتَ ( أختي ذكرتِ عن حياة ايمي واينهاوس الغارقة في المخدرات والكحول ، سيكُون جيّدا لو تكتبين مقالا عن هذا الأمر بطريقة خفيفة يتقبلها الشباب ) .. كنت سأجده أجمل .. لو اقترحت عليّ ولو أرشدتني دونَ أن تجرحني ودونَ أن أتأذّى !

وتعرف؟ إن كنتُ أسمع الأغاني وإن كنتُ أترجم قصائد لشعرَاء "كفّار" فهذا لا يعني أننا سيئون للغاية ! وأننا لا نحبّ الله بطريقة أو بأخرى .. وأن الآخر الذي لا يسمعُ الأغاني هوَ أفضل منّا .. وسيدخلُ الجنّة وندخلُ نحنُ النّار

دعني أحكي لك حكاية .. حدثت في إحدى الشركات التي عملتُ بها هذا الصّيف .. حينَ أذّن الظهر ، ذهبنا للصلاة .. وبينما كنتُ أغادر نادى أحد زملائنا .. انتظروني ! سأنهي تصليح هذه الآلة ونذهب للصلاة معاً .. اقتربَ مني أحدهم وقال لي .. أوين يريد يصلي وأنا من كم يوم شايفنه بزجاجة الويسكي !

الحقيقة أني امتعضتُ منه .. قلتُ له يا أخي .. وما دخلكَ أنت بينهُ وبين ربّه؟ أيّهما أفضل؟ يشرب الخمر ولا يصلي أم يشرب الخمر ويصلي؟ هل يعني شربهُ الخمر أنه محرمٌ عليه الصلاة وأنه شخصٌ سيء لا يتقبلُ الله أجراً منه؟

قلتُ له ربّما كان هذا الانسان في سريرته أصفى منّا جميعنا ولربّما كان قلبهُ أبيض من جميعنا .. فبلاش يا أخي تشتغل محامي عن الله .. الله لا يحتاج أحداً كي يخبرهُ إن كانَ يحقّ لهذا الرجل أن يصلي أو لا ! ولا أحدَ يمنعُ عاصياً مهما بلغتْ خطاياه أن يدخلَ بيتَ الله ..

انتهتِ القصّة

تعرفُ يا أخي ما هي مشكلتنا؟

أننا لا نعرفُ كم جميلٌ هو الله .. نحنُ لا نعرفُ عن الله أكثر من الجانب المرعب ، العقاب ، النار ، جهنّم ، عذاب القبر .. حتّى أنّ لفظة الله أصبحت مقترنة ً لدى الجميع بالعقاب.. أصبحَ الله مصدر رعب أكثر منهُ مصدر رحمَة .. اللهُ الذي نعرفُ عنه آيات العذاب هوَ نفسهُ الذي غفرَ للحظةٍ واحدَة كلّ ما عصَاهُ عبدٌ سبعينَ ألف سنَة ..

الله يا أخي يقولُ :

))إذا همّ عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة فإن هو عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه فإن عملها كتبتها سيئة واحدة ((

ويقولُ : (( إذا تقرب إلي عبدي شبرا تقربت إليه ذراعا وإذا تقرب إلَي ذراعا تقربت إليه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة))

اللهُ الذي نعرفهُ بالعقاب .. هوَ نفسهُ من يقولُ .. ((يا ابن أدم ، لو أتيتني بملء الأرض خطايا أتيتك بملء الأرض مغفرة ما لم تشرك بي شيئاً , و لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني , غفرتُ لك))

إن كنتم تجدوننا عصاة ً فادعوا لنا .. وإن كنتُم تروننا ضالين فارفعُوا أيديكم بالهداية لنا .. وإن كنتُم لا تحبُون ما نكتبُ فلا تقرؤوا لنا .. فقط دعونا لا نختلفُ أنّنا لسنَا سيئين تماماً .. وأنتُم لستُم خيّرين تماماً ! وأنّ لكلٍ منا طريقته في الدعوة وإن اختلفَ الأسلوب والمنطق ..

الآن .. دعني أقتبسُ لك إجابة ً أجبتها على أحد الاخوة الذي سألني لأيّ مذهبٍ فكريّ أنتمي في حوارٍ لي بالسبلة العمانيّة .. وربما قد يروقك ردّي أو لا .. لكن من الجيّد أن تقرأه ..

وصدّقني .. لكلٍ منا طريقته في أن يحبّ الله .. وأن يدعو ربّه وأن يتهجّد في رمضان ويجتمع في حلقات الذّكر .. لكنه لا يكتب ذلك في مدوّنته .. فلنا طرقنا في أن نحبّ الله .. وهي ليستْ بالضرورة أن تكون بالطريقة التي تؤمن بها يا أخي العزيز ..

مودّتي لك .. ورمضان مبارك وطيّب لجميع الاخوة المسلمين وعسى أن يمنّ بالهدَاية للجميع .. :)

بي صفَة لا أعرف أهي جيّدة أم لا .. فأنا من الممكنِ أن أستمتعَ بقرَاءة مؤلّف في مذهبٍ فكريٍ معيّن ثمّ تجدني في اليَوم التالي أقرأ في كتابٍ للمذهَب المعاكسِ له .. وأستمتعُ بهِ تماماً كاستمتاعيْ بسابقهِ ..
مثلاً قبلَ شهرين قرأتُ دستور الوحدَة الثقافيّة للمسلمين للشيخ محمّد الغزالي ( يباع في دَار الشّروق ) .. ورغمَ أنّ لديّ مآخذ على محمّد الغزالي وبعضِ أفكارهِ إلا أني أجدُ كتابهُ هذا ممتعاً للغاية .. بعدها بيومينِ كنتُ أقرأ كتاب الحقيقَة الغائبَة لفرج فودَة وقد استمتعتُ بهِ رغمَ ما بين الرجلين من فجوَة عظيمَة وتراشُق فكريّ ..
مررتُ بمراحلَ كثيرَة في حياتي وقرَاءات مختلفَة حاولتُ فيها أن أحبّ مذهباً معيّناً .. أن أؤمنَ بكلّ ما فيهِ ، وأن أحبّ أقلامهُ .. أناسهُ .. كتبهُ .. أفكارهُ .. فلم أستطع .. أن تؤمنَ بمذهبٍ فكريٍ معيّن .. يعني أن تؤمنَ بهِ طريقة ً للحيَاة .. وقد وجدتُ جميعها بكلّ تناقضاتها تحملُ من الصّحة والخطأ .. وتحملُ من الصّواب ما تحملُ من الخطأ .. وقد آمنتُ حينها بأنْ أحبّ ما أؤمنُ بهِ .. وألا أحبّ ما لا أؤمنُ به .. لقد آمنتُ أن هذهِ المذاهب صحيحة ٌ بشكلٍ ما وخاطئة ٌ بشكلٍ آخر .. فأنا لا يمكنُ أن أعشقَ كلّ مؤلفٍ يخرجُ من لدنِ شيوعيّ ، ولا أن أعشقَ كلّ ما كتبهُ فرج فودَة نفسه أو كلّ ما كتبهُ محمّد الغزالي ..
اليَوم .. ثمّة مشكلَة ضخمَة نعانيها هيَ رغبَة كلّ مذهبٍ فكريّ في تهميش الآخر بأيّ شكلٍ وبأيّ طريقَة .. سوَاءً كانت أخلاقيّة أو غير أخلاقيّة ..
نحنُ نعاني اليَوم من غيَاب الموضوعيّة في حوَار المذاهب مع بعضهَا البعض .. اليَوم أصبحتْ الأصوليّة تمارسُ على الجانبين .. الإسلاميّة والعلمانيّة .. فمنَ المحزن أنّنا في عام 2009 نسمعُ رجالاتِ الدّين يفتُون فتاوى بإهدَار دم ووجوبِ قتلِ أصحاب الفضائيات التلفزيُونيّة الغنائيّة ، وآخرين يوجبُون جلدَ صحفيّة لأنها لبست "بنطالاً" !
فتاوى كهذهِ تعمّق حجم الفجوة بينَ العامّة ورجالات الدّين .. ورجالات الدين هؤلاء هم المسؤُولون عن زلزلة مكانة الدّين في قلوب الشّعوب الاسلاميّة وخلخلة مكانتهِ والنظرَة التقديسيّة له .. اليَوم أصبحَ كثيرون ينظرون بعينِ السخريّة لعلماء الدّين وانحدرت مكانتهُم بسبب هذه الفتاوى التي لم تفعل أكثر من إثَارة الضّحك والاستهزاء والانتقاص بأسماء أعلام الدّين ..
في الجانب الآخر هنالك أصوليّة جديدَة تمارس تجاه الدّين ويمارسها هؤلاء الداعُون إلى الحريّة والتحرر من القيم الاسلاميّة المنغلقة .. إنّ نظرة ً سريعَة في مدوّنات الشباب في الانترنت ..العُمانيين تحديداً وغيرهم .. تقودك إلى حجم العداء الذي تحرّض إليه هذهِ المدوّنات تجاه رجال الدّين وفتاويهم وتجاهَ الملتحين أو "المطاوعة" كما تجري التسميَة .. اعتدتُ دائما ً متابعَة مدوّنات شبابٍ خليجيين ووجدتُ أنّهم يتفنّنون في إكالَة السخريّة والشتائم والانتقاص من كلّ صاحب عمامة ولحيَة ، بطريقَة متطرّفة جداً ..
هؤلاء الشباب هم نتاج هذا التصادم الفكريّ بين الدينيين واللادينيين .. اليَوم ثمّة احترام مفقود بين الجانبين .. مردّه إلى غياب الموضوعيّة بين المذاهب الفكريّة المتناقضَة هذهِ ..
اليَوم هل يوجَد ملتحٍ أو صاحب عمامَة لم يتعرّض بشكلٍ أو بآخر من عنصريّة تجاهه؟
واليَوم هل توجَد فتاة "تحفّ حواجبها" لم تتعرّض للتنمّر بشكلٍ أو بآخر حولَ حفّ حواجبها؟ وهل يوجَد رجلٌ يسبلُ دشداشته ُ لم يمرّ طوال فترات حياتهِ بتعليقات جارحة؟

الإشكاليّة لدينا في غياب الحوَار الهادئ بين الطرفين
..
سأقولُ لك أمراً ..
هنا في الصّحراء قابلتُ شاباً ملتحٍ .. وقد تطيّرت حينَ رؤيتهِ لأنّ تجربتي ليسَت جميلة غالباً مع الملتحين وهي نظرَة وجدتُ أنها عامّة بين كلّ من رأى هذا الشابّ للمرَة الأولى ..
هذا الشابّ لاحقاً أصبح مثار إعجاب الجميع .. وفي كثيرٍ من الأحيانِ كنت أمرّ عليه وحولهُ يتحلّق مجموعة من الشباب .. بعضهُم يدخّن وآخر يشيّش وبعضهم ملتحٍ وآخر بدون لحيَة .. من كلّ خلفياتهم الدينيّة يجتمعُون حوله .. يتبادل المزاح معهم والنّكات .. هذا الشابّ ينشد "الراب" و"الروك" وأغاني السول الانجليزيّة بطريقة رائعة جداً ، أناشيد تحثّ على الصلاة والزّكاة وبرّ الوالدين وتقدير الزوجة.. وهوَ ينشد الراب والروك دون موسيقا وبطريقَة رائعة جداً .. وكنا حين نجلس معه لا نشعرُ بالوقت وهو ينشد أنشودة تلو أخرى .. ويدفعنا للضّحك المتواصل .. هذا الشاب ترك انطباعاً أكثر من رائع لدَى هؤلاء
هذا الشاب مثال على الإسلام الحقيقيّ الذي يجمع هؤلاء الشباب الذينَ لا يمضُون يومهم دون أن يتجرعُوا كأساً أو اثنين من النبيذ ولكنهم في نفس الوقت استأنسوا بهذا الشاب .. هذا الشاب الذي يجلس مع هؤلاء هو نفسهُ الذي يؤم أصحابه في الصلاة بمجرّد أن يصدح الآذان وهو نفسهُ الذي حينَ حاول أحد الشباب دفع هاتفه إليه حيث تظهر فتيات يرقصن على أنغام موسيقا أجنبية دفع الهاتف بهدوء وبابتسامة إلى صاحبهِ وقال : ( لا حاجة لي لرؤية هذا الفيديو) ..
هذا الشابّ برأيي أعظم أثراً وأعمق دعوة ً من عشراتِ المفتين الذينَ لا يتوقفُون عن إضحاك العالم علينا بفتاوى الرّضاع وغيرها ، إنّه يقدر الجميع وفي نفس الوقت يحافظُ على ثوابتهِ ومبادئهِ
اليَوم حتى لا يوجد لدينا احترام لرجالات دين المذاهب المختلفة .. ففيما كنتُ أناقشُ أحدهم حولَ أنني مع إجهاض المغتصبَة لطفلها قبل 40 يوماً لأسبابٍ كثيرَة أوضحتها لهُ وفي معرضِ الحديثِ وقلتُ له أنّ القرضاوي أجاز ذلك .. فما كان منهُ سوى أن بدأ بإكالة الشتائم للقرضاوي والكبيسي وآخرين
!
الحوَار نفسهُ فتحتهُ مع شخصٍ آخر تحدّث معي وناقشني بأريحيّة شديدَة وهو من معارضي إجهاض المغتصبَة .. لكنّ مرونته في الحوار شجّعتني على مواصلة الحديث معهُ دونَ أن نلجأ للغَة اللعن ..
وقد أصبتُ بصدمَة من بذاءة لسانهِ على رجال الدّين هؤلاء .. وبغضّ النظر عن توافقنا مع مذاهب هؤلاء لكنّ من أحطّ المواقف أنْ نبدأ في سبّ رجال الدين حتى وإن كنّا نختلف معهُم في مسائل معيّنة ..
نحنُ اليوم غير قادرين على فتحِ أيّ حوارٍ يخصّ أسماء معيّنة لأننا حينها "ٍسنطبخُ بلا ملح" .. غير قادرين أن نتحاور معَ الآخر دون إدخال عبارات الوعيد والتهديد والعقاب والنّار !
ربّما هي المرة الأولى التي أقولها ولكنني لا أجدني أيضاً أتوافق مع كلّ المسائل الفقهيّة الخاصة بالاباضيّة .. المذهب الديني الذي أنتمي .. فأنا أرتاح أحياناً لفتاوى في المذهب السنيّ ولا أجدها في المذهب الاباضيّ .. وأجد في المذهب الاباضيّ ما لا أجد في المذهب السنيّ بفروعهِ المختلفة ..
والإشكاليّة التي تحدث حالياً أننا نتبع كلّ مذهبٍ بكلّ ما فيه دونَ أن نعمل عقولنا .. ونتقبّل أيّ فتوى تخصّ المذهب الذي ننتمي إليه ونرفضُ ما سوَاه ..
ونحنُ حينَ نتبعُ مذهباً فإننا نتبع كلّ ما يفتيهِ أشخاصٌ معيّنون .. فأتباعُ مذهب القرضاويّ يؤمنُون بكلّ ما يفتي به القرضاوي ويرفضونَ غيره .. ومن يتبعُون مذهب الشيخ الخليلي يؤمنُون بكلّ ما يفتيهِ ويرفضُون غيره ..
هذا التصلّب في التعامل مع المذاهب بعضها وبعضها وتحوّلنا من تبعيّة العقل والمنطق إلى تبعيّة الأسمَاء والعناوين خلقت تياراتٍ حتى داخل المذهب الواحد وهذا ما أدّى إلى هذه الأزمَة التي نعيشها حالياً في عُمان فيمَا يخصّ العقلانيين وما أثارهُ كتاب العقل من جدَل .. نحنُ اليَوم ندفعُ ثمَن غيَاب المرونَة في الحوَار ونفقدُ عقولنا إن خطّأنا أحدهم أو حاولَ شخصٌ ما أن يبيّن عدم صوَاب فكرَةٍ خرجت من شخصيّة دينيّة نقدّرها ونؤمن بها !
نحنُ اليَوم بطريقة أو بأخرى نتحوّل من عبَادة الدين إلى عبَادة رجالات الدين .. وعبادة الأسمَاء وهو أمرٌ مقلقٌ للغاية

..

تعليقات

  1. نحن في 2021 ولم نصل ربع ما كتبته عائشه في 2009.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

قلْ لي أنت تعمل في الديوَان.. أقل لك كم جنَيت؟!

جارنَا أبو أحمَد .. الذي أخبرتكُم عنهُ ذات مرَّة .. الرّجل الصادق الصدوق الذي نذرَ نفسهُ ومالهُ في خدمَة الناس .. كانَ كلّما أخرج صدقة ً أو زكاة ً للناس .. جاءهُ أناسٌ أثرياء آخرون يطالبُون بنصيبهم من الزّكاة .. وذلك لقولهم أنّ أبا أحمد يوزّع معونات يصرفها الديوان لهؤلاء الفقراء .. يأتون طارقين الباب مطالبين بحقّهم قائلين: نريد نصيبنا من فلوس الديوان .. ورغم أنّ أبا أحمَد لم يتلقَ في حياتهِ فلساً لا من ديوَان السلطان ولا ديوَان هارون الرشيد .. إذ بنى نفسه بنفسه .. فامتهنّ كل المهن البسيطة التي لا تخطر على البال .. بدأ عصامياً وانتهى .. لا أقول ثرياً وإنما ميسور الحال .. أذكرُ أنّ امرأةً أعرفها وهي من قبيلة البوسعيد .. وهي من العوائل التي تستلم نهاية الشّهر راتباً شهرياً بثلاثَة أصفار لا لشيءٍ سوَى أنها تقرب لفلان العلانيّ الذي يشغل منصب مدير دائرة الصحون والملاعق في الديوان الفلاني أو البلاط العلاني وهي أيضاً "تصير ابنة عم ولد زوجة خال الوزير الفلاني" ذهبت تشتكي مرةً من أنّ أبا أحمد لابد أنه يتلقى مبالغ أكثر منها من الديوان فلا هو ابن سفير ولا ابن أخت زوجة الوزير ولا هو من أص