التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ما نجهلهُ عَن اليَابانِ !



قبلَ عامٍ من الآن وبتاريخ 27/أغسطس/2008م طرحتُ مقالاً عن اليابان في عمُودي "ردهات" بجريدَة الوطن حاولتُ خلالهُ الحديث عن اليابان بطريقَة مغايرة عن نمط المقالاتِ المعتادة التي نقرؤها عن اليابان .. امبرَاطور التكنولوجيا العالميّة ..


مؤخراً طلبَ مني أحد القرّاء الأعزاء .. الأخ خالد إعادَة طرح المقال في المدوّنة وها أنا أعيدُ طرحهُ مع تحيّة جميلة لشخصهِ الطيّب








عَائشَة السّيفيّ
ufuq4ever@yahoo.com




منذُ أسبُوعينِ بعثتْ ليْ صديقَةٌ تسألنيْ إنْ كانتِ اليَابانُ أفضَلُ منّا؟ وأتبعتْ سُؤالهَا بالقَولِ أنّه هل من المفترضِ أن نستحدثَ مقارنَةً بينَ عُمان واليَابان فيْ الوقت الذيْ لا تتعدّى نهضتنَا عمرهَا ال38 ..
والحقيقَة أنّ ما قالتهُ يملكُ جانباً منَ الصَّوابِ، إذْ أنّ دولَةً كَعُمان لمْ يكنْ بهَا سوَى مدرستَين قبلَ 38عاماً يجعلنَا نضعُ فيْ الحسبَان أنّ هذهِ المدَّة احتَاجتْ قوَّة تنمويَّة كبيرَة لتصلَ إلى ما وصلتْ إليهِ الآنَ .. إلا أنّنا فيْ الجَانب المقَابل لا نملكُ سوَى أنْ نحترم اليَابان التيْ بدَأت منَ الصّفر بلْ من السّالبِ منذُ عام 1948.. العَام الذيْ قصفَت بهِ هيروشيمَا ونجَازاكي بالقنبلَة الذريّة لتتحوَّل إلى كومَة من الأوبئَة والدّمَار والجرَائم ومن ثمّ استطَاعتِ اليَابان خلالَ نصفِ قرنٍ أنْ تتحوَّل إلى رائدٍ عالميّ فيْ صنَاعة التكنُولوجيَا الأكثَر تطوّراً .. معَ ذلكَ فإننا لا نعرفُ عنِ اليَابان سوَى أنّها ملكة التّكنولوجيَا والحدَاثَة الصّناعيَّة ، وامبرَاطُور تصدِير السيَّارات إلى العَالم ونتخيَّلها بلداً ، يسيرُ كلّ نظَامه بكبسَة زرّ ، وأنّها مثاليّة فيْ كلّ شيءٍ .. في مبَانِيهَا ، وسيّاراتهَا ، وسكّانها .. إلا أنّ كثيراً من الحقَائق تظلّ بعيدَةً عن مخيّلة القَارئ الذيْ لم تقعْ عينهُ على اليَابان سوَى عبرَ شَاشَات التلفزيُون الزّجاجيّة أوْ الأدوَات الالكترونيّة اليَابانيّة التيْ يستخدمهَا في منزلهِ ..
فمثلاً حينَ أقُولُ أنّ قنَاة الجزيرَة نشرَتْ تقريراً حولَ معدَّل البطَالَة في اليَابان فإنّ القَارئ لنْ يصدِّق أنّ حوَالي 6% من شبَاب اليَابان عاطلُون عنِ العَمل أيْ بمَا بما يزيدُ عَن مليُونيّ عَاطل ، وأنّ هذا المعدَّل يزدَاد سنويّاً بشكلٍ كبير .. وسيُطرح تصورٌ بأنّ دولَةً كاليَابان هيَ سيِّد الصّناعات والإدَارة التكنولوجيّة التيْ تحتَاج لأيدٍ عاملةٍ مهوّلة لاستخدَامها فيْ صنَاعاتها التيْ توجّهُ إلى كلّ العالمِ ، بلْ إنّها ربّما تحتاجُ لاستيرَاد أيدٍ عاملةٍ .. لكنّ هذَا لا يعنيْ على المطلقِ أنّها بلا عَاطلِين ..

في عمَان ، تظلّ ظَاهرَة أطفَال الشّوارع والمشرّدين بعيدَةً عَنها ، وتظلّ هذهِ الظّاهرَة ظَاهرَةً نشَاهدها فيْ دولٍ أخرَى ، وهوَ ما كانتْ عليهِ اليَابانُ قبلَ 10 سنوَات إذْ ظلّت مشكلَة التّشرّد بعيدَةً عنهَا ، لكنّ ما لا نعرفهُ اليَوم أنّ هنَالكَ ما يزيدُ عن 30 ألف متشرّد فيْ اليَابان وهوَ ما لا نجدهُ كظَاهرَةٍ فيْ عُمان .. وفيْ المقَابلِ فإنّ ظَاهرَة بيُوت الصّفيح والكرتُون تكادُ تنعدمُ في عُمان ، أمّا اليَابان فإنّ الحَالَ ليسَ كذلكَ بلْ إنّ هنالكَ آلافَاً من بيُوتِ الصّفيح المنتشرَة في الأزّقة والحوَاري .. وعلَى أرصفَة الطّرق الدّاخليّة .. وإنّ مشكلَةً كالتشرّد لم تنجُم إلا لأنّ اليَابان ليسَت سوَى تجمّعات جزُر وأرَاضٍ بركَانيّة غير صَالحَة للإقَامة والعَيش ؛وبالتّالي فمنَ الصّعب أنْ تجدَ أرضاً لكَ لتبنِيها كمَا أنّ حكُومَة اليَابان لا توزّع الأرَاضي علَى موَاطنيها كمَا يحدثُ في السّلطنَة، وإنّ بيتاً بمسَاحة 600 مِتر فيْ عُمان ، لنْ تجدهُ إلا نادراً نادراً فيْ اليابان ، لأنّ أغلَب بيُوتهم هيَ من الخشبِ المقَاوم للزَلازل ولا يملكُون ترَف البَاحة العريضَة أمام المنزلِ للعبِ الأطفَال ، وفيْ المنَاطق الحضريّة فإنّ اليَابانيين لا يملكُون بيُوتاً مشيّدةً كالتيْ يبنِيها العُمانيُّ فيْ أرضهِ بلْ إنّهم يقيمُون بنظَام الشّقق في العمَارة الوَاحدة بمسَاحة 600 قدْ تضُم 70عَائلَةً أو يزيد..
فيْ عُمَان لا تأخذُ الحكُومَة ضريبَةً علَى قلمِ الحبرِ الذيْ يكتبُ بهِ الموظّف معَاملاتهِ ولا تحَاسبهُ إذا غَابَ أوْ ضيّعهُ .. أمّا فيْ اليَابانِ فإنّ لكلّ موظفٍ قلمَ حبرٍ واحدٍ شهريّاً وأيّ زيَادَة فإنّ الحكُومَة تأخذُ من الموظّف ضريبَةً علَى الأقلام الاضافيّة التيْ يستخدمهَا ..

فيْ عُمَان ، لا تشترط الحُكومَة عمراً افترَاضياً للسيّارَة يجبرُ صَاحبهَا بعدهَا علَى إدخَالها مجزرَة السيّارات والتّخلص منهَا .. فأنتَ تستطيعُ أنْ تحتفظَ بسيّارتكَ لخمسَة أعوَام أو عشر أو حتّى عشرِين دُونَ أن يحَاسبكَ أحدٌ على ذلكَ ، أمّا اليَابان فإنّها تجبرُ الموَاطنين على الاحتفَاظ بسيّاراتهم لمدّة تترَاوح بينَ5-10 سنوَات حسبَ قوّة السيّارة ومحرّكها وكميّة الدّخان الذيْ تضخّهُ إلى البيئَة .. بالتاليْ فلنْ يبدُو غريباً أنْ تشهَد اليَابان وهيَ مسقط رَأس ملايين السّيارات في العَالم انخفاضاً في شرَائيّة السيّارات داخل اليَابان ، الأمر الذيْ أثر على مبيعَات تويوتا مثلاً داخل اليَابان بانخفَاضٍ قدرهُ 6% ولمْ تبعْ سوَى 3 ملايين سيّارَة منْ كلّ ماركَات السيّارات.. لذَا يفضِّلُ اليَابانيّ أنْ يذهبَ إلى مقرّ عملهِ بدرّاجَة هوَائيّة لأنّ ارتفَاع أسعَار السيّارات الأغلَى بكثِير من سعرهَا لدَينا فيْ عمَان ومدّة احتفَاظهم القصيرَة بسيّاراتهمْ تدفعهُم إلى توفير النّفقات عبرَ ركُوب الدّراجات الهوَائيّة ولو كَان هذا النّظام سَارياً فيْ عُمان فإنّنا لنْ نجدَ عائلَةً مكوّنة من 8 أفرَاد تمتلكُ عدداً من السيّارات يزيدُ ربّما عنْ عدد أفرَادها وهوَ ما ينتشرُ لدَى كثيرٍ من العائلاتِ الثريّة فيْ عُمان ، وحتّى المتوسّطة تلجأ إلى سيّارات مستعملَة تزيدُ مدّة استخدَامها عن 10 سنوَاتٍ فيْ حالِ لمْ تستطعِ تحمّل كلفَة السيّارات الجديدَة التيْ أصبحتْ أسعَارها تكسرُ الظّهر ..
الموظّف فيْ اليَابانِ يُحَاسبُ على موقفِ سيّارتهِ ويدفعُ قيمَةً لذلكَ ، كمَا أنّه يحَاسبُ حتّى على كميّة السّكر والشّاي الذيْ يستعملهُ أثنَاءَ عملهِ ..
وفيْ اليَابانِ كذلكَ فإنّكَ حينَ تذهبُ لزيَارَة أيّ مدينَة وتودّ الذّهاب إلى استعمَال الحمَامات العَامّة فإنّك ملزمٌ بدفعٍ مبلغٍ معيّنٍ لاستعمَال الحمّامات ، وهوَ ما لا يطبّق لدَينا فيْ عمَان الأمر الذيْ يفسّر تدنّي مستوَى النّظافة في حمّامات المرافقِ العَامَّة ، ولو طبِّقَ نظَام الدّفع هذَا واستخدم عَائد أربَاح استخدَام الحمّامات لتنظيفهَا بشكلٍ مستمرٍ فإنّ هذَا سيحسبُ لسمعَة البَلد ومستوَى نظَافتهِ أمَامَ زوَّارهِ ..

والآنْ .. هلْ يظنّ القَارئ أنّ اليَابانيينَ الذينَ يعدّون منْ ألطفِ الشّعُوب وأكثَرها لبَاقة همْ فيْ المجمَل كذلكَ؟ .. ففيْ هذا البَلد الذيْ يخلعُ شعبهُ نعلهُ قبلَ ولوجِ أيّ منزلٍ لتجنِّب اتّساخِ بيَاضهِ ونظَافتهِ .. وهذَا الشّعب الذيْ منْ عادتهِ أنّهُ لابدّ أنْ يتوجّه بكلمَة مهذّبةٍ قبلَ أنْ يبدَأ الطّعام وحينَ يختمُ الطّعام يتمتمُ (جوشيسُو سامَا ديشيتَا ) أيْ (لقد كَان الطّعام ممتازاً) .. نظنّ أنّ شعباً مهذّباً كهذَا لا يخلُو من الجريمَة .. وإذا كنّا نعتقدُ ذلكَ فإنّ علينَا أنْ نعلَم أنّ المَافيَا اليَابانيّة تعتبرُ من أخطَر المافيات فيْ العَالم والأكثَر تطوّراً ، وهذَا ما يفسّر اعتبَار اليَابان منْ أكثَر الدّول التيْ تمتلكُ عدداً من أفرَاد الشّرطَة مقارنةً بنسبَة السّكان وهنَالك مافيات مختلفَة منهَا اليَاكوزا وياغومتشيْ ، وكوكشيْ كَاي وغيرهَا والتيْ تسيطرُ على عددٍ كبيرٍ من الأزقّة والنّوادي فيْ اليَابانِ..

ويعَانيْ كثيرٌ من اليَابانيينَ منْ غلاءِ المعيشَة فيْ اليَابانِ وارتفَاع أسعَار العقارات الأمرُ الذيْ يحدُو كثيراً منهُم للهجرَة خَارجَ اليَابان فهنَالكَ آلافُ العمّال اليَابانيين الذينَ يعملُون في المزَارع الأستراليّة مفضّلين العمَل هناكَ على النّوم في العراءِ فيْ شوَارع بلادهِم بلْ ويلجأ كثيرٌ منهُم للهجرَة غير الشّرعيّة هرباً من فقرهمْ ،ويفسِّر قلّة الجَاليَات العَاملة فيْ اليابانِ فاليَابانيُون يشكلّون 99.4% من سكّان اليَابان و0.5% كوريّون و0.1 منَ الجنسيّات الأخرَى

حينَ نتحدَّثُ عن اليَابانِ ومميّزاتِ شعبها فإنّ علينَا كذلكَ أنْ نتحدَّث عن أسلُوب معيشَة شَعبنَا وشعْب اليَابان فأنْ تعتَاد علَى الذّهاب لعملكَ بمنَاخ عُمان بدرّاجة هوَائيّة وتدفعُ ضريبَةً للسّكر والشّاي وتستخدمَ قلماً واحداً شهريّاً وتعيش وأطفَالك فيْ شقّة سعَة 200متر مربّع هوَ ما ليسَ معتاداً فيْ عُمان كَما يحدثُ فيْ اليَابانِ ..
حتّى الشّوارع التيْ نشكُو منْ قلَّة السّلامة فيهَا بعُمان كَانتْ ستختلفُ لوْ كانتْ فيْ اليَابانِ لأنّهُ لا منَاخنَا متشَابهٌ ولا نحنُ شعبٌ يستخدمُ الدّراجة الهوَائيّة فيْ تنقلاتهِ التيْ لا تضرّ الشّارع كمَا يحدُثُ فيْ عُمان..
لا تُوجدُ بلادٌ كاملَة .. ولكلّ شعبٍ جمَاليّاتهُ ومسَاوئه .. المهمّ أنْ نحِبَ معيشتنَا وترَاثنَا وموسيقَانا .. وملبسنَا ، وحدائقنَا ، وثقَافتنا ، وبلادنَا ونسعى دائماً إلى الأجمَل والأرقَى والأفضل ، ونتوقَّف عن التّذمر للحظَة التيْ ندركُ فيهَا أنّ ثمة فرصَةً أجمَل للتغييرِ للأفضَل ما دمنَا نملكُ طَاقَةً من الموَارد البشريّة الشّابة بينمَا تعَانيْ اليَابان منَ نقصِ كَادرهَا الشّاب بينَ شعبهَا الأكثَر شيخُوخَة من بينِ شعُوب العَالم..
الحَاجة أمّ الاخترَاع .. هذَا ما ينبغيْ أن نتعلّمهُ من اليَابانِ فهيَ دولةٌ عانتِ الكثير ونجحتْ فيْ تحدّي الزّمن وابتكَرت الكثير مما نجهلهُ .. لنركّزْ على دعمِ طاقَة الابتكَار هذهِ بينَ شبابِنا بدل تضييعها فيْ مقارناتٍ لا طَائل منهَا ..

تعليقات

  1. قلم مميز لديك يا أختي لا شك أن لكل دولة جرائم كما لها مميزات والمشكلة أن ما نسمعه ونقرأه هو المميزات دون العيوب ....
    اليابان بعد تدميرها حكم عليها حاكم إشترط على أن أي شاب يتجاوز العاشرة من عمره يجب أن يقدم شيئ للوطن بإختراع أو مساعدة ...أي كان يخدم الوطن ومن لم يفعل فعقابه الموت .
    بهذا أرغم الشعب على التطور لكسب الحياة وتكثيف جهودهم للعيش ....فنهضت الدولة بطريقة عجيبة..
    عمان تقدت نحو التطور بسنوات قليلة أيضا ولكن لم ترغم المواطنين بل تم تشجيعهم ودعمهم ...
    هذا دليل بأن عمان أفضل من اليابان مقارنة..
    تحياتي لك........

    ردحذف
  2. استاذة عائشة..
    ألف شكر واحترام لشخصك الرائع على الاستجابة السريعة لطلبي

    أشكرك من الأعماق..
    هذا المقال والكثير من كتاباتك هي في الذاكرة ولن تنسى بإذن الله

    احترامي الدائم

    خالد..

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

قلْ لي أنت تعمل في الديوَان.. أقل لك كم جنَيت؟!

جارنَا أبو أحمَد .. الذي أخبرتكُم عنهُ ذات مرَّة .. الرّجل الصادق الصدوق الذي نذرَ نفسهُ ومالهُ في خدمَة الناس .. كانَ كلّما أخرج صدقة ً أو زكاة ً للناس .. جاءهُ أناسٌ أثرياء آخرون يطالبُون بنصيبهم من الزّكاة .. وذلك لقولهم أنّ أبا أحمد يوزّع معونات يصرفها الديوان لهؤلاء الفقراء .. يأتون طارقين الباب مطالبين بحقّهم قائلين: نريد نصيبنا من فلوس الديوان .. ورغم أنّ أبا أحمَد لم يتلقَ في حياتهِ فلساً لا من ديوَان السلطان ولا ديوَان هارون الرشيد .. إذ بنى نفسه بنفسه .. فامتهنّ كل المهن البسيطة التي لا تخطر على البال .. بدأ عصامياً وانتهى .. لا أقول ثرياً وإنما ميسور الحال .. أذكرُ أنّ امرأةً أعرفها وهي من قبيلة البوسعيد .. وهي من العوائل التي تستلم نهاية الشّهر راتباً شهرياً بثلاثَة أصفار لا لشيءٍ سوَى أنها تقرب لفلان العلانيّ الذي يشغل منصب مدير دائرة الصحون والملاعق في الديوان الفلاني أو البلاط العلاني وهي أيضاً "تصير ابنة عم ولد زوجة خال الوزير الفلاني" ذهبت تشتكي مرةً من أنّ أبا أحمد لابد أنه يتلقى مبالغ أكثر منها من الديوان فلا هو ابن سفير ولا ابن أخت زوجة الوزير ولا هو من أص