التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حافظُوا على الحريّة




















في المدرسة .. لم تكنْ أيّ من الموادّ الدرَاسيّة أكثر إزعاجاً بالنسبَة لي كمادّة التربية الفنية ..


وفي كثيرٍ من الأحيانِ كنتُ أدعُ أخي الذي يصغرنيْ بأربعَة أعوام ليرسمَ لي ما يوكل من وظائف مدرسيّة
ما أرسمهُ كان ينال السخريّة من صديقاتي اللاتي يصفنَ الأشخاصَ الذينَ أرسمهم ب"المعاقين"
وقد كنتُ أغضبُ وقتها كثيراً .. اليومَ استيقظتُ صباحاً وبي رغبَة في اكتشَاف ذكريَات "موهبتي الفنيّة"
لأجدَ هذهِ الرسمة في دفترِ الصفّ الأول الاعداديّ ومنَ المعتادِ أني كنتُ أتخلّص من دفتر التربية الفنيّة بمجردِ انتهاء العام لأنهُ يحملُ لي ذكرياتٍ غيرُ محببٍ وجودُها في الذاكرة..
ربّما ساهمتْ تقليديّة معلّمات التربية الفنيّة في تنفيري منَ المادّة فالمواضيعُ التيْ كنّ يوكلننا برسمها لا تتعدّى مواضيع كالمحَافظة على النظافة ومنظر من البيئة العُمانيّة أو رسم معلَم من التراث !
كنتُ في أحيانٍ كثيرَة أقطع رسوماتي في العام الذي سبقَ ذلك العام وألصقها في دفترِ العام الحاليّ لأن المواضيع تتكرّر
لا أعرفُ لماذا كنتُ أشعرُ بالقطيعَة معَ المواد القائمَة على الإبداع بالدرجَة الأولى كالتربيّة الموسيقيّة والفنيّة ومادَة التربيّة المنزليّة أو الأسريّة التيْ كانت تقُوم على الحيَاكة والطبخ وتصميم ديكُور المنزلِ إلخ ..
لماذَا أثارتْ هذه الرسمة حنيناً غامضاً داخلي؟
أشعرُ بحاجة للشخبطة على الوَرق .. وأحتاجُ علبة ألوان خشبيّة لأنها كانت المفضلة لديّ .. ومبراةً جيدة
لأرسمَ فتاةً كهذهِ التي في الأعلَى .. ولنْ تكونَ بحوزتها حقيبة ، لا ! ربّما جيتَار .. وفوقهَا تتصاعَد رموزٌ موسيقيّة ..
دو ري مي فا سُول !
من الجيّد أن تكونَ واقفة .. ولا شيءَ حولها أكثر من كرسيّ .. كرسي مكسُور ربما .. بقائمتين
ستكُون هذه الفتاة حنطيّة .. ترتدي بنطال جينز كاجوَال .. وعقدٍ طويل على صدرها ينتهيْ بإصبعين متقاطعينِ من الأسفل..
سيكُون شعرها مرفوعاً .. أسوَد أكثر مما في الرسمَة السابقة .. بينمَا تقفزُ بعض الخصلاتِ في الهوَاء
وسأجعل عينيها مغلقتينِ .. وفمهَا نصف مفتُوح كمنْ تدندنُ !
وسأجعلها تحتضنُ الجيتار بقوّة بيدٍ واحدَة فقط بينما اليدُ الأخرى مربُوطة بالكرسيّ !
سأجعلها كمَن تخافُ أن يفلتَ الجيتارُ منها .. وهيَ تعزفُ وإنْ بيدٍ واحدَة
سأجعلها كمنْ يحاولُ أن ينسَى أنّ يداً منها مقيّدة إلى الكرسيّ .. تحاولُ أن تنسَى بالعزف .. بالموسيقا ! بالغرقِ داخل الموسيقا ..
وسأحيطها بنصفِ هالةٍ بيضاء في الداخل .. أما حدُود الورقة فستكُون سوداء معتمَة
لو عدتُ إلى الصفّ الدراسيّ.. ومعلّمتي البدينَة ! وأمامي السبُورة
كنتُ رسمتُ كلّ ذلك .. وكتبتُ أعلى الرسمَة .. ( الحريّة شعارنَا ، وإنْ بيدٍ واحدَة ! )

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق