التخطي إلى المحتوى الرئيسي

The Bastards.. Got me !




تبدُو هذهِ الأيّام غريبة ً علي قليلاً .. كيف يكُون شعوركَ حينَ تفتحُ عينَيك بدايَة اليَوم وفكرَة ما تلحّ عليك .. تشعرُ أنّ هذا اليَوم خلق لتنجزَ أمراً ما .. أمراً لا تملكُ خيارَ فعله .. عليكَ فقط أن تفعله ، عليكَ ذلك
يظلّ ذلك الهاجس يلاحقك طوال اليوم .. غير قادرٍ على الفرار منهُ .. تشعرُ أنّك مقيّد بأصفادٍ أضعتَ مفاتيحها .. هذه الأيَّام أشعرُ أنّي أعيشُ حالة ً كهذه
أحَد الأسبوع الماضي استيقظتُ وقد قرّرت أن أبدأ التدوِين ، لماذا؟ وكيف؟ لمْ أكن مشغولة ً بالإجابة ودعوني أصدقكُم القول.. لم أفكّر يوماً بأن أمتلك المدوّنة خاصّتي ، إطلاقاً ! وكنتُ أستبعدها جداً .. كنتُ أشعرُ أنّي لستُ مهيّأة لمشاركَة مشاعري اليوميّة مع الآخر الغريب .. الذي لا أعرف !
حدثَ ذلك فجأة .. قرّرت منذ لمستنيْ يدُ أمّي لتوقظني ! وكانتِ المدوّنة قد أبصرتِ النور في السَاعة العاشرَة صباحاً..
ليسَ هذا ما يزعجني .. اليَوم كانت الفكرَة التي استيقظتُ بها أكثر توحّشاً وغريباً .. استيقظتُ صباحاً وثمّة صورَة في رأسي لا تفارقني ! لماذا تلك الصّورة بالذات ولماذا هيَ رفيقتي منذ الصّباح؟ لا أعرف
قبلَ عامينِ من الآن أو ربّما أكثر وبينما كنتُ أتصفّح نشراتِ الأخبار .. كانت قناةُ الجزيرة تبثّ تقريراً عن جاسُوس روسيّ اعتزلَ الجاسوسيّة وفرّ هارباً من المخابراتِ الروسيّة إلى لندن حيثُ طلبَ اللجوءَ هنالك وحصلَ عليه .. وبعدَ 5 أعوام ! كانَ ذلك الجاسُوس قد لقي مصرعهُ بطريقةٍ غامضةٍ جداً ..
بثّت القنوات صورَتهُ وهو يقبعُ في المستشفى خلالَ أسبوعٍ فقط تحوّل الجاسوس إلى هيكلٍ عظميّ ينازعُ المَوت ..
مرضهُ الغامض أثار حيرَة الأطبّاء الذينَ استخدمُوا فرضيّات تسميم الجاسُوس أو تعرّضه لأشعّة ما ..
أتعرفُون الصورة التيْ استيقظتُ عليها اليَوم؟ التيْ فكّرت فيها في الثانية التي تسلّل الضوءُ إلى عينيّ صباحاً؟
صورةُ الجاسُوس وهو يرقدُ في المستشفى محتضراً بلباسهِ الأخضر؟


لماذا؟ لماذا بعدَ أعوامٍ لم يخطر في باليْ التفكيرُ بهذا الرجل؟ لماذا اليَوم أستحضرهُ! ولماذا صورتهُ تحديداً؟
أمضيتُ ساعاتٍ وأنا أحاولُ استحضار معلوماتيْ عن ذلك الرّجل .. الصُورة حاضرَة فقط لكن دُون أسمَاء .. دونَ تفاصيل معيّنة ..
في جُوجل جرّبت كلّ حظوظي : جاسوس روسي لندن
وجرّبت : مقتل تسمم جاسوس روسي ..
جرّبت : المخابرات الروسية تسميم جاسوس

بالعربيّة تارةً والانجليزيّة ، بعدَ ساعاتٍ طويلة ! وصلتُ إليه ..
ولدهشتيْ وجدتُ أنّ موقعَ العربيّة الاخباريّ كان قد أشار للجاسوسِ في تقريرٍ نشرهُ قبل يومٍ واحد فقط ! يا إلهي .. كانت مصادفَة غريبَة !
في النهايَة استطعتُ أن أحصل على اسمهِ ! وحينها ظهرت أماميْ عشراتُ الصفحاتِ القديمة .. التي مضَى عليها ثلاث أعوام وهي تفردُ التقارير الاخباريّة عن حالةِ هذا الجاسُوس .. الذي ماتَ بهذه الطريقة الغامضَة !
وفيْ الوقتِ الذيْ كانَ الجاسُوس يحتضرُ ، كانَ فلاديمير بوتين رئيسَ وزراء روسيَا آنذاك يحضرُ قمّة عالميّة خارج روسيَا ..
الجاسُوس المُحتضَر الذي علّق أمام الصحف .. "لقد قتلوني .. الأوغاد .. نالوا منّي .. لكنّهم لن ينالوا من الجميع" مشيراً إلى تورّط الكرملين في مقتلهِ .. بينما علّق المتحدّث الرسميّ باسم الحكومَة الروسيّة بأنّ من الغبَاء حتى أنْ يردّ الرئيس الروسيّ مباشرَة على هكذا الاتهام .. نحنُ آسفون لما حدثَ له ! لكنّ لا علاقَة لنا بما يمرّ به العميل الروسيّ السابق ..

كنتُ أقرأُ وأفكّر كم كانَ بارداً تعليقُ المتحدّث ، ربّما لأنه كانَ يعرفُ ألا أحدَ سيحاسبه وربّما لأنّه لا حاجَة للتبرير فالجميع يعرفُ أنهُم من فعلوها..

لماذا لم أتعاطف مع هذا العميل قبل ثلاث أعوامٍ .. وفعلتُ اليوم؟ لماذا قرّر زيارتي منذ الصّباح ولماذا أنا الآن أكتبُ عنه؟

أثار موتهُ عناوين الأخبار في الصحف والقنوات ثمّ انتهَى كلّ شيء ! أن تنتهي حياةُ انسانٍ بهذه الدراميّة .. أن يموتَ وهو يعرفُ أنهُم قتلوه .. أنهم قتلوه دونَ أن يستطيع أيّ طبيبٍ أو مخبرٍ بريطانيّ إثبات أنهم فعلوها .. الجميعُ يعرف ذلك دون أن يستطيعوا النطقَ ببنة شفة
وأن يرزحَ وهو يلفظ أنفاسهُ الأخيرة تحتَ حمّى الرغبَة في الانتقام ..
في يومهِ الذي تلاهُ دخولهُ في غيبوبة إكلينيكية .. صرّح الجاسوس لصحيفة بريطانيّة قائلاً : "أتمنّى أن أعيش فقط كي أؤدّبهم"

لا يعرفُ الجاسُوس نفسهُ ما حدث .. ففي ذلك اليَوم الذي بدأت أعراضُ المرض عليه .. كان قد بدأهُ بلقاءٍ مع روسيّ في عمل .. وحينَ ذهب إلى هنالك وجدَ بصحبتهِ روسياً آخر لم يعرفهُ أكثر من أنّ اسمهُ فلاديمير.. ومن ثمّ تناول الجاسوس الغداء مع رجلِ أعمالٍ إيطاليّ في إحدى مطاعم السوشي اليابانيّة في لندن .. وهكذا وقع الجاسُوس في الفخّ ..

رجلُ الأعمال الإيطاليّ والصديق الروسيّ الذي التقاهُ الجاسوس خضعا للتحقيق الطويل .. أمّا الروسيّ الآخر "فلاديمير" فلم يعثر عليهِ أحد .. كانَ قد اختفَى تماماً .. وكأنهُ لم يكن ثمّة فلاديمير على الإطلاق..
الروسيّ الأول قالَ أنهُ لم يكن هنالك فلاديمير حين التقينا ! وأنّ الجاسوس ربّما كان يهذي بسببِ اشتدادِ مرضهِ ..

كيفَ انتهت القضيّة؟ لا أعرف !
لكنْ أحزنتني نهايَة العميل .. أن يموتَ وهو يعرفُ قتلتهُ ! أن يموتَ وهو يشعرُ أنّ مهمة عليه إنهاؤها ! وأنّ عملاً عليه إنجازه .. أنّ ثمة ما يجبُ أن يقومَ بهِ قبل أن يموت .. أن يموتَ حانقاً على نهايةٍ كتلك.. الشعُور بالهزيمة ربّما
كانَ خانقاً تماماً تفكيري بذلك
أنْ يُحاسب لأنهُ اختار أن يعيشَ حياة ً يختارها هو .. وأنْ يتوقّف عن الهرب .. كانَ خياره الشخصيّ الذي لم يكنْ يملك زمامه وإذا فعلَ فإنّ ذلك يعني أن يكونَ هنالك خيارٌ واحدٌ أمامه .. الموت ، ليسَ لشيءٍ سوَى لأنه اختار خيارهُ الشخصيّ ..
لا أعرفُ عن الجاسوسيّة أكثر مما قرأتهُ في الكتب وما رأيتهُ في أفلامٍ ومسلسلات كـ ِAlias .. لكنّي أعرفُ أنّ هؤلاءِ لا يلجئون لخيارِ اللجوء والهربِ من المخابراتِ التي يعملونَ لحسابها إلا لأنّهم تعبُوا من ذلك .. وأنّ الاستمرار في ذلك لم يعد متقبلاً على الإطلاق للعيش ..
ربّما حضرتْ صورَة هذا الجاسُوس اليوم ؛ لكيْ أكتبَ عنه ، وأن أذكّر الآخرين بهِ .. أو ليعرفَهُ الآخرُون الذي لم يفتحُوا –كما فعلتُ- قبل ثلاثِ أعوامٍ قناة الجزيرة ويقرؤوا عنه !
أياً يكن .. أنا هنَا أتخلّص من حملِ هذه الصورَة التي أتعبتني طوال اليَوم ! لأفكّ أصفادي وأعرفَ أني كتبت .. وربّما لألقي التحيّة على هذا الرّجل الذي ماتَ دافعاً ثمن خَيارهِ الشخصيّ الذي كانَ ثمنهُ باهظاً أكثَر مما تتخيّل ..
أوه .. نسيتُ أن أخبركم أنّ اسمَ هذا الجاسُوس .. الكسندر ليتيفنكو

تعليقات

  1. لا مجال من المواصلة في المدونة..
    أنتي بدأتي فلا توقف..

    بما أن الموضوع جاسوس روسي، فمؤخراً قام موقع العربية نت بإجراء مقابلة مع ضابط مخابرات روسي منشق التقى أكثر من مرة الكسندر ليتيفنكو في لندن أكثر من مرة
    يمكن زيارة هذا الرابط لقراءة المقابلة

    http://www.alarabiya.net/articles/2009/08/16/81703.html

    خالد

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إذا تريدوا ملابس العيد، روحوا رقطوا (1)

5 قيم تعلمتُها من أميّ: غزالة بنت ناصر الكندية   عائشة السيفي صبيحَة يوم الأحد غسلتُ أمي وكفنتها مع أخواتي. جهزتُ لها لبسةً من حرير فأبلغتني المكفنةُ أن علي أن آتي بلبسة من قطن تخلو من الزركشة. اخترتُ لها أجمل ملابسها وبخرتُها كما كنت أبخر ملابسها لعشرات السنوات كل عيد. أذنتُ في أذنيها، وتأملت أصابعها المنفرجة وأنا أضع بينها الصندل. كانت كقطعة الحرير ببشرتها الصافية وكنت أحدثها: ما أجملك حيةً وما أجملك ميتة. كان مشهداً عظيماً لا أعرف كيف ألهمني الله لأعيشه. أعرفُ أنني كنت شاخصة العينين ولا أذكر أنني بكيت كثيرا.. كانت دموعي تنهمر بصمت إلى أن حملوها في الطارقة وتواروا عن الأنظار. لا أذكر كثيرا مما حدث بعدها فقد سقطتُ طريحة الفراش ليومين. ماتت أمي غزالة بنت ناصر الكندية بعد رحلة ثماني سنواتٍ ويزيد مع مرضٍ لعين اسمهُ ملتي سيستم أتروفي. ومنذ جرى تشخيصها، جُبنا بها أطباء العالم لعلنا نجدُ لها علاجاً فكانت النتيجة واحدة: إنه مرض نهايته الموت، الفارق فقط هو حتى متى سيعيش صاحبه. لسنواتٍ عاشت أمي وعشنا معها معاناةٍ مريرة لا يعلمها إلا الله ونحنُ نتأمل بعجزٍ شديد كيف كانت تنتقل من وهنٍ

اسميْ عائشَة . . وهذهِ حكايتيْ ! (1)

ملاحظَة للقارئ قبلَ الشّروعِ في القرَاءَة: عائشَة حياتهَا. . صفحة بيضَاء جداً ! أشاركُ قليلاً من بيَاضها إيَّاك وأودعُ الباقيْ لهَا ولمن تحبّ .. إذا كنتَ تحملُ مسبقاً أيةَّ "مخلّفات داخليَّة سوداء" فالرجَاء عدم القرَاءة حولَ عائشَة: عائشَة .. قد تكُون أنا أو قد تكُونُ أنتَ .. وليس بالضرُورَة أن تكُونَ من تقرأ لها الآنَ في هذهِ المدوّنة قد يتضمّنُ أدناهُ حكَاياتِي أنا .. وقد يكُون خليطاً من حكاياتِ صديقاتٍ أخريَات .. أجمعها في حياةٍ واحدَة حافلة تستحقُ أن يمتلكَ صاحبها حلماً جميلاً عائشَة التيْ أحكي عنها هنَا.. كائنٌ يحلمُ بحياةٍ جميلة رغمَ يقينها أنّ الحياة لن تكونَ ذلك بالضرُورة .. وهي فتاة ٌ بسيطَة جداً .. يحكيْ بعضهُم .. أنّها لا تزالُ طفلة ً ترفضُ أن تكبر .. ويقولونَ أنّها تحوَّلتْ إلى زوجةٍ عاديةٍ غارقةٍ في تفاصيلِ حياتهَا اليوميَّة بعد زواجها .. يقولُ بعضهمْ أن عائشَة لم تعُد تهتمّ كثيراً بمن حولهَا .. وأنّها تحوَّلتْ -كآلافِ البشر حولنا- إلى كائنٍ غير معنيّ بالضرورة بجدالاتنا الثقافيَّة اليوميَّة المملة .. التيْ قد أثيرها أنا أو أنتَ أو عبيد أو جوخة أو علياء من المثقفي

عن كُورونا، وفقر اللقاح، والشّعب العُمانيّ القنوع: أسئلة غير قنُوعة إطلاقاً

  تحذير: إن كنت لا تحب لغة الأرقام فلا تقرأ هذا المقال   في نُوفمبر 2020، سألتُ مارجي فان جوخ، رئيسَة وحدة المواصلات واللوجيستيات في المنتدى الاقتصادي في دافوس عن استقرائها لشكلِ السباق العَالمي نحوَ اللقاح فأجابتني بأنّ حربَ اللقاحات قد بدأتْ بالفعل وأنّ كل دولة ستكونُ معنية بشعبها فحسب، وأنّ ثلاث عوَامل ستحددُ أسبقية الدول في الحصول على اللقاح، أولاً: ذكاء السياسيين في كلّ دولة وحنكتهم الدبلوماسية ستوضع تحتَ الامتحان الحقيقي لاختبار مِرَاسهم في التفاوض على أكبر عدد من الجرعات مستغلةً علاقاتها الدولية وشبكة معارفها للحصول على أكبر كمية بأسرع وقت ممكن، ثانياً: قدرة فرقهِم الاستراتيجيّة على استقراء مستقبل إنتاج اللقاح وأيٍ من شركات إنتاج اللقاح ستنتجُ أولاً وبفعالية تحصين أكبر وثالثاً: قدرتها المالية التي ستحدد مقدرتها على المخاطرة بشراء لقاحات لم تعتمد بعد بناءً على استقرائها للمستقبل، (إنّها مقامرَة عليهم اتخاذها وإلا فالنتائج وخيمة). معربةً عن قلقها من أنّ المرحلة القادمة ستفتقد المساواة في توزيع اللقاح. (عائشة، إنهم يجوبون العالم -بينمَا نتحدّثُ- بملايين من الكاش لحجز اللق